الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأترك القرن مصفرًّا أنامله
…
دامي المراد ع منكبًا على العفر
وقالت عمرة بنت شداد الكلبيّة ترثي أخاها:
قد يطعن الطعَّنة النجلاء يتبعها
…
مضرّج بعدها تغلي بإزباد
ويترك القرن مصفرًّا أنامله
…
كأنَّ أثوابه مجَّت بفرصاد
وقال الأعشي:
قد أترك القرن مصفرًّا أنامله
…
وقد يشيط على أرماحنا البطل
وعبيد بن الأبرص: شاعر جاهلي تقدَّمت ترجمته في الإنشاد الخامس والعشرين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والثمانون بعد المائتين:
(289)
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني
…
جرداء معروقة اللَّحيين سرحوب
لما تقدَّم قبله. وهو من قصيدة لامرئ القيس، وقبله وهو مطلعها:
الخير ما طلعت شمس وما غربت
…
مطَّلبٌ بنواصي الخيل معصوب
والخير: مبتدأ، ومطلب: خبره. وما: مصدرية ظرفية، والباء متعلقة بمطلب، ومتعلق معصوب محذوف تقديره بها، وهو موافق للحديث:"الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة".
وقوله: قد أشهد، أي: أحضر، والغارة: الخيل المغبرة على الأعداء، وأصله اسم مصدر من أغار على العدوّ إغارة، أي: هجم عليه، شعواء: بالشين المعجمة والعين المهملة: المتفرقة، تتفرَّق الخيل على الأعداء من هنا ومن هنا حتى لا يفوتهم أحد من العدوّ، والجرداء، بالجيم: مؤنث الأجرد، يقال: فرس أجرد، وفرس جرداء، إذا كان رقيق الشعر قصيره، وهو من وصف كرائم الخيل، ومعروقة: قليلة اللحم ضامرة، وهذا أيضًا صفة مدح، واللحيين: مثنى لحي، بفتح اللَّام وسكون الحاء المهملة: العظم الذي ينبت عليه الأسنان من داخل الفم، وتنبت عليه اللحية من الخارج. والسرحوب: الطويلة على وجه الأرض، وهو وصف خاص بإناث الخيل.
وأضاف المصنف هذا البيت إلى العروض، أي: علم العروض، لأنه يذكر شاهدًا للضرب الثاني من البسيط، وهو مذكور في كلّ كتاب من علم العروض وبعده:
كأَّنها حين فاض الماء واختلفت
…
صقعاء لاح لها بالسَّرحة الذِّيب
فأبصرت شخصه من دون مرقبة
…
ودون موقعها منه شناخيب
فأقبلت نحوه في الرِّيح كاسرةً
…
يحثها من هواء الجوِّ تصويب
صبَّت عليه ولم تنصب من أمم
…
إنَّ الشَّقاء على الأشقين مصبوب
كالدَّلو بتّت عراها وهي مثقلة
…
إذ خانها وذم منها وتكريب
لا كالَّتي في هواء الحوِّ طالبةً
…
ولا كهذا الَّذي في الأرض مطلوب
كالبرق والرِّيح مر منهما عجب
…
ما في اجتهاد عن الإسراع تغبيب
فأدركته فنالته مخالبها
…
فانسلَّ من تحتها والدَّف منقوب
وقوله: كأنها .. الخ، أي: كأنَّ الفرس حين عرقت، فالماء عرقها، واختلفت، أي: استقت ماء، يريد: كأنها استقت ماء من شدة عرقها، أو معناه: ترددت جاءت وذهبت، فإنَّ الاختلاف أحد معانيه التردد، جاءت وذهبت، فإنَّ الاختلاف أحد معانيه التردد، وصقعاء: خبر كأنها، شبّه الفرس بالعقاب الصقعاء، وهي التي في وسط رأسها صقعة، أي: بياض، ولاح: ظهر، والسرحة: شجرة، وقيل: موضع، يقول: كانت العقاب واقفة تبصر صيدًا، فلاح لها الذئب.
