الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبيرة، ويقال: شهيرة أيضًا، ولم أقف على قائله. وقال الصاغاني في"العباب": هذا الرجز لعنّرة بن عروس، وقد رددناه في شرح الشاهد الخامس والخمسين بعد الثمانمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والسبعون بعد الثلاثمائة:
(376)
لهنَّك من برق علىَّ كريم
على أنّ لام التوكيد موضعها في الأصل قبل"إنّ" كما جاء هذا على الأصل، و"لهنك" أصله"لشنّك" أبدلت الألف هاء، فلام لهنك هي اللام التي تكون مع"إن" وهو أحد أقوال أربعة. ثانيها: أنها لام جواب قسم مقدر، ثالثها: أنها زائدة.
رابعها: أنّ اللام والهاء بقية لفظ الجلالة. أمًا الأوّل فهو مذهب أبي علي في"التذكرة القصرية" وهي المسائل التي جرت بينه وبين صاحبه الطيب محمد بن طوسي المعروف بالقصري، قال فيها: لهنك لرجل صدق، بمنزلة ما جاء على أصله من العينات المعتلة، ليدلوا بذلك على أنّ أصل المعتل هذا، وأوقعت اللام التي كانت في الخبر"إنك لرجل صدق" قبل إن، ليدلّ ذلك على أن حقها أن حقها أن تقع قبل إنّ، فأتوا بهذا على أصله، وأبدلوا الهمزة هاء، فرارًا من إيقاع اللام قبل إن، فغيسّر اللفظ على ذلك، لأنه ليس يخلو امتناعهم عن إيقاع اللام قبل إن من أن يكون ذلك من جهة المعنى، أو من جهة اللفظ، فلا يجوز أن يكون من جهة المعنى، بدلالة قولهم: إنّ في الدار لزيدًا، فللام قد وليت إنّ من جهة المعنى، فثبت أنّ المكروه لفظهما، فإبدال الهمزة هاء بمنزلة الفصل بين أن واللام بالظرف فجاز لهنك، ويؤكد أنّ اللام في لهنك لام الابتداء إبدال الهاء من الهمزة، وإبدالٌ الهاء من الهمزة يؤكد أنّ اللام غير زائدة، واللام التي في لرجل زائدة، لأنه لا يجوز أن يكونا جميعًا غير زائدتين، لأنك إن فعلت ذلك لزمك أن تدخل اللام في لرجل على اللام التي في لهنك، فإن
قلت: اجعل لام لهنك زائدة، قلت: غير جائزة، لأنّ لام لهنك قد وقعت موقعها، فلا يستقيم أن تقدرها أنها ليست واقعة في هذا الموضع، وهذا يجوز في لام لرجل، لأنها لم وتقع موقعها الذي هو قبل إن. ومثل امتناع تقديم لام لهنك زائدة. لأنها قد وقعت موقعها، فلا يستقيم أن يقدر بها غير ذلك قولك: ضرب زيدًا غلامه، لا يجوز فيه أن تقول: ضرب غلامه زيداّ، لأنّ الغلام قد وقع موقعه، فلا يستقيم أن يقدر به غير ذلك. انتهى كلامه، وتبعه تلميذه ابن جني، وحققه في باب إصلاح اللفظ من"الخصائص" وفي حرف اللام من"سر الصناعة".
وأما القول الثاني فهو مذهب سيبويه، وهذا نصه: لهنك لرجل صدقٍ. هذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين، وليس كل العرب يتكلم بها، فهي إن، ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف، كقولك: هرقت، ولحقت هذه اللام"إنّ" كما لحقت"ما" حين قلت: إن زيدًا لما لينطلقنّ، فلحقت"عن" اللام في اليمين، كما لحقت"ما" فاللام الأولى في لهنك لام اليمين، والثانية لام إن، وفي"لما لينطلقنّ" اللام الأولى لإن، والثانية لليمين، والدليل على ذلك أن النون معها.
انتهى نصه. وتبعه ابن السراج في"الأصول" ونقل كلامه هذا بحروفه.
