الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي لا تنبت شيئًا، وقيل: السهلة المستوية، والسؤال عنها هنا سؤال استفهام، أي: ألم تسأل الربع عن أهله. وقد أوردنا أكثر من هذا في الشاهد الثالث والستين بعد الستمائة من "شواهد الرضي" وتقدمت ترجمة جميل في الإنشاد الثالث والثلاثين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والسبعون بعد المائتين:
الشِّعر صعبٌ وطويلٌ سلَّمه
…
إذا ارتقى فيه الَّذي لا يعلمه
زلَّت به إلى الحضيض قدمه
…
يريد أن يعربه فيعجمه
على أنَّ الفاء للاستئناف. قال سيبويه: أي: فإذا هو يعجمه. وقال الأعلم: الشاهد فيه رفع "فيعجمه" لأنَّ المعنى: فإذا هو يعجمه، ولا يجوز نصبه [على أن] لفساد المعنى، لأنه لا يريد إعجامه. ومذهب الفراء في هذه المسألة مثل مذهب البصريين، قال في تفسير سورة إبراهيم [الآية/ 4] قوله تعالى:{وما أرسلنا من رسول إلَاّ بلسان قومه ليبيِّن لهم} يقول: ليفهمهم وتلزمهم الحجة، ثمَّ قال:{فيضلُّ الله من يشاء} فرفع، لأنَّ النيَّة فيه الاستئناف لا العطف على ما قبله. ومثله:{لنبيِّن لكم ونقرُّ في الأرحام ما نشاء} [الحج/ 5] ومثله في براءة: [الآية/ 14]{قاتلوهم يعذِّبهم الله بأيديكم} ثمَّ قال بعد: {ويتوب الله على من يشاء} فإذا رأيت الفعل منصوبًا، وبعده فعل قد نسِّق عليه بواو أو "فاء" أو "ثم" أو "أو"، فإن كان يشاكل معنى الفعل الذي قبله نستقه عليه، وإن رأيته غير مشاكل معناه استأنفته فرفعته، فمن المنقطع ما أخبرتك به، ومثله قوله تعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الَّذين يتَّبعون
الشَّهوات} [النساء/ 27] رفعت (ويريد) لأنها لا تشاكل (أن يتوب عليكم) ألا ترى أنَّ ضمّك إياهما لا يجوز، فاستأنفت، ، أو رددته على قوله {والله يريد} ومثله قوله:{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلَاّ أن يتمَّ نوره} [التوبة/ 32] فيأبى في موضع رفع لا يجوز إلَاّ ذلك، ومثله قول الحطيئة:
والشِّعر لا يسطيعه من يظلمه
…
يريد أن يعربه فيعجمه
وكذلك تقول، آتيك إن تأتني وأكرمك، فترد "أكرمك" على الفعل الأول، لأنه مشاكل له، وتقول: آتيك أن تأتيني وتحسن إليَّ، فتجعل "فتحسن" مردودة على ما شاكلها، ويقاس على هذا. انتهى كلامه. ونقل الجوهري عنه خلاف هذا، فإنه قال: وأعجمت الكتاب: خلاف قولك: أعربته، قال رؤبة:
والشِّعر لا يسطيعه من يظلمه
…
يريد أن يعربه فيعجمه
أي: يأتي به أعجميًا، يعني يلحن فيه. قال القراء: رفعه على المخالفة، لأنه يريد أن يعربه ولا يريد أن يعجمه. وقال الأخفش: لوقوعه موقع المرفوع، لأنه أراد أن يقول: يريد أن يعربه فيقع موقع الإعجام، قلمَّا وضع قوله:"فيعجمه" موضع قوله: "فيقع" رفعه. انتهى. ولعله نقله من غير "تفسيره" كذا نسبه سيبويه إلى رؤبة، وأقرّ به ابن بري في "أماليه" على "الصحاح" قال: والرجز الذي أنشده لرؤبة قبله:
الشِّعر صعبٌ وطويلٌ سلَّمه
…
إذا ارتقى فيه الَّذي لا يعلمه
زلَّت به إلى الحضيض قدمه
انتهى. وقال الأزهري في "التهذيب" قال الليث: الحضيض: قرار الأرض
عند سفح الجبل، أبو عبيد عن الأصمعي: الحضيض: القرار من الأرض بعد منقطع الجبل، وأنشد بعضهم:
الشِّعر صعبٌ وطويلٌ سلَّمه
…
إذا ارتقى فيه الَّذي لا يعلم
زلَّت به إلى الحضيض قدمه
…
يريد أن يعربه فيعجمه
والشِّعر لا يسطيعه من يظلمه
انتهى. وقد رجعت إلى ديوان رؤبة فلم أجد شيئًا ممَّا مرّ في أرجوزته التي أوَّلها:
قلت لزيرٍ لم تصله مريمه
وهي طويلة جدًا، وإنما هو للحطيئة، قال جامع "ديوانه" أبو سعيد السكري من رواية محمد بن حبيب: قل للحطيئة حين حضرته الوفاة: أوص، فقال: أبلغوا أهل الشماخ أنه أشعر العرب، قيل: اتق الله، فإنَّ هذا الأمر لا يرد عليك فأوص! قال: المال للذكور من ولدي دون الإناث، قيل: اتق الله أوص، فقال:
قد كنت أحيانًا شديد المعتمد
…
قد كنت أحيانًا على الخصم الألد
قد وردت نفسي وما كانت ترد
قالوا: لتِّق الله وأوص، قال: أوصيكم بالشِّعر
الشِّعر صعبٌ وطويلٌ سلَّمه
…
إذا ارتقى فيه الَّذي لا يعلم
زلَّت به إلى الحضيض قدمه
…
يريد أن يعربه فيعجمه
والشِّعر لا يسطيعه من يظلمه
…
ولم يزل من حيث يأتي يحرمه
من يسم الأعداء يبق مسيمه
وقال: لا تراهن على الصعبة، ولا تنشد القريض، وقيل له: أوص للمساكين،
فقال: قد أوصيت لهم بالمسألة، قالوا: أعتق غلامك يسارًا، قال: هو عبد ما بقي من عبس على الأرض رجل. انتهى. وقد أورد صاحب "الأغاني" قصة هذه الوصية بأبسط ممّا مرَّ، نقلناها في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة.