وقوله: فأبصرت شخصه .. الخ، المرقبة، بالفتح: الموضع العالي الذي يرقب فيه العدوّ. وموقع العقاب: الموضع الذي هي واقفة عليه، والشناخيب: رؤوس الجبال، أي: بين موقعها من الذئب وبينه رؤوس جبال عالية.
وقوله: فأقبلت نحوه .. الخ، أي: نحو الذئب، وكسر الطائر: إذا صف جناحيه، والتصويب: الانصباب.
وقوله: صبّت عليه، أي: سلِّطت العقاب على الذئب، والأمم، بفتحتين القرب، يقال: أخذته من أمم، والأشقين: جمع أشقى. وهذا المصراع من إرسال المثل. وقوله: بُتّت عراها .. الخ، شبّه هويّ العقاب بسرعة هويّ الدلو الممتلئة إذا انقطع حبلها، وبُتت: قُطعت من البتّ، وهو القطع. والعرى: جمع عروة، والوذم، بفتح الواو والذال المعجة: السيور التي بين آذان الدلو وأطراف العراقي، وهي العيدان المصلبة، تشد من أسفل الدلو إلى قدر ذراع أو ذراعين من حبل الدلو مما يلي الدّلو، فإن انقطع حبلها تعلقت بالوذم، والتكريب: شد الكرب –بفتحتين- وهو الحبل الذي يشد في وسط العراقي، ثمَّ يثني، ثمَّ يثلث، ليكون هو الذي يلي الماء، فلا يعفن الحبل الكبير.
وقوله: لا كالّتي في هواء الجو .. البيت، هو من شواهد الرّضي وسيبويه، شرحناه في الشاهد السادس والستين بعد المائتين. قال الأعلم: الشاهد فيه: رفع "مطلوب" حملًا على موضع الكاف، لأنها في تأويل مثل، وموضعها رفع، وهو بمنزلة: لا كزيد رجل، ولو نصبت حملًا على اللفظ وعلى التمييز لجاز. انتهى. ونقل ابن السراج في "الأصول" عن سيبويه أنَّ اسم "لا" في مثل هذا محذوف، والكاف حرف كأنه قال: ولا شيء كهذا، والمعنى: لا شيء كهذه العقاب الطالبة، ولا شيء كهذا الذئب المطلوب في قطع المسافة بالسرعة. قال ابن رشيق في "العمدة": هذا البيت عند دعبل أشعر بيت قالته العرب، وبه قدمه على الشعراء.
وقوله: كالبرق والرّيح .. الخ، يقول: إنَّ العقاب والذئب مرّهما وسرعتهما كالبرق والريح، والتغبيب: الفتور والتقصير، يقال: غبّب فلان في الحاجة تغبيبًا: إذا لم يبالغ فيها، وهو من الغبّ، بالغين المعجمة والباء الموحدة.
وقوله: فأدركته .. الخ، انسل: انفلت، والدفّ، بفتح الدال وتشديد الفاء: الجنب، يغني: أفلت الذئب من العقاب ونجا، لكن نقبت جنبه. وترجمة امرئ القيس تقدمت في الإنشاء الرابع من أول الكتاب.
قال ابن حبيب في "شرح ديوان امرئ القيس" يقال: إنَّ هذه القصيدة لرجل من الأنصار، وهي بشعره أشبه. وصرَّح ابن يسعون في "شرح شواهد إيضاح أبي علي" باسمه، وقال: الصحيح أنَّ هذا البيت من قصيدة لعمران بن إبراهيم الأنصاري، وأنشد بعده:
إذا تبصَّرها الراؤون مقبلة
…
لاحت لهم غرَّة منها وتجبيب
رفاقها ضرمٌ وجريها خذم
…
ولحمها زيم والبطن مقبوب