الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا إلى آخرها، ووزنها: مفاعيل مفاعيل، أربع مرات من بحر الهزج، إلَّا أنه جمع بين السّاكنين في القوافي من غير إرداف في غالب القصيدة، وهو عيب عندهم، ومثله شعر عند صاحب "القسطاس" دون غيره من العروضيين؛ لاعتبارهم الوزن العربي في حد ما هو شعر. وتنحط: مصدره الانحطاط، وهو الانحدار من علو إلى سفل، يريد انتقاله من ظهر الأرض إلى بطنها. وهو لحد القبور، وتنغط: مطاوع غطّه في الماء غطًّا: إذا غمسه فيه، يريد مواراته وتغطيته بالتراب، والرهط: قوم الرجل وقبيلته. وقوله: إلى أضيق، أي: إلى مكان أضيق، والسَّمّ، بالفتح: الثقب، يقال:
سمُّ الخياط مع الأحباب ميدان
أي: ثقب الإبرة.
والحريري: هو أبو محمد القاسم بن علي البصري صاحب "المقامات" كان حامل لواء البلاغة، وكان فارس ميدان النظم والنثر، وكان من رؤساء بلده، وهو منسوب إلى الحرير لبيعه أو عمله. ولد في سنة ست وأربعين وأربعمائة، وتوفي بالبصرة في سادس رجب سنة ست عشرة وخمسمائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث عشر بعد الثلاثمائة:
(313)
كأنَّ إذا تشوَّفا
…
قادمةً أو قلما محرَّفا
على أنَّ كأنَّ قد نصب بعدها الاسم والخبر. قال المبرد في "الكامل": حدِّثت أنَّ العمانيّ أنشد الرشيد في صفة فرس: كأنّ أذنيه إذا تشوَّفا .. الخ، فعلم القوم كلّهم أنه قد لحن، ولم يهتد أحد منهم لإصلاح البيت إلَّا الرشيد، فإنه قال له:
قل: "تخال أذنيه إذا تشوَّفا". والراجز وإن كان قد لحن فقد أحسن التشبيه. انتهى. وكذا نقله ابن عبد ربه في "العقد الفريد" وروى الصولي في كتاب "الأوراق" عن الطيب بن محمد الباهلي عن موسى بن سعيد بن مسلم أنه قال: كان أبي يقول: كان فهم الرّشيد فهم العلماء، أنشده العماني في صفة فرس: كأنَّ أذنيه .. الخ، فقال له: دع كأنّ، وقل: تخال أذنيه، حتى يستوي الشعر. انتهى.
واعترض ابن السيّد فيما كتبه على "كامل المبرد" بأنَّ هذا لا يعدّ لحنًا، لأنه قد حكي أن من العرب من ينصب خبر كأنّ ويشبهها بظننت، وعلى هذا أُنشد قول ذي الرُّمَّة:
كأنَّ جلودهنَّ مموَّهاتٍ
…
على أبشارها ذهبًا زلالا
وعليه قول النابغة الذبياني:
كأنَّ التاج معصوبًا عليه
…
لأذوادٍ أصبن بذي أبان
في أحد التأويلين. انتهى. ويمنع الأول بجعل مموّهاتٍ حالا من جلودهنَّ لأن مفعول في المعنى، والخبر قوله: على أبشارها، والرواية رفع مموهات على الخبرية، يصف النساء، والمموّهات المطليات، والأبشار: جمع بشرة وهي ظاهر الجلد، وذهبًا: المفعول الثاني لمموّهات، يقال: موذهه ذهبًا، والزلال: الصافي من كل شيء. ويمنع الثاني أيضًا بجعل عليه هو الخير، ومعصوبًا حالًا من التاج، وذو أبان: موضع. يريد أنه أغار على قومٍ، فأخذ منهم أذواد إبل فيظن نفسه ملكًا يهزأ به. فإن قلت: معمولًا كأنّ أصلهما المبتدأ والخبر، فكيف أخبر عن المثنى بالمفرد؟ قلت: إنَّ العضوين المشتركين في فعل واحد مع اتفاقهما في التسمية يجوز إفراد خيرهما؛ لأنَّ حكمهما واحد، كقولك: أذناي سمعت، وقدماي مشت.
والعامل في "إذا" ما في كأنَّ من معنى الفعل، وتشوَّف: تطلَّع والمراد نصب الأذن للاستماع، والألف سواء كان ألف إطلاق، أو ضمير المثنى، كان يجب معه إلحاق تاء التأنيث، لأنَّ الفعل يجب تأنيثه إذا أسند إلى ضمير المؤنث، مجازيًا كان أو حقيقيًا. والأذن مؤنث مجازي سماعًا، فهذا خطأ آخر لم أر من ذكره. والقادمة: إحدى قوادم الطير، وهي مقامُ ريشه، وفي كل جناح عشر ريشات، والقلم: آله الكتابة، والمحرّف: المقطوط لا على جهة الاستواء، بل يكون الشِّق الوحشي أطول من الشِّق الإنسيّ، وهذا المعنى أصله لعدي بن زيد العبادي وهو قوله:
يخرجن من مستطير النَّقع داميةً
…
كأنَّ آذانها أطراف أقلام
والعمانيّ: من مخضرمي الدولتين، عاش مائة وثلاثين سنة، قال ابن قتيبة في كتاب "الشعراء": العماني الفقيمي: هو محمد بن ذؤيب، ولم يكن من أهل عمان؛ ولكن نظر إليه دكين الراجز فقال: من هذا العمانيّ؟ وذلك أنه كان مصفرًا مطحلًا، وكذلك أهل عمان، قال الشّاعر:
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله
…
ويغبط بما في بطنه وهو جائع
ودخل على الرشيد لينشده، وعليه قلنسوة وخفّ ساذج، فقال: إيّاك أن تدخل إليَّ إلَّا وعليك خفّان دلقمان، وعمامة عظيمة الكور، فدخل عليه وقد تزيّا بزيّ الأعراب، فأنشده وقبّل يده، وقال: يا أمير المؤمنين! قد والله أنشدت مروان، ورأيت وجهه، وقبلت يده وأخذت جائزته، ثمَّ يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد، ثمَّ السفاح، ثمَّ المهدي، كلّ هؤلاء رأيت وجوههم، وقبلت أيديهم، وأخذتُ جوائزهم، لا والله ما رأيت فيهم يا أمير المؤمنين، أندي كفًّا، ولا أبهى منظرًا، ولا أحسن وجهًا منكّ! فأجزل له الرشيد الجائزة، وأضعفها له على كلامه، وأقبل عليه فبسطه، حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام. انتهى.