الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والثلاثون بعد الثلاثمَّائة:
(331)
قد أصبحت أمُّ الخيار تدَّعي
…
علىَّ ذنبًا كلّه لمْ أصنع
على إنَّ كلًّا إنَّ تقدَّمت على النفي، اقتضى إنَّ يكون لعموم السلب على كلّ فرد.
قال الحطيب في "الإيضاح": وإنَّ أخرجت كلّ من حيّز النفي بإنَّ قدمت عليه لفظًا، ولم تكن معمولة لفعل المنفي، توجه المنفي إلى أصل الفعل، وعمَّ ما أضيفت إليه كلّ. انتهى. ومفهومه إذا كانت معمولة الفعل المنفي مع تقدَّمها، توجه النفي إلى العموم، نحو: كلّ الدراهم لم آخذ، وصرح به عبد القاهر فيما تقدَّم من كلّامه، ونازع في هذا السبكي، وحقق إنَّ كلًّا إذا تقدَّمت على النفي، سواء كانت معمولة للفعل المنفي أم لا، توجه النفي إلى كلّ فرد. قال: ولو قلت: كلّه لم أصنعه، ورفعت كلّه، أفاد نفي كلّ فرد، كما لو حذف الضمير، ولو نصب على الإشتغال فكذلك؛ لأنَّك بنيت الكلّام على كلّ، وحكمت بالنفي عليها، ولأنَّ معنى: لم أصنعه، في معنى تركته، وكذلك تقدر: تركت كلّه، لم أصنعه، ولو قال كذلك أفاد كلّ فرد، ولو نصب ولم يأت بضمير، بل سلّط أصنع على ما قبله، فقد وقع في كلّام البيايين انه لا يفيد العموم، كقوله: لم أصنع كلّه، وهو الَّذي يتبادر إلى الذهن؛ لانه إذا كان معمولًا لأصنع، فالنفي في قوة التقدم، فلا فرق بين أنَّ يتقدَّم في اللفظ أو يتأخر، لكن في "كتاب سيبويه" لما إنَّشد البيبت قال: وهذا ضعيف، يعني حذف الضمير، قال: وهو بمترلته في غير الشعر؛ لأنَّ النصب لا يكسر الشعر، ولا يخل به ترك إضمار الهاء، وكانه قال: كلّه في غير مصنوع انتهى. وهو يقتضي انه لا فرق بين الرفع والنصب في أنَّ المعنى: كلّه غير مصنوع، وذلك يقتضي أنَّ النصب أيضًا يفيد العموم، وانَّه لم يصنع شيئًا منه؛ لما تقرر من دلالة العموم.
وقد تأملت ذلك فوجدت قول سيبويه أصح من قول البيايين، وإنَّ المعنى حضره وغاب عنهم، لانه ابتدأ في اللفظ بكل، ومعناها كلّ فرد، فكان عاملها المتأخر في معنى الخبر عنها: لأنَّ السامع إذا سمع المفعول يتشوف إلى عامله، كا يتشوف سامع المبتدأ إلى الخبر، وبه يتم الكلّام؛ فكان:" كلّه لم أصنع" مرفوعًا ومنصوبًا سواة في المعنى، وإنَّ اختلفا في إلَاّعراب، ويبعد كلّ االبعد إنَّ يحمل كلّام سيبويه على إنَّ " كلّه لم أصنع" بالرفع والنصب معناه عدم صنع المجموع، فيكون قد صنع بعضه، لأنَّ معنى الحديث على خلافه في قوله:" كلّ ذلك لم يكن" وفي حفظي من كلّام ابن عباس: كلّ ذلك لا أقول، لما قال له أبو سعيد الحدري في حديث الربا: سمعته من النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو وجدته في كتاب الله تعالى؟ فقال: كلّ ذلك لا أقول، وإنَّتم أعلم برسول الله، صلى الله عليه وسلم، مني، ولكني أخبرني أسامة، وذكر الحديث. رواه البخاري ومسلم، ومعناه: لا أقول هذا ولا هذا، فإنَّ كان كلّ بالنصب كما أحفظه، فهو نص في رد ما قاله البيانون من عدم إفادة العموم عند تقدَّمها منصوبة، ويبعد عنه سيبويه إنَّ تكون مرفوعة؛ لانه لا يجيز ذلك إلَاّ على ضعف، مقتضى مذهبه أيضًا إنَّ معمول الفعل المنفي بـ "لا" لا يتقدَّم عليها، والَاّصح جواز تقدَّمه إذا لم تكن في جواب قسم، فإنَّ ثبتت الرواية بالنصب فيدل على إنَّ المعتبر تقدَّم كلّ في اللفظ، سواء كانت مبتدأة كما في قوله: كلّ ذلك لم يكن، أم مفعولة كما هنا، والمعنى فيه ما أشرنا إليه، ولأنَّ المأخذ المتقدَّم من بناء ذلك على ما تقرر في المنطق من القضايا، وهو أمر يرجو إلى المعنى لا إلى صناعة إلَاّعراب. وقد نقل البانَّيون عن عبد القاه أنَّ: كلّ الدراهم لم أخذ، لنفي الشمول، وهو مخالف لما قلناه، ولما قاله سيبويه، والصواب حذف هذا المثال، وجعله في القسم الثاني. إلى هنا كلّام السبكي.
