الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده:
وكل أناس سوف تدخل بينهم
…
دويهية تصفر منها الأنامل
وتقدم شرحه في الإنشاد الواحد والستين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة:
(324)
وكل مصيبات الزَّمان وجدتها
…
سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
على أنه قد روي أيضًا: "وكل مصيبات تصب" فتكون "كلّ" مضافة إلى نكرة، وفيه يكون الشاهد، فكان ينبغي كما قال الدماميني أن ينشد البيت أولًا على الوجه الذي يكون به شاهدًا على المقصود، ثمَّ يقول: ويروى: "وكل مصيبات الزَّمان" وليس نجن فيه، إذ المطلوب بالذات إيراد الشاهد على الحكم المذكور، فأمّا إفادة أنَّ البيت روي على وجه لا يتأتى معه الاستشهاد على ذلك، فأمر غير مقصود بالذات، والخطب: سبب الأمر، يقال: ما خطبك؟ أي: ما سبب الأمر الذي أنت فيه، وسوى: مستثنى مقدَّم على المستثنى منه، وهو قوله: هيّنة الخطب، فهو منصوب بفتحة مقدرة على الألف.
والبيت من قصيدة لقيس بن ذريح، أورد منها أبو تمام في باب النسيب من "الحماسة" ثلاثة أبيات، أورد بعد ذلك البيت:
وقلت لقلبي حين لج به الهوى
…
وكلَّفني ما لا أطيق من الحبِّ
ألا أيها القلب الذي قاده الهوى
…
أفق لا أقرّ الله عينك من قلب
وأخرج صاحب "الأغاني" عن محمد بن معن الغفاري عن أبيه، عن عجوز لهم يقال لها جمال بنت أبي مسافر، قال: جاورت آل ذريح بقطيع من الإبل،
فيه الرائمة [ذات] البوّ، والحائل، والمتبع، قال: فكان قيس بن ذريح بنظر إلى شرف من ذلك القطيع، وينظر إلى ما يلقين فيتعجّب، فقلما لبث حتى عزم عليه أبوه بطلاق لبنى، فكاد يموت، ثمَّ آلى أبوه ليخلعنَّ قيسًا، فظعنت فقال:
أيا كبدي طارت صدوعًا نوافذًا
…
ويا حسرتي ماذا تغلغل في القلب
فأقسم ما عمش العيون شوارف
…
روائم بوّ حائمات على سقب
يشمّمنه لو يستطعن ارتشفنه
…
إذا سفنه يزددن نكبًا على نكب
رممن فما تنحاش منهن شارف
…
وحالفن حبسًا في المحول وفي الجدب
بأوجد مني يوم ولّت حمولها
…
وقد طلعت أولى الرِّكاب من النَّقب
وكل ملمّات الدّهور وجدتها
…
سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب
انتهى. وأورد ثعلب في أوّل الجزء السادس من "أماليه" هذه الحكاية والأبيات، وزاد بيتين آخرين بعد البيت الأخير.
وقيس بن ذريح، بفتح الذّال المعجمة والراء والحاء مهملتان، وينتهي نسبه إلى كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، قال صاحب "الأغاني": وقيس أمّه بنت شبّة بن الكاهل بن عمرو الخزاعي، وهو رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب، عليهما السلام، أرضعته أمّ قيس، وكان منزل قومه في ظاهر المدينة، وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة، ومرّ قيس يومًا لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة والحي خلوف، فوقف على خيمة لبنى بنت الحباب الكعبية، فاستقى ماء فسقته،
وخرجت إليه وكانت امرأة مديدة القامة، شهلاء حلوة المنظر والكلام، فلمّا رآها وقعت في نفسه، وشرب الماء، وقالت له: أتنزل فتبرّد عندنا؟ قال: نعم، فنزل، وجاء أبوها فنجر له وأكرمه، فانصرف قيس وفي قلبه لبنى حرّ لا يطفأ فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروى، ثمّ أتاها يومًا آخر، وقد اشتد وجده بها، فسلّم وظهرت له وردت سلامه، فشكا إليها ما يجد من حبّها، فبكت وشكت إليه مثل ذلك، وعرف كلّ واحد منهما ما له عند صاحبه، وانصرف إلى أبيه فأعلمه حاله، وسأله أن يزوجه إياها، فأبى عليه وقال: يا بنيَّ، عليك بإحدى بنات عنك، فهي أحق بك. وكان ذريح كثير المال موسرًا، فأحبَّ أن لا يخرج ابنه إلى غريبة. فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه به أبوه. فأتى أمه فشكا ذلك إليها، واستعان بها على أبيه، فلم يجد عندها ما يجبّ، فأتى الحسين بن علي، عليهما السلام، وابن أبي عتيق، وكان صديقه، فشكا إليهما ما به ما ردَّ عليه أبواه، فقال له الحسين: أنا أكفيك، فمشى معه إلى أبي لبنى، فلمّا بصر به أعظمه ووثب إليه، وقال: يا ابن رسول الله ما جاء بك؟ هذاّ بعثت إليَّ فآتيك؟ قال: إنَّ الذي جئت فيه يوجب قصدك، قد جئتك خاطبًا ابنتك لقيس بن ذريح، فقال: يابن رسول الله، ما كنّا لنعصي لك أمرًا، وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن أحب الأمرين إلينا أن يخطبها ذريح أبوه عليه، وأن يكون ذلك عن أمره، فإنّا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عارًا وسبة علينا، فأتى الحسين بن علي، عليهما السلام، ذريحًا وقومه وهم مجتمعون، فقاموا إليه إعظامًا له، وقالوا مثل قول الخزاعيين، فقال لذريح: أقسمت عليم إلَاّ خطبت لبنى على قيس، قال: السّمع والطّاعة لأمرك، فخرج معه في وجوه قومه، حتى أتوا حي لبنى، فخطبها ذريح على ابنه إلى أبيها، فزوجه إيّاها، وزُفت إليه بعد ذلك، فأقام معها مدة؛ وكان أبرَّ الناس بأمه، فألهته لبنى عن بعض ذلك، فوجدت أمّه في نفسها، وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري، ولم تر للكلام في ذلك موضعًا، حتى مرض قيس مرضًا شديدًا، فلما برأ