الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة، وهو شاعر فارس إسلامي قال ابن حجر في "الإصابة" نقلًا عن المرزباني: هو شريف مشهور مخضرم، بقي إلى أيّام معاوية، وكان مع علي في حروبه، وقتل أخوه مالك بن حرّيّ بصفّين، وهو يومئذ رئيس بني حنظلة، وكانت رايتهم معه، ورثاه نهشل بمراث كثيرة، قال: وأبوه شريف شاعر مشهور، وجده ضمرة سيد ضخم الشرف، وكان من خير بيوت دارم. انتهى. وله ابن سمّاه باسم والده، وهو حرّيّ بن نهشل بن حرّيّ، وهو شاعر أيضًا، وله يقول الفرزدق:
أحرّيّ قد فاتتك أختُ مجاشعٍ
…
فضيلة فانكح بعدها أو تأيَّم
وكان اسم ضمرة جد نهشل شِقَّة، بكسر الشين المعجمة وتشديد القاف. ودخل على النعمان فقال له: من أنت؟ فقال: أنا شِقَّة بن ضمرة، قال النعمان: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، فقال: أبيت اللّعن! إنَّما المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه، إن نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان. قال: أنت ضمرة بن ضمرة، يريد: إنّك كأبيك، كذا في كتاب "الشعراء" لابن قتيبة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والتسعون بعد المائتين:
(294)
فصيِّروا مثل كعصفٍ مأكول
على أنَّ الكاف هنا اسم أكدت مثلًا. وأنشده سيبويه على أنها في البيت اسم لضرورة الشعر، قال: إنَّ أناسًا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة مثل، وأنشد هذا البيت والبيت الذي بعده. انتهى.
قال الأعلم: أدخل مثلًا على الكاف إلحاقًا لها بنوعها من الأسماء ضرورة، وجاز الجمع بينهما جوازًا حسنًا لاختلاف لفظيهما مع ما قصده من المبالغ في التشبيه،
ولو كرر المثل لم يحسن. وقال صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى/ 11]: ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد كما كرَّرها من قال: وأنشد البيت، وأورد عليه أنَّ الكاف تفيد تأكيد التشبيه لا تأكيد الَّفي، ونفي المماثلة المهملة أبلغ من نفي المماثلة المؤكدة، فليس الآية نظيرًا للبيت. وأجيب بأنها تفيد تأكيد التشبيه، إن سلبًا فسلب وإن غثباتًا فإثبات.
قال ابن جني في "سرّ الصناعة": إن قال قائل: بماذا جرّ عصف أبالكاف التي تجاوره، أم بإضافة مثل إليه على أنه فصل بالكاف بين المضاف والمضاف إليه؟ فالجواب: إنّ العصف في البيت لا يجوز أن يكون مجرورًا إلَّا بالكاف، وإن كانت زائدة، يدلك على ذلك أنّ الكاف في كلّ موضع تقع فيه زائدة لا تكون إلّّا جارّة، كما أن "من" وجميع حروف الجرّ في أيّ موضع وقعن زوائد، فلا بد من أن يجررن ما بعدهن، كقولك: ما جاءني من أحد، ولستُ بقائم، فكذلك الكاف في مثل "كعصف" هي الجارّة لعصف.