ولم يصب ابن خلف في " شرح شواهد سيبويه" في قوله: كلّه لم أصنع، يحتمل أمرين: أحدهما انه أراد لم يصنع جميعها، ولا شيئًا منها، وإلَاّخر: انه صنع بعضها، ولم يصنع جميعها. انتهى؛ لانه مخالف لجميع كلّام الناس، وقال أيضًا:
أم الخيار: أمرأته، وأراد بقوله: ذنبًا: ذنوبًا، ولكنه استعمل في موضع الجمع. والشاهد فيه انه حذف الضمير العائد إلى المبتدأ الَّذي هو: كلّه، وهو يريد: كلّه لم أصنعه، وكان المبرد يأبى هذا، ويروي:" كلّه لم أصنع" بنصب كلّ، ولا يجيز:"زيد ضربت" في شعر ولا غيره، واختلفوا في غير المعارف، فأجاز الكوفيون في غير المعارف الرفع، وأبى كلّه المبرد، وقال: أخبرنا الجرمي بهذا كلّه منصوبًا، قال: وسممنا بعض ذلك نصبًا من الرواة، قال ابن ولاد: لم يزد المبرد في هذه المسألة على إنَّ حكى قول سيبويه، وجعل حكايته لقوله ردًا عليه، وذلك إنَّ سيبويه قال في إثر بيت أبي النجم: وهذا ضعيف، وهو بمنزلته في غير الشعر؛ لأنَّ النصب لا يكسر [البيت]، ولا يخل به ترك إضمار الهاء، وهذا الَّذي قاله المبرد، ورأى انه قد رده عليه إذ قال: ليس في هذه إلَاّيات ضرورة، وانها في الكلّام والشعر واحد، هو قول سيبويه، وإنَّما زعم سيبويه انه سمع ذلك مرفوعًا في الشعر، ولم يقل انه لا يجوز إلَاّ في الشعر، وسماعه إياه مرفوعًا في الشعر من الرواة، كسماعه: شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى، مرفوعًا في الكلّام الَّذي جاء مثلًا، وإنَّما يحتج لمثل هذا الشاذ بمثل مشهور أو شعر مروي. وأما قول المبرد: إنَّ الجرمي سمع ذلك منصوبًا، فقد قال سيبويه: إنَّ النصب أكثر وأعرف. وأغني بذلك عن إلَاّحتجاج عليه بقول الجرمي. إلَاّ ترى إنَّ قوله: إنَّ الرفع ضعيف، إلَاّ انه سمعه من العرب! شبهوه بقولهم:" الَّذي رأيت زيد" في حذف الهاء من الصلة، وحذفها من الصلة أجود، ويتلوه في الجودة حذفها من الصفة، كقولك: الناس رجلان: رجل أكرمت، ورجل أهنت، وحذفها مع الحبر أضعف الوجوه. وقد روى أهل البصرة والكوفة هذه الشواهد رفعًا، كما رواها سيبويه، فهذا وجه الرواية وأما طريق المقايسة، فإذا أجازت العرب إنَّ ينصب المفعول إذا تقدَّم، وقد شغلت الفعل عنه بالهاء، كقولهم: زيدًا ضربته، فعديل هذا إنَّ تجيز: زيد ضربت،