الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشار إلى أنَّ المخارم منصوب بنزع الخافض، ويوافقه قول ((القاموس)) أو في عليه: أشرف، وقول صاحب ((المصباح)): أو في على الشيء: أشرف عليه، شبه الموت بمن يربأ فوق مرقب عال لينظر من يمر من أسفل، فإذا رأى من يريده نزل إليه فأخذه. وقوله: لن يرضيا مني .. الخ، قال ابن الأنباري: يريد إنَّ المنية والحتوف لا تقبل منه فلدية، إنَّما تطلب نفسه، وفسر الرهينة ما هي فقال: طارفي وتلادي، والطارف: ما استفاد الرجل، والتالد، ما ورثه عن آبائه، وكان له قديمًا، ويريد: رهينة تكون مني وفاء دون إنَّ يأخذا نفسي. انتهى. والأسود بن يعفر جاهلي تقدَّمت ترجمته في الإنشاد الثالث والخمسين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والثلاثون بعد الثلاثمَّائة:
(337)
كلأنَّا غني عن أخيه حيّاته
…
ونحن إذا متنا أشد تغإنَّيا
على إنَّ مراعاة لفظ ((كلّا)) هنا متعين؛ لأنَّ معناها: كلّ منا غني عن أخيه، والضابط انه متى نسب إلى كلّ منهما حكم إلَاّخر بالنسبة إليه لا إلى ثالث تعين إلَاّفراد، قال ابن مالك في قولهم: كلأنَّا كفيل صاحبه، لو ثني الضمير فقال: كلأنَّا كفيلًا صاحبه، لزم الجمع بين تثنية وإفراد في خبر واحد، وفي الأفراد السلامة من ذلك، فكان متعينًا، ولأنَّ إضافة كفيل إلى صاحب، وهو مضاف إلى ضمير ((كلّا)) بمنزلة تثنية فلو ثني لكان بمنزلة تثنيته مرتين. انتهى. والبيت من أبيات أوردها المبرد في أوائل ((الكامل)) لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر أبي طالب رضي الله عنهم وهي:
رأيت فضيلًا كان شيئًا ملففَّا
…
فكشفه التمَّحيّص حتى بدا ليا
أإنَّت أخي مالم تكن لي حاجة
…
فإنَّ عرضت أيقنت إنَّ لا أخاليا
فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما .. بلوتك في الحاجات إلَاّ تماديا
فلست براء عيب ذي الود كلَّه
…
ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيًا
فعين الرَّضا عن كلَّ عيب كلّيلة
…
ولكنَّ عين السّخط تبدي المساويا
كلأنَّا غني عن أخيه حيّاته
…
البيت
قال المبرد: قوله: كان شيئًا ملففًا، يقول: كان أمره مغطى، والتمحيّص: الإختبار، يقال: أدخلت الذهب النار فمحصّته، أي: خرج عنه مالم يكن منه، وخلص الذهب. وقله: أأنت أخي .. إلخ، تقرير وليس باستفهام، ولكن معناه: إني قد بلوتك تُظهر الإخاء، فإذا بدت لي الحاجة لم أر من إخائك شيئًا، وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: ثلاثة لا يعرفون إلَاّ في ثلاث: لا يعرف الشجاع إلَاّ في الحرّب، ولا الحليم إلَاّ عند الغضب، ولا الصديق إلَاّ عند الحاجة. انتهى كلّام المبرد، وتركنا منه مالا يتعلق بالشعر.
وكتب إلَاّمام مغلطاي في هامش النسخة: قوله رأيت فضيلًا، قال أبو نعيم في ((تاريخ أصبهإنَّ)): فضيل بن السائب ابن الأقرع الثقفي الَّذي قال فيه عبد الله ابن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
رأيت فضيلًا كان شيئًا ملفقًا.
وذكر هذه إلَاّبيات. انتهى. وكتب أيضًا عند البيت الثاني قال جرير يجيب الفرزدق:
فأنت أخي مالم تكن لي حاجة .. فإنَّ عرضت فإنَّني لا أخا ليا
وفي ((اللآلي)) قال جرير لجده الخطفى، وقسم ماله على ولده، وقصر
بجرير، فسأله إنَّ يلحقه بهم فلم يفعل فقال:
وقائلة والعين تحدر دمعها
…
أبعد جرير تكرمون المواليا
فأنت أبي مالم تكن لي حاجة
…
فغن عرضت فإنَّني لا أباليا
إنَّتهي. وكتب أيضًا في هامش نسخة أخرى من ((الكامل)) عند قوله:
فلست براء عيب ذي الود كلّه
في ((الَّذيل)) لابن السمعاني: أنبأنا محمد بن كامل، ثنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أحمد بن عبد الله الحافظ الأصبهاني، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا زكريّا الساجي، ثنا عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، ثنا أبي عن عبد الرحمن بن عبد أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن حاطب قال: سمعت عليًا يقول:
وعين الرضا عن كلّ عيب كلّيلة
…
ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولست ترى عيبًا لذي الود كلّه
…
ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيًا
قال ابن السمعاني: كذا قال: إنَّ هذين البيتين لعلي بن أبي طالب. وبلغني في رواية أخرى انهما لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنهم، انتهى. ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيفان. انتهى.
وكتب أيضًا عند قوله: فعين الرضا .. البيت، سرقة روح بن عبد إلَاّعلى المؤدب، فقال:
وعين السخط تبصر كلّ عيب
…
وعين أخي الرضى عن ذاك تعمى
انتهى. وقوله: فلا زاد ما بيني وبينك: . الخ، لا: دعائية، وزاد: فعل
ماض، وما: فاعله، والتمادي: تفاعل من المدى، وهو الغاية، قال صاحب ((المصباح)): وتمادى فلان في غيه: إذا لجّ ودام على فعله، وروى غير المبرد:((إلَاّ تنائيا)) وهو التباعد، وهو تفاعل أيضًا من النأي وهو البعد، وبلوتك: امتحنتك، وكلّيلة: ضعيفة، والمساوئ: العيوب، قال صاحب ((المصباح)): ساء يسوء: إذا قبح، وهو أسوأ القوم، وهي السوءى أي: أقبحهم، والمساءة: نقيض المسرَّة، وأصلها مسواة، على مفعلة، بفتح الميم والعين، ولهذا ترد الواو في الجمع فيقال: هي المساوئ، لكن استعمل الجمع مخففًا، وبدت مساويه، أي: نقائصه ومعائبه. انتهى. وفيه تصريح بكون لام الفعل همزة، والتغاني: تفاعل من الغنى، يقال: تغانى القوم، أي: استغنى كلّ منهم عن إلَاّخر. وهذه الأبيات أوردها هكذا لعبد الله بن معاوية المذكور إبراهيم بن علي الحصري القيرواني الأنصاري في كتابه ((زهر الأداب))، وكذا أوردها له الشريف ضياء الدين هبة الله علي بن محمد ابن حمزة الحسيني في ((حماسته)) والزمخشري في ((ربيع الأبرار)) وقال: قالها في الفضيل بن السائب، وأوردها أيضًا له الأصبهاني في كتاب ((الأغاني))، إلَاّ انه روى أوله:((إنَّ حسينا كان شيئًا ملففًا)). وقال: قالها عبد الله بن معاوية الجعفري في الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، وهكذا ذكر مصعب الزبيري وذكر مؤرخ فيما أخبرنا به اليزيدي عن عمه عن أبي جعفر عن مؤرج، وهو الصحيّح، إنَّ عبد الله بن معاوية قال هذا الشعر في صديق له يقال له: قصي بن ذكوإنَّ، وقد كان عتب عليه، وأول الشعر: رأيت قصيًا كان شيئًا ملففًا .. إلى آخر الأبيات. ثمَّ قال الأصفهاني بعد ورقات: وهذا الشعر قاله عبد الله بن معاوية للحسين بن عبد الله بن عبيد بن العباس، وكان الحسين أيضًا سيء المذهب مطعونًا عليه في دينه، أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، حدثنا علي بن محمد بن سليمان
النوقلي حدثني إبراهيم بن يزيد الخشاب قال: كان ابن معاوية صديقًا للحسين بن عبد الله المذكور، وكانا يرميان بالزندقة، فقال الناس، إنَّما تصافيا على ذلك، ثمَّ دخل بينهما شيء فتهاجرا، فقال ابن معاوية فيه: إنَّ حسينًا كان شيئًا ملففًا .. الأبيات، وله في الحسين أعار كلّها معاتبات. انتهى كلّام صاحب ((الأغاني)).
وقال الذهبي في ((تاريخ الإسلام)): كان عبد الله جوادًا ممدحًا شاعرًا من رجال العلم وأبناء الدنيا، خرج بالكوفة وجمع خلقًا، ونزع الطّاعة، وجرت له أمور يطول شرحها، ثمَّ لحق بأصبهان، وغلب على تلك الديار، ثمَّ ظفر به أبو مسلم الخرساني، وقتل في سنة أربع وثلاثين ومائة، وقد ذكره أبو محمّد ابن حزم في ((الملل والنحل)) فقال: كان رديّ الدّين، معطّلًا مستصحبًا للدهرية، ذهب بعض الكيسانية إلى انه حيّ لم يمت، وانه بجبل أصبهان، ولابدَّ له أن يظهر. انتهى.
والبيت الأخير وهو قوله:
كلانَّا غنيّ عن أخيه حيّاته
وقع في عدَّة أشعار لشعراء، فقد جاء في قصيدة للأبيرد الريّاحيّ، وهو شاعر بدوي فصيح إسلامي في أول شعراء الدولة إلَاّموية ليس بمكثر، ولا ممن وفد إلى الخلفاء، هجا بها حارثه بن بدر الغداني أولها:
ألا ليت حظَّي من غدائه انها
…
تكون كفافًا لا عليَّ ولا ليا
وجاء في شعر لحارثة بن بدر المذكور بعاتب به أخاه وهو:
وما زلت أسعى في هواك وأبتغي
…
رضاك وأرجو منك ما لست لاقيا
رأيتك لا تنفك منك رغيبة
…
تقصر دوني أو تحل ورائيا
إذا قلت صابتني سماؤك يامنت
…
ميامنها أو ياسرت عن شماليا