فإن قيل: فإذا جررت العصف بالكاف فإلام أضفت مثلًا؟ وما الذي جررت به؟ فالجواب: إنّ مثلًا وإن لم تكن مضافة في اللفظ، فإنها مضافة في المعنى، وجارة لما هي مضافة إليه في التقدير، وذلك أنّ التقدير: فصيّروا مثل عصف مأكول، فلمّا جاءت الكاف تولَّت هي جرّ العصف، وبقيت مثل غير جارّة ولا مضافة في اللفظ، وكان احتمال هذه الحال في الاسم المضاف أسوغ منه في الحرف الجار؛ وذلك لأنّا لا نجد حرفًا جارًا معلقًا غير عامل في اللفظ، وقد نجد بعض الأسماء معلقًا عن الإضافة جارًا في المعنى غير جار في اللفظ، وذلك نحو قولهم: جئت قبل وبعد، وقام زيد ليس غير. وقد قالوا:
بين ذراعي وجبهة الأسد
أي: بين ذراعي الأسد وجبهته. وحكى الفراء: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله، أي: يد من قاله، ورجل من قاله. وهذا كثير وإنَّما أردت أن أوجدك أن الأسماء قد تعلق عن الإضافة في ظاهر اللفظ، وأنَّ الحروف لا يمكن أن تعلق عن الجرّ في اللفظ البتة، فأما قول الشاعر:
جياد بني أبي بكرٍ تسامى
…
على كان المسوَّمة العراب
فإنه إنَّما جاز الفصل بين حرف الجر وما جره بـ "كان"، من قبل أنها زائدة مؤكدة، فجرت مجرى "ما" المؤكدة في نحو قوله تعالى:{فبما نقضهم ميثاقهم} [المائدة/ 13] و {عما قليل} [المؤمنون/ 40]، فلذلك جاز لعلى، وإن كانت حرفًا جارًّا، أن تتخطى إلى ما بعد كان [فتجره]، ولا يجوز في قوله:"ككما يؤثفين" أن تكون "ما" مجرورة بالكاف الأولى، لأنَّ الكاف الثانية "عاملة للجرّ"، وليست كان جارة [فتجري] مجرى الكاف في "ككما".
فإن قيل: فمن أين جاز تعليق الأسماء عن الإضافة في اللفظ، ولم يجز في حروف الجرّ إلَّا أن تتصل بالمجرور؟
فالجواب: أن ذلك جاز من وجهين: أحدهما: أنّ الأسماء أقوى وأعم تصرفًا من الحروف وهي الأول الأصول، فغير منكر أن يتجوَّز فيها ما لا يتجوز في الحروف، ألا ترى أنَّ التّاء في رُبَّت وثمّت علامة تأنيث كما أنَّ التّاء في مسلمة علامة تأنيث؟ وقد أبدلوا تاء التأنيث في الاسم هاء في الوقف [فقالوا: مسلمة]، ولم يبدلوا التّاء في:
ربت وثمت ولات ولعلت في وقف ولا وصل، لأنه ليس للحرف قوة الاسم وتصرفه، والفعل أيضًا في هذا جار مجرى الحرف، ألا ترى أن التاء في قامت وقعدت ثابتة غير مبدلة في وصل ولا وقف؟
والوجه الآخر: أنّ الأسماء ليست في أوَّل وضعها مبنية على أن تُضاف ويُجرّبها، وإنما الإضافة فيها ثانٍ لا أوَّل فجاز فيها أن تعرى في اللفظ من الإضافة، وإن كانت الإضافة فيها منوية. وأمّا حروف الجرّ فوضعت على أنها للجر البتة، وعلى أنها لا تفارق المجرور؛ لضعفها وقلّة استغنائها عن المجرور، لضعفها وقلذة استغنائها عن المجرور، فلم يمكن تعليقها عن الجرّ والإضافة، لئلا يبطل الغرض الذي جيء بها من أجله، فهذا أمر ظاهر.
فإن قال قائل: فمن أين جاز للاسم أن يدخل على الحرف في قوله: مثل كعصف؟ فالجواب أنه إنَّما جاز ذلك لما بين الكاف ومثل من المضارعة في المعنى، فكما جاز لهم أن يدخلوا الكاف على الكاف في قوله:
وصالياتٍ ككما يؤثفين
لمشابهته لمثل، حتى كأنه قال: كمثل ما يؤثفين، كذلك أدخلوا أيضًا مثلًا على الكاف في قوله:"كعصف" وجعلوا ذلك تنبيهًا على قوة الشبه بين الكاف ومثل. فإن قال قائل: فهل تجيز أن تكون الكاف مجرورة بإضافة مثل إليها، ويكون العصف مجرورًا بالكاف؟ فتكون على هذا قد أضفت كلّ واحد من مثل ومن الكاف، فيزول عنك الاعتذار لتركهم مثلًا غير مضافة على ما قدمته، ويكون جرّ الكاف إضافة مثل إليها كجرّها بدخول الكاف على الكاف في قوله:"ككما يؤثفين" فكما إنَّ الكاف الثانية هنا مجرورة بالأولى، كما انجرَّت بعلى في قول الآخر:
على كالقطا الجونيِّ أفزعه الزَّجر
فكذلك هلَّا قلت: إنَّ الكاف في مثل "كعصف" مجرورة بإضافة مثل إليها؟
فالجواب: إن قوله: مثل كعصف قد ثبت أن مثلًا أو الكاف فيه زائدة، كما أنّ إحداهما زائدة في قوله:{ليس كمثله شيء} [الشورى/ 11] وإذا ثبت ذلك فلا يجوز أن تكون مثل هي الزَّائدة؛ لأنها اسم، والأسماء لا تزاد إنما تزاد الحروف، فإذا لم يجز أن تكون مثل هي الزّائدة، ولم يكن بدّ من زائد، ثبت أنَّ الكاف هي الزائدة، وإذا كانت هي الزّائدة فلا بدَّ من أن تكون كما قدَّمنا حرفًا، وإذا كانت حرفًا بطل أن تكون مجرورة، من حيث كانت الحروف لا إعراب في شيء منها، وإذا لم تكن مجرورة بطل أن تكون "مثل" مضافة إليها. على أن أبا علي قد كان أجاز أن تكون مثل مضافة إلى الكاف، وتكون الكاف هنا مجرورة اسمًا، وفيه عندي ضعف لما ذكرته.
