الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والستون بعد المائتين:
فإن أهلك فذي حنقٍ لظاه
…
عليَّ تكاد تلتهب التهابا
على أنَّ جواب الشرط، إذا كان مصدّرًا بحرف له الصّدارة وجب اقترانه بالفاء كما هنا، فإنَّ أصله: فربّ ذي حنق، فحذفت ربّ وبقي عملها، وذو بمعنى صاحب، والفاء معها لربط الجواب بالشرط، فإنها تجب مع كلّ جواب لا يصحّ وقوعه شرطًا، والجواب هنا في الحقيقة هو جواب ربّ، وهي "مخضت" أوَّل البيت الذي بعد هذا، وقدِّمت ربّ عليه لأنَّ الصّدر. وقول المصنف: لما عرفت من أنَّ ربَّ مقدرة، وأنّ لها الصدر [انتهى. وقوله: لها الصدر] جواب سؤال مقدر، وهو أنَّ جواب الشرط في مثل هذا إنما هو جواب ربّ، وهو فهل ماضٍ يجب معه ترك الفاء، فكيف وجبت الفاء؟ أجاب بأنَّ "ربَّ" لما وجب تقدّمها على جوابها لصدارتها، كانت في الظاهر هي الواقعة جواب الشرط، وهذ لا تصح أن تقع شرطًا؛ فوجب أن تقترن بالفاء وفاءً بمقتضى الضّابط، ولم أر أحدًا من شرّاح هذا الكتاب تنبه لما قلناه. وقال الإمام المرزوقي في "شرح الحماسة" وتبعه جميع شرّاحها. فإن قيل: إنَّ الفاء جواب الجزاء إنما يجيء ‘ذا خالف الجملة التي تكون جزاء الجملة التي تكون شرطًا، بأن تكون مبتدأ وخبرًا، فكيف يكون تقديرهما بعد الفاء [ها] هنا؟ قلت: يكون التقدير: إن أهلك، فالأمر والشأن: ربَّ ذي حنق بهذه الصفة فعلت به كذا، فقوله:"ربّ ذي حنق" خبر المبتدأ الذي أظهرناه. هذا كلامه، وفيه نظر من وجهين، أحدهما: لا ينحصر وجوب اقتران الفاء بالجملة الاسمية الواقعة جوابًا لشرط، بل الحصر في ست صور كما ذكرها المصنف. ثانيهما: أنّ ربّ لها الصّدر، لا تقع مبتدأ أبدًا إذ العامل في الخبر هو
المبتدأ، على أنَّ هذا لا يصح يصحّ مع قوله: إن "مخضت" جواب ربّ. وتبعه السّيوطي أيضًا، فقال: فذي حنق جواب الجزاء، والتقدير: إن أهلك فالأمر والشأن ربّ ذي حنق. انتهى.
والبيت من ثمانية أبيات لربيعة ابن مقروم الضبّي، أوردها أبو تمام في "الحماسة" وهي:
أخوك أخوك من يدنو وترجو
…
مودَّته وإن دعي استجابا
إذا حاربت حارب من تعادي
…
وزاد سلاحه منك اقترابا
وكنت إذا قريني جاذبته
…
حبالي مات أو تبع الجذابا
فإن أهلك فذي حنقٍ لظاه
…
عليَّ تكاد تلتهب التهابا
مخضت بدلوه حتى تحسَّى
…
ذنوب الشَّرَّ ملأى أو قربا
بمثلي فاشهد النَّجوى وعالن
…
بي الأعداء والقوم الغضابا
فإنَّ الموعدي يرون دوني
…
أسود خفيَّة الغلب الرِّقابا
كأنَّ على سواعدهنَّ ورسًا
…
علا لون الأشاجع أو خضابا
قال المرزوقي: أخوك مبتدأ، وكررّ تأكيدًا، ومن تدنو: خبره، والمعنى: مخالصك في الأخوَّة والود من يقرِّب مكانه منك، وتحسن شفقته عليك، وإن استغثت به لملمَّة، أغاثك. ويجوز أن يكون من يدنو أراد به قرب النّصح والشفقة، لا تقارب الدّار.
وقوله: إذا حاربت
…
الخ، قال المرزوقي: يجوز أن يكون هذا متصلًا بما قبله، والضمير في حارب لأخوك، ومن تعادي: مفعول حاربت، والمعنى: إذا حاربت من تعادي حارب هذا المؤاخي [لك] معك، وزاد نصرته وعدَّته منك
قربًا ما دمت محاربًا، ويجوز أن يكون منقطعًا مما قبله، ويكو مثلًا مضروبًا، فيقول: إذا كاشفت عدوك، بعثه ذلك على مكاشفتك، وازداد عدته من الكيد وغيره منك دنوًا، وإذا جاملته وداجيته بقي على ما ينطوي عليه مساترًا لا مجاهرًا.
وقوله: كنت إذا قريني
…
الخ، يقول: إذا جاذبني قرين لي حبلًا بيني وبينه، فإمَّا أن ينقطع دون شأوي إلى الجذاب فيهلك، وإمَّا أن يتبع صاغرًا فينقاد.
وقوله: فإن أهلك
…
الخ، هذا الكلام تسل عن العيش بعد قضاء حاجته، وإدراك ثأره، ولولا ما تسهل له من ذلك لكان لا يسهل عليه انقطاع العمر، ولو مات لمات بغصته، فيقول: إن أمت فربّ رجل ذي غيظ وغضب، تكاد نار عداوته تتوقد توقدًا، أن فعلت به كذا. ولظاه: مبتدأ، وجملة "تكاد تلتهب" خبره، وكلّ منهما مسند إلى ضمير مؤنث يعود إلى اللظى، فهما بالمثناة الفوقية، وجوز الشُّمسُّني بالمثناة التحتية مسندين إلى ضمير مذكر يعود يعود إلى اللظى، فهما بالمثناة الفوقية، وجوز الشُّمسُّني بالمثناة التحتية مسندين إلى ضمير مذكر يعود إلى اللظى، لاكتسابه التذكير من الضمير المضاف إليه، و"عليَّ" متعلق بتلتهب، وقيل بلظاه لما فيه من معنى الاشتداد والتوقد، وفيه نظر لأنَّ المعنى ليس عليه، واللظى: النَّار استعيرت للحنق، بفتح المهملة والنون، وهو الغيظ، وقيل: شدته، و"هلك" جاء من بابي ضرب وعلم.
وقوله: مخضت بدلوه
…
الخ، هذا جواب ربّ، يقول: ربّ إنسان هكذا، أنا حركت بدلوه التي أدلاها في الأمر الذي خضنا فيه حتى ملأتها، وجعل الدّلو كناية عن السبب الذي جاذبه فيه، والطمع الذي جرأه عليه، قال: فتحسَّى دلو الشر مملوءة، أو قريبة من الامتلاء. وقراب: بكسر القاف وضمّها، والمعنى: جعلت شربه من الشرّ مرويًا، فكان المراد أنَّ هذا المعادي الممتلئ غيظًا لما ألقى دلوه يستقي بها الماء من بئري، ملأتها شرًا، وجعلته سقياه. والمخض بالخاء والضاد المعجمتين: تحريك الدّلو في البئر الدلو لتمتلئ، والذنوب بفتح الذال المعجمة: التي لها ذنب، وهي هنا مثل، يقول: جنيت عليه الشرّ حتى ملنَّه.