الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 -
باب قول الله عز وجل {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أولو الْقرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين فَارْزقوهمْ مِنْه} [النساء: 8](1)
[حديث هما واليان وال يرث ووال لا يرث]
10 -
[2759] حَدَّثَنَا محَمَّد بن الفَضْلِ أَبو النّعْمَانِ: حَدَّثَنَا أَبو عَوَانَةَ، عَن أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جبَيْر، عَنِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (2)" إِنَّ نَاسا يَزعمونَ أَنَّ هذه الآيةَ نسِخَتْ، وَلا وَاللَّهِ مَا نسِخَتْ، ولَكِنَّها مِمَّا تَهَاوَنَ الناس، همَا وَاليَانِ: وَالٍ يَرِث وَذَاكَ الذِي يَرْزق، وَوَالٍ لَا يَرِث فَذَاكَ الذِي يَقول بِالْمَعْروفِ، يقول: لَا أَمْلِك لَكَ أَنْ أعْطِيَكَ "(3).
وفي رواية: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} [النساء: 8] قَالَ: " هِيَ محْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسوخَةٍ "(4).
* شرح غريب الحديث: * " يزعمون " الزعم: قريب من الظن (5).
وقيل: هو القول يكون حقا ويكون باطلا. وقيل: الزعم: الظن، وقيل: الكذب (6).
* " نسخت " النسخ: أمر كان يعمل به من قبل ثم ينسخ بحادث غيره، كالآية ينزل فيها أمر ثم تنسخ بآية أخرى، وكل شيء خلف شيئا فقد نسخه، أي أبطله وقام مقامه، والأول منسوخ والثاني ناسخ، يقال: نسخت الشمس الظلَّ: أي أزالت الظل وحلت محله (7).
(1) سورة النساء، الآية:8.
(2)
تقدمت ترجمته في حديث رقم 5 - 2743.
(3)
طرفه، في كتاب التفسير، سورة النساء، باب وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أولو الْقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين فَارْزقوهمْ مِنْه 5/ 210 برقم 4576.
(4)
من الطرف رقم 4576.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الزاي مع العين، مادة " زعم " 2/ 303.
(6)
لسان العرب، لابن منظور الإفريقي، فصل الزاي، باب الميم، مادة " زعم " 12/ 264.
(7)
انظر: معجم المقاييس في اللغة، لابن فارس، مادة " نسخ " ص 1026، ولسان العرب لابن منظور، باب الخاء، فصل النون، 3/ 61، والقاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي، باب الخاء، فصل النون، ص 334، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب النون مع السين، 5/ 47.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الإحسان إلى الأقرباء واليتامى والمساكين.
2 -
من موضوعات الدعوة: بيان الناسخ والمنسوخ عند الحاجة.
3 -
من صفات الداعية: القول اللطيف الحسن.
4 -
الرد بالحكمة على من ظهر منه مخالفة للنصوص الشرعية.
5 -
من أساليب الدعوة: التوكيد بالقسم.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الإحسان إلى الأقرباء واليتامى والمساكين: دل هذا الحديث على العناية بالأقارب واليتامى والمساكين؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد أمرِ الله عز وجل بالإحسان إليهم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:
وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36] الآية. (2).
فعلى الدعاة إلى الله أن يبلِّغوا الناس هذا الواجب العظيم، الذي عظم الله شأنه، وعظم شأنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«من سره أن يبْسَطَ لَه في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» (3).
(1) سورة البقرة، الآية:177.
(2)
سورة النساء، الآية:36.
(3)
متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: البخاري، كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم 7/ 95 برقم 5985 ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، 4/ 1982 برقم 2557.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة» (1).
فعلى الداعية أن يحث الناس على العناية بهذا الأمر، ويرغبهم فيه، ويحذرهم من التهاون به.
