الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والتسعون بعد المائتين:
(292)
وأعلم أنني وأبا جميد
…
كما النَّشوان والرَّجل الحليم
على أنَّ "ما" هنا كفّت الكاف عن عمل الجرّ، وبه رُدَّ على صاحب المستوفي في زعمه أنَّ الكاف لا تكف بـ "ما" قال أبو حيان في "البحر" عند قوله تعالى:{واذكروه كما هداكم} [البقرة/ 198]"ما" في كما مصدرية. وجوَّز الزمخشري وابن عطيّة أن تكون كافّة عن العمل، والفرق بينهما أنَّ ما المصدرية تكون هي وما بعدها في موضع جرّ، إذ ينسبك منها مع الفعل مصدر، والكافّة لا يكون ذلك فيها؛ إذ لا عمل لها البتة. والأولى حملها على أنَّ "ما" مصدرية لإقرار الكاف على ما استقر لها من عمل الجرّ. وقد منعَ أن تكون الكاف مكفوفة بـ "ما" عن العمل أبو سعد علي ابن مسعود بن الفرّخال صاحب المستوفي. واحتجَّ من أثبت ذلك بقول الشاعر:
لعمرك إنّني وأبا حميد
…
كما النشوان والرَّجل لحيم
أريد هجاءه وأخاف ربِّي
…
وأعلم أنه عبدٌ لئيم
انتهى. وقال أيضًا في "شرح التسهيل" وقوله: ويزاد بعدها "ما" كافَّة وغير كافة، فإذا كانت كافة وليتها الجمل الاسميّة، وتكون من حروف الابتداء، قال الشّاعر:
أخٌ ماجدٌ لم يخزني يوم مشهدٍ
…
كما سيف عمرٍ ولم نخنه مضاربه
وقال الآخر:
ألم تر أنَّ البغل يتبع إلفه
…
كما عامرٌ واللؤم مؤتلفان
وقال الآخر:
وإنَّ بنا لو تعلمين لغلَّةً
…
غلليكم كما بالحائمات غليل
وقال الآخر:
لقد علمت سمراء أنَّ حديثها
…
نجيعٌ كما ماء السَّماء نجيع
وقال زيّاد الأعجم:
لعمرك إنني وأبا حميد
…
كما النّشوان والرَّجل الحليم
أريد هجاءه وأخاف ربِّي
…
وأعلم أنّه عبدٌ لئيم
وكون "ما" تكون كافة إذا وليتها الجملة الاسميَّة هو مبنيّ على أنّ "ما" المصدرية لا توصل إلَّا بالجملة الفعلية، أما إذا فرعنا على أنها توصل بالجملة الاسمية فإنَّ "ما" لا تكون كافة في نحو هذه الأبيات، بل تكون مصدريّة ينسبك منها مع الجملة التي بعدها مصدر يكون في موضع جرّ بالكاف، وتكون إذ ذاك الكاف غير مكفوفة، وإذا كانت غير كافة انجرّ الاسم بكاف التشبيه، وأنشد أبو علي القالي:
وننصر مولانا ونعلم أنه .. البيت
انتهى. قال أبو علي في "التذكرة": أنشدني أبو يعلي قال: أنشدنا أبو عثمان لزياد الأعجم:
لعمرك إنَّني وأبا حميدٍ
…
كما النشوان والرَّجل الحليم
أريد حباءه ويريد قتلي
…
وأعلم أنَّه الرَّجل اللَّئيم
وجدنا الحمر من شرِّ المطايا
…
كما الحبطات شرُّ بني تميم
انتهى. وكذا نقله العيني عن "تذكرته". ولا يخفى أنَّ البيت الثالث مجرور، وما قبله مرفوع، ففيه إقواء. وقول أبي حيّان: إنَّ كما من حروف الابتداء لا يتأتى، فإنَّ ما بعد "كما" خبر إنَّني، فإن ذهبت تقدر خبرًا لإنّني وخبرًا لما بعد "كما" فالكلام تام مستغن عن تقدير شيء. وقدّر الدماميني خبرًا للثاني، وهو كائنان،