قال الدماميني: معناه أنَّ من لا يعرف أساليب الكلام، ولا يستطيع توفية كلّ مقام حقّه من العبارة، إذا تعاطى الشعر يريد أن يأتي به عربيًا فصيحًا، فيزل بسبب جهله بمقتضيات الأحوال فيعجمه، أي: ياتي به عجميًا لا رونق له ولا فصاحة. انتهى.
وقوله: والشعر لا يسطيعه من يظلمه، يقول: من ليس من رجال الشعر، إذا تعاطى نظمه ظلمه، ولم يستطع أن يأتي به كما ينبغي.
والحطيئة: اسم جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة ابن عبس، وكنيته: أبو مليكة. واختلف في تلقيبه بالحطيئة- بضم الحاء المهملة وفتح الطّاء وسكون المثناة التحتية بعدها همزة- فقيل: لقِّب بذلك لقصره وقربه من الأرض، قال الجوهري: والحطيئة: الرجل القصير، وقال الثعلب: وسمي الحطيئة لدمامنه، وقيل: لأنه ضرط بين قوم، فقيل له: ما هذا؟ فقال: حطأة. يقال: حطأ: إذا ضرطّ، وقيل: لأنه كان محطوء الرجل، والرِّجل المحطوءة: التي لا أخمص لها.
وهو أحد فحول الشعراء، متصرف في فنون الشعر من المديح والهجاء والفخر والنسيب، وكان سفيهًا شريرًا ينتسب إلى القبائل، وكان إذا غضب على قبيلته انتمى إلى أخرى. قال ابن الكلبي: كان الحطيئة مغموز النسب، وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا، قال: وكان أوس بن مالك العبسي تزوج بنت رياح بن عوف الشيبانية، وكانت لها أمة يقال لها الضرّاء، فأعلقها أوس، وكانت لبنت رياح أخ يقال له الأفقم، فلما ولدت الضرّاء جاءت به شبيهًا بالأفقم، فقالت مولاتها: من أين لك هذا الصبي؟ قالت: من أخيك، وهابت أن تقول: من زوجك. ثم مات الأفقم وترة ابنين من حرَّة، وتزوج الضرّاء رجل من عبس، فولدت له ابنين، فكان أخوي الحطيئة من
أمّه، وأعتقت بنت رياح الحطيئة وربَّته، فكان كأنه أحدهم، ثم اعترفت أمّه بأنه من أوس. وترك الأفقم نخيلًا باليمامة فأتى الحطيئة أخويه من أوس، فقال لهم: أفردوا [إليَّ] من مالكم قطعة، فقالا: لا، ولكن أقم معنا [فنحن] نواسيك، فهجاهما وسأل أمّه من أبوه، فخلَّطت عليه، فغضب عليها، وهجاها ولحق بإخواته من بني الأفقم، ونزل عليهم في القريَّة ومدحهم، وسألهم عن ميراثه من الأفقم، فأعطوه نخيلات فلم تقنعه، فسألهم ميراثه كاملًا، فلم يعطوه شيئًا، فغضب عليهم وهجاهم، ثمَّ عاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك. وقال ابن قتيبه: وكان الحطيئة راوية زهير، وكان جاهليًا إسلاميًا، ولا أراه أسلم إلَاّ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأني لم أجد له ذكرًا فيمن وفد عليه من وفود العرب، غير أني وجدته في خلافة أبي بكر يقول:
أطعنا رسول الله إذ كان حاضرًا
…
فيالهفي ما بال دين أبي بكر
أيورثها بكرًا إذا مات بعده
…
فتلك وبيت الله قاصمة الظَّهر
وقال ابن حجر في "الإصابة": كان أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ارتدَّ ثمَّ أسر وعاد إلى الإسلام. وروى الأصمعي عن عمه قال: كان الحطيئة جشعًا سؤولًا ملحفًا دنيء النّفس، كثير الشر بخيلًا، قبيح المنظر، رث الهيئة، مغموز النسب، فاسد الدّين. وقال أبو عبيدة: النمس الحطيئة ذات يوم إنسانًا يهجوه فلم يجده، وضاق ذلك عليه، فجعل يقول:
أبت شفتاي اليوم إلَاّ تكلُّما
…
بسوءٍ فما أدري لمن أنا قائله
وجعل يهدر هذا البيت في أشداقه، ولا يرى إنسانًا، إذ طلع في حوض، فرأى وجهه فقال:
أرى لي وجهًا شوَّه الله وجهه
…
فقبَّح من وجهٍ وقبِّح حامله
قال ابن حجر: وعاش الحطيئة إلى زمن معاوية.