فأمّا قول الآخر: "ككما يؤثفين" فقد استدللنا بدخول الكاف الأولى على الثانية أنَّ الثانية اسم، وأن الأولى حرف قد جر الثانية، وهو مع ذلك زائد، ولا ينكر وإن كان زائدًا أن يكون جارًا، لما قدمناه من قولهم: ما جاءني من أحد، ولست بقائم. إلى هنا كلام ابن جني وسقناه بطوله لكثرة فوائده.
وكأنَّ الدماميني لم يقف على هذا الكلام، ولم يستحضر كلام الرضي في هذا المقام فإنه قال: ينبغي أن تكون الكاف في البيت اسمًا أضيف إليه مثل، فيكون عمل كلّ من الكلمتين موفّرًا، أما إذا جعلت حرفًا، وجعل مثل مضافًا إلى عصف، لزم قطع الحرف الجارّ عن عمله بلا كاف، اللهم إلَّا أن يقال: تنزل منزلة الجزء من المجرور.
هذا كلامه. قال العيني، وتبعه السيوطي: البيت من رجز لرؤبة بن العجاج وقبله:
ومسَّهم ما مسَّ أصحاب الفيل
…
ولعبت بهم طير أبابيل
ترميهم حجارةً من سجيّل
…
فصيروا مثل كعصفٍ مأكول
ولم يذكر ما مرجع الضمير، ومن الذين جرى عليهم هذا الأمر. وقد راجعت ديوان رؤبة نسختين، فلم أجده فيه، ولعله من رجز والده العجاج، ولم يحضرني الآن ديوانه.
وأصحاب الفيل: أبرهة بن الصبّاح الأشرم ملك اليمن، ومن معه من قبل أصحمة النجاشي. وكان من أمر أبرهة أنه بنى كنيسة بصنعاء، وأراد صرف الحاج إليها، فخرج رجل من بني كنانة، فقضى حاجته فيها، فأغضبه ذلك، وحلف ليهدمنّ الكعبة. فخرج بجيشه، ومعه الفيلة، وفيل قوي اسمه محمود، فلمّا تهيّأ لدخول الحرم، وقدم الفيل، فكان كلّما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وَجّهوه إلى اليمن أو إلى جهة أخرى هرول، فأرسل الله طيرًا أبابيل، في منقار كل منها حجر، وفي رجليه حجران أكبر من العدسة، وأصغر من الحمّصة، فرمتهم، فكان الحجر يقع في رأس الرجل، فيخرج من دبره، فهلكوا جميعًا. والسجيل: الطيران المتحجر بالنار، معرب سنك كل، أي: حجر الطين، والأبابيل: جمع إبّالة، بكسر الهمزة وتشديد الموحدة، وهي في الأصل: الحزمة الكبيرة، شبّهت بها الجماعة من الطير لتضامّها، وقيل: هي الجماعات من الطير لا واحد لها.
وقوله: فصيّروا، بالبناء للمفعول، وبه استشهد المصنف في "شرح الألفية" لتعدية صيّر إلى مفعولين، أولهما: نائب الفاعل وهو الواو، وثانيهما: مثل. والعصف،