ثانيا: من موضوعات الدعوة: بيان الناسخ والمنسوخ عند الحاجة: إن المدعوين قد يحتاجون إلى بيان الناسخ والمنسوخ على حسب الحاجة والمصلحة الشرعية؛ لأهمية هذا الموضوع؛ ولهذا قال الإمام القرطبي رحمه الله في أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ وتبليغه: " معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء؛ لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام "(2).
فعلى الداعية أن يبين الناسخ والمنسوخ عند حاجة المدعو إلى ذلك، ويكون عن علم وبصيرة. والله المستعان (3).
ثالثا: من صفات الداعية: القول اللطيف الحسن: من الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة أن يحسن الداعية إلى المدعوين بالفعل والقول؛ فإن لم يستطع بالفعل فبالقول الحسن كما في الآية المذكورة في هذا الحديث: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 8](4).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: " بين الله تعالى أن من لم يستحق شيئا إرثا وحضر القسمة، وكان من الأقارب أو اليتامى، والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولا يحرموا إن كان المال كثيرا، والاعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليلا. . "(5).
(1) الترمذي، 3/ 37 برقم 658، والنسائي، برقم 2582، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 7، الدرس الأول، ص 80.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 2/ 66.
(3)
انظر: الحديث رقم 6، الدرس الثالث.
(4)
سورة النساء، الآية:8.
(5)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 5/ 48.
وقد أمر الله عز وجل بالاعتذار والقول الحسن المعروف لمن لا يستطيع الإحسان بالفعل، ومن ذلك قوله تعالى {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28] (1).
فعلى الداعية أن يتخلَّق بهذا الخلق الجميل، وأن يسأل الله تعالى أن يوفقه ويعينه؛ فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع سبحانه.
رابعا: الرد بالحكمة على من ظهر منه مخالفة للنصوص الشرعية: ظهر في هذا الحديث الرد الحكيم من ابن عباس رضي الله عنهما على من خالفه في حكم هذه الآية الكريمة، وذلك أنه قال رضي الله عنه:" إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت. . . " ولم يصرح ولم يشهر بأسمائهم، وهذا من الحكمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل بها في دعوته، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول:«ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم» . . . " الحديث (2) «ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله». . . " الحديث (3)«ما بال أقوام يتنزهون عن شيء أصنعه» . . . " الحديث (4) «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام». . . " الحديث (5).
فعلى الداعية أن لا يصرح بالأسماء في دعوته للناس، ولا يواجه بالعتاب، بل يسلك مسلك النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وكفى.
خامسا: من أساليب الدعوة: التوكيد بالقسم: أسلوب التوكيد بالقسم يثبت المعاني في القلوب، ويحملها على التصديق والإيمان، وسرعة التنفيذ بفعل المأمورات وترك المنهيات (6) وفي هذا
(1) سورة الإسراء، الآية:28.
(2)
البخاري، كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، 1/ 205 برقم 750، من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
البخاري، كتاب المكاتب، باب ما يجوز من شروط المكاتب، 2/ 173 برقم 2561.
(4)
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها: البخاري، كتاب الأدب، باب من لم يواجه الناس بالعتاب 7/ 126 برقم 6101، ومسلم، كتاب الفضائل، باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله وشدة خشيته 4/ 1829 برقم 2356.
(5)
مسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه 2/ 1020 برقم 1401.
(6)
انظر: تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " للطبري، 4/ 47، ومفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، مادة:" قسم " ص 670، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 19/ 90.
الحديث يظهر هذا الأسلوب في قول ابن عباس رضي الله عنهما: " ولا والله ما نسخت ". فعلى الداعية أن يستخدم هذا الأسلوب عند الحاجة إليه؛ ولهذه الأهمية أقسم الله عز وجل في مواضع كثيرة تأكيدا لصدق ما يقول، وهو أصدق القائلين: قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7](1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهوديّ ولا نصرانيّ، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (2).
(1) سورة التغابن، الآية:7.
(2)
مسلم، 1/ 134 برقم 153، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 6، الدرس الثالث، ص 77.