وأما القول الثالث فهو لابن مالك، قال في"التسهيل": وربما زيدت اللام قبل همزتها مبدلة هاء مع تأكيد الخبر وتجريده. انتهى. وهو في هذا تابع للجوهري في "الصحاح".
وأمًا القول الرابع فقد اختلف فيه على قولين: أحدهما للفراء، وثانيهما للكسائي، حكاه عنه الجوهري، قال السيرافي: في لهنك ثلاثة أقوال:
أحداها: قول سيبويه، وهو أنّ أصلها"أبدلو همزتها هاء، ولحقت اللام التي قبل الهاء لليمين، والثانية لام إن.
والثاني: قول الفراء، قال: هذه من كلمتين كانتا تجتمعان. كانوا يقولون: والله إنك لعاقل، فخلطتا فصار فيها اللام والهاء من الله تبارك وتعالى، والنون من إن المشدودة، وحذفوا ألف إن، كما حذفوا ألف إن، كم حذفوا الواو من أول"والله".
والثالث: قول حكاه المفضل بن سلمه لغير الفراء، ومعناه: لله إنك لمحسن، قال: وهذا أسهل في اللفظ، وأبعد في المعنى. والذي قال الفراء أصح في المعنى، لأنّ قول القائل: والله إنك لقائم لقائم، اللام في الجواب دليل على القسم، وقولهم: لله تعجب، والتعجب لا يدخل معه إن. هذا حكاية كلام المفضل بن سلمه. انتهى كلام السيرافي باختصار.
وقد اختار أبو علي في كتاب"نقض الهاذور" مذهب الكسائي، ونسبه إلى زيد، وأيده بدلائل، ونقص ما حققه في"التذكرة القصرية" وأفرغ جهده في تزييفه وتزييف سائر الأقوال، وقد ذكره ابن جني في"الخصائص" ورده وقال: على أنّ أبا علي قد كان قوًاه بأخرة، وفيه تعسف، وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة بنقل كلام أبي علي وابن جني وغيرهما في شرح الشاهد الواحد والستين بعد الثمانمائة من شواهد الرضي.
والبيت الشاهد من أبيات لغلام من بني كلاب فيما رواه ثعلب، ولغلام من بني نمير فيما حكاه القالي وأبو هلال العسكري، أما ثعلب فقد رواها في أوّل الجزء الثالث من"أماله" قال: حدثني أبو سعد عبد الله بن شبيب قال: حدثني هارون ابن أبي بكر قال: حدثني محمد بن معن الغفاري قال: أقحمت السّنة المدينة ناسًا من الأعراب، فحل المذاد منهم صرم من بني كلاب، وكانوا يدعون عامهم ذلك الجراف، قاّل: فابرقوا ليلةً في النجد، وغدوت عليهم فإذا غلام منهم قد عاد جلدا وعظما، ضيعة ومرضا وضمانة حب، فإذا هو رافع عقيرته بأبيات قد قالها من الليل:
ألا يا سنا برقٍ على قلل الحمىّ
…
لهنّك من برق علىّ كريم
لمعت اقتذاءّ الطير والقوم وهجّع
…
فهميّجت أسقامًا وأنت سليم
فبتٌ بحدّ المرفقين أشيمه
…
كأني لبرق بالسّتار حميم
فهل من معيرٍ طرف عين جلية
…
فإنسان طرف العامريّ كليم
رمي قلبه البرق الملاليّ رميةّ
…
بذكر الحمى وهنًا فظلّ يهيم
فقلت له: في دون ما بك ما يفحم عن الشعر! قال: صدقت، ولكن البرق أنطقي. قال: ثم- والله- ما لبث يومه ذلك تاماٌ حتى مات قبل الليل، ما بتّم عليه غير الوجد. انتهى ما حكاه ثعلب يعني في"أماليه". وأما أبو هلال العسكري فإنّه قال في كتاب"ديوان المعاني": أخبرنا أبو أحمد قال القالي في"أماليه": حدثني أبو يعقوب وراق أبي بكر بن دريد قال: حدثنا الفضل بن محمد العلاّف قال: لما قدم بغا ببني نمير أسرى كنت كثيرًا ما أذهب إليهم فأسمع منهم، وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم، فأتيتهم يومًا في عقب مطرٍ، وإذا فتى حسن الوجه، قد نهكه المرض ينشد:
ألا يا سنا برقٍ على قلل الحمى
إلى آخر الأبيات إلاّ البيت الثالث، فقلت له: يا هذا إنك لفي شغل عن هذا، فقال: صدقت. ولكن أنطقتني البرق. زاد عليه القالي: ثّم اضطجع، فما كان ساعة حتى مات، وما يتوهم عليه غير الحبّ. وروى ابن جني في"سّر الصناعة"وفي"الخصائص" البيت الشاهد عن ثعلب قال: قرأت على محمد بن الحسن، وقرئ عليه وأنا حاضر عن أحمد بن يحيى، وحدثنا به أيضًا عن أبي العباس محمد بن يزيد محمد بن سلمه: ألا يا سنا برق .. البيت. وأحمد بن يحيى هو ثعلب، ومحمد بن يزيد هو المبرد، ومحمد بن سلمة هو الراوي عن المبرد، وكان ابن بري وقع نظره على
سند ابن جني، ولم يحقق النظرة، فنسب الشعر في"أماليه على الصحاح" إلى محمد ابن سلمه، وتبعه العيني على ذلك. والمذاد، بالفتح: والنّجد، بضم النون والجيم: موضعان بالمدينة المنورة، والضمانة، بالفتح: الزَّمانة، وهو أن لا يقدر على القيام، والعقيرة، بفتح العين وكسر القاف: الصّوت، والسنا، بالقصر: ضوء البرق، والقلل: جمع قلَّة، بضم أولها: أعلى الجبل وغيره. ورواه ابن بري"قنن" وهو بمعناه وزنًا ومعنى، والحمى: المكان الذي يحمى من الناس فلا يقربه أحد، وأراد به أرض حبيبه. ومن برق: تمييز مجرور بمن، وكريم: خبر لهنك، على متعلق به، والكريم: من كرم على الشيء، أي: عزّ ونفس.
وقوله: لمعن اقتذاء الطير .. ألخ، لمع الشئ: أضاء واقتذاء، بالقاف والذال المعجمة، قال ابن بري: اقتذاء الطير: هو أن يفتح عينه ثّم يغمضها إغماضة، وكذا في"القاموس" والمصدر هنا قائم مقام الظروف، يريد أنّ البرق لمع وقت فعل الطير ذلك، وذلك يكون قبيل الصبح، ويقال: إنّ كل طائر إذا كان آخر الليل فتح عينه ثّم فتح، وأصل ذلك من القذى، وهو ما يسقط في العين. وروى أبو هلال"الطرف" بدل الطير، وهو في الأصل نظر العين، مصدر طرف البصر، من باب ضرب وقوله: فبت بحدّ المرفقين، الخ، حد كل شيء: طرفه، وأشيم: مضارع شمت البرق: إذا نظرت إلى سحابته أين تمطر، أراد: إني اتكأت على طرفي مرفقي، فنظرت إليه، والسّار، بكسر السين المهملة بعدها مثناه: جبل بالحجاز، قال ياقوت: الستار في كتاب الأصمعي: جبال صغار سود لبني أبي بكر بن كلاب، والسّتار: ثنايا فوق أنصاب الحرم، سميت بذلك لأنها سترة بين الحل والحرم. والستار: جبل بأجأ، وناحية بالبحرين ذات قرى، وجبل بالعالية في ديار بني سليم. وذكر ياقوت أنه اسم جبال وأماكن غير ما ذكر، والحميم: القريب. وقوله: البرق الملالي، قال أبو عبيد البكري في"شرح أمالي القالي": هكذا رواه أبو علي القالي بلا همز، نسبة إلى ملال، وهو موضع نسب إليه البرق. وغيره ينشده:"البرق الملألي" بالهمز، من التلألؤ، ونقل هذا الكلام بعينه