الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واليد سابحة والرِّجل ضارحة
…
والعين قادحة والمتن ملحوب
والماء منهمر والشَّدُّ منهمر
…
والقصب مضطمر واللَّون غربيب
وقال: سابحة، أي: عائمة، استعار ذلك للفرس، والضارحة: النافحة برجليها، والقادحة: الغائرة، والمتن: الظهر، وملحوب: أملس قليل اللّحم، كأنه مقشور، ويروي: مقبوب، أي: مضمر، والأقب: الضامر. انتهى. واقتصر السيوطي على ما أورده ابن يسعون.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التسعون بعد المائتين:
(290)
وألحق بالحجاز فأستريحا
وصدره:
سأترك منزلي لبني تميم
على أنه جاء "أسريح" منصوبًا بأن المضمرة بعد الإثبات ضرورة ولا نفي قبله، ولا يلزم من نصب الفعل بأن المضمرة تقدم نفي. قال ابن يسعون في "شرح أبيات الإيضاح" نصب بالفاء في الواجب ضرورة وتشبيهًا بغير الواجب، وإنما حقه الرفع، إذ لا ضرورة تدعو إلى إضمار "أن" في غير الشعر، فأمّا غير الواجب فإنه بخلاف ذلك إذا لم ترد عطف الفعل على الفعل، فأنت مضطر إلى تقدير المصدر، ليصح تقدير العطف، تقول: زرني فأحسن إليك، ولو عطفت لم يجز، لأنَّ المتكلم لا يأمر نفسه بغير لام، وكذلك القول في جميع هذا الباب، وإنَّما يحمل على المعنى بسبب يقتضي ذلك، وإلَّا فالحمل على اللفظ هو الوجه. وزعم أبو علي أنَّ النّصب في الواجب كالنصب في غير الواجب، لأنَّ الفعل يدل على مصدره في الوجهين، غير أنَّ الاستعمال ورد بأحدهما، فكان الآخر شاذًا من حيث الاستعمال، مطّردًا من حيث القياس، وكذلك الواو. انتهى.
وقال سيبويه: وقد يجوز النّصب في الواجب في اضطرار الشّعر، ونصبه في الاضطرار من حيث انتصب في غير الواجب، وذلك لأنَّك تجعل "أن" العاملة، فمما نصب في الشعر اضطرارًا قول الشاعر:
سأترك منزلي لبني تميمٍ
…
وألحق بالحجاز فاستريحا
وقال الأعشى، وأنشدناه يونس:
ثمَّت لا يجزوني عند ذاكم
…
ولكن سيجزيني الإله فيعقبا
وهو ضعيف في الكلام، وقال طرفة:
لنا هضبة لا ينزل الذُّلُّ وسطها
…
ويأوي إليها المستجير فيعصما
انتهى. قال السيرافي: وأمّا قراءة عبد الله بن عامر اليحصبي {وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [البقرة/ 117] فضعيفة؛ لأنَّه لا منصوب قبله فيعطف عليه، وإنما نصب مثله في ضرورة الشعر، لأنَّه موجب، وما قبله موجب، وهو مثل:
وألحق بالحجاز فأستريحا
ومثل:
يأوي إليها المستجير فيعصما
ومثل:
ولكن سيجزيني الإله فيعقبا
ويروي: "ليعقبا" ولو روي جميع ذلك باللام لكان مستقيمًا غير خارج عن المعنى، ولا داخل في الضرورة. انتهى. وقال الأعلم. ويروي:"لأستريحا" ولا ضرورة فيه على هذا. انتهى. فقال ابن السراج في "الأصول": جعل لحاقه بالحجاز سببًا لاستراحته، فتقديره لما نصب كأنه قال: يكون لحاق فاستراحة، وقد جاء مثله في الشعر لقوم فصحاء، إلَّا أنّه قبح النصب في العطف على الواجب الذي على غير شرطه، لأنه قد جعل لهذا المعنى آلاتٍ، وكان حق الكلام أن يقول في غير شعر: وألحق بالحجاز، فإذا لحقت استرحت، أو: وإن ألحق استرح، ومع ذلك فإن الإيجاب على غير شرط أصل الكلام، وإزالة اللفظ عن جهته في الفروع وأحسن منها في الأصول، لأنها أدل على المعاني. وقول الدماميني النصب على حد:
ولبس عباءةٍ وتقرَّ عيني
غير جيّد، إذ لا مصدر صريح. وقال أيضًا: لقائلٍ أن يقول: لا نسلّم أنّ "أستريح" منصوب، بل مرفوع مؤكد بالنون الخفيفة، موقوفًا عليها بالألف، وتوكيد مثل هذا جائز في الضرورة، قال سيبويه: يجوز للمضطر: أنت تفعلنّ، ولا شك أن التخريج على هذا متجه، بخلاف التخريج على النصب مع فقد شرطه. هذا كلامه، وهو من باب غسل الدم بالدم، لأنه تفصّى عن ضرورة ولجأ إلى ضرورة، وشرط كل من النصب والتوكيد مفقود. وقوله: بل مرفوع، عجيب، فإنَّ المؤكّد بالنون يكون مبنيًّا.
والبيت نسبه ابن يسعوهن وغيره إلى المغيرة بن حبناء بن عمرو بن ربيعة الحنظلي التميمي، وقد رجعت إلى ديوانه، وهو صغير، فلم أجده فيه، وهو شاعر فارس من شعراء الدولة الأموية، وأحد فرسان خراسان، وله مدائح في المهلب بن أبي صفرة، وطلحة الطلحات، وغالب شعره هجو في أخيه صخر، ولهما قصائد تناقضًا بها، ومنه قوله فيه: