الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 -
باب مَنْ حبَسه العذْر عن الغزْو
[حديث إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه]
47 -
[2838] حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يونسَ: حَدَّثَنَا زهَيْر: حَدَّثَنَا حمَيْد أَن أنسا (1) حَدَّثَهمْ قَالَ: «رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَة تَبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم» (2).
وفي رواية: أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزَاة فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَاما بالْمَدِينة خَلْفَنَا مَا سلَكْنَا شِعْبا وَلَا وَادِيا إلَّا وَهمْ مَعَنَا فِيه، حَبَسَهم العذْر» (3).
وفي رواية: أَنَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم «رَجَعَ مِنْ غَزْوَة تَبوك، فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَة فَقَالَ: " إِنَّ بِالْمَدِينَة أَقْوَاما مَا سِرتمْ مَسِيرا، وَلَا قطعْتمْ وَادِيا إِلَّا كَانوا مَعَكم، قَالوا: يَا رَسولَ الله، وَهمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ وَهمْ بِالْمَدِينَة حَبَسَهم الْعذْر» (4).
* شرح غريب الحديث: * " شعبا " الشعب ما انخفض بين جبلين، وكان كالدرب (5).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
حرص الصحابة رضي الله عنهم على الجهاد وعدم تخلفهم بغير عذر.
2 -
من صفات الداعية: النية الصالحة.
3 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
4 -
من ميادين الدعوة: طرق السير.
5 -
من خصائص الإِسلام: اليسر والسماحة ورفع الحرج.
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 14.
(2)
[الحديث 2838] طرفاه في: كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو، 3/ 280، برقم 2839. وكتاب المغازي، باب، 5/ 157، برقم 4423. وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، في كتاب الإِمارة، باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر، 3/ 1518، برقم 1911.
(3)
من الطرف رقم 2839.
(4)
الطرف رقم 4423.
(5)
تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي، ص 228، وانظر: ص 118، 199، وانظر: غريب الحديث رقم 19.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: حرص الصحابة رضي الله عنهم على الجهاد وعدم تخلفهم بغير عذر: ظهر في هذا الحديث عظم حرص الصحابة رضي الله عنهم على الجهاد في سبيل الله عز وجل، وعدم تخلفهم بدون عذر؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حرصهم العظيم على ذلك فقال:«إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر» ، فينبغي لكل مسلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحرص على الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ (1) ولهذا الحرص العظيم كان الفقراء من الصحابة إذا لم يقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو بكوا وحزنوا، قال الله عز وجل:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91 - 92](2).
ثانيا: من صفات الداعية: النية الصالحة: دل الحديث على أن النية الصالحة تبلغ ما يبلغ العمل، وأن من فضل الله عز وجل إثابة العبد إذا عجز عن القربة والطاعة، مع عزمه عليها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم» وقد بين صلى الله عليه وسلم أنه حبسهم العذر؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل "(3).
وهذا يوضح للداعية أهمية النية الصالحة وعلوَّ مكانتها، فينبغي الصدق والعزيمة في تصحيح النية وإخلاصها لله تعالى.
(1) انظر: الحديث رقم 1، الدرس الأول، ورقم 102، الدرس الرابع، ورقم 163، الدرس الحادي عشر.
(2)
سورة التوبة، الآيتان: 91 - 92.
(3)
انظر: الحديث رقم 22، الدرس السادس.
ثالثا: من أساليب الدعوة: الترغيب: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته في هذا الحديث: أسلوب الترغيب بقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسِيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم» ، وهذا فيه ترغيب في الجهاد وبيان عظم منزلته، وأن المجاهد يكتب له ثواب السير، وكل عمل يعمله في طريقه إلى الجهاد، وأن من لم يحصل له الجهاد لعجزه كان شريكا للمجاهدين إذا صلحت نيته؛ قال الإِمام النووي رحمه الله:" وفي هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته، وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك، وتمنّى كونه مع الغزاة ونحوهم كثر ثوابه والله أعلم "(1).
ولهذه النية الصالحة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا آتاه الله مالا فجعل ينفقه في سبل الخير، وأن رجلا فقيرا قال:«لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء» (2).
فينبغي للداعية أن يستخدم هذا الأسلوب؛ لأهميته في الدعوة إلى الله تعالى (3).
رابعا: من ميادين الدعوة: طرق السير: إن من ميادين الدعوة، طرق السير: في السفر والجهاد، والحج وغير ذلك من الطرق؛ وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ورغبهم في إصلاح النية أثناء سيره في طريقه إلى المدينة راجعا من غزوة تبوك كما جاء في الحديث: رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم» وهذا يبين للداعية أهمية الدعوة في طرق السير، فينبغي له العناية بذلك، في طرق سيره، في السفر والحضر؛ ليقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 61، وانظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2642.
(2)
الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، 4/ 562، برقم 2325، وقال:" هذا حديث حسن صحيح "، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب النية، 2/ 1413، برقم 4228. وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 270.
(3)
انظر: الحديث رقم 22، الدرس الخامس.
خامسا: من خصائص الإسلام: اليسر والسماحة ورفع الحرج: دل الحديث على سعة رحمة الله، ويسر الإِسلام وسماحته، ورفعه الحرج عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:«وهم بالمدينة حبسهم العذر» دلالة واضحة على رفع الحرج عن المعذور بمرض أو كبر أو غير ذلك من الأعذار المانعة من الأعمال الصالحة: كالجهاد وغيره؛ إذا قام بما يستطيعه؛ قال الله عز وجل: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95](1) فاستثنى الله تعالى أولي العذر ورفع الحرج عنهم.
(1) سورة النساء، الآية:95.