الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
باب منْ ينكب أوْ يطعَن فِي سبيل اللهِ
[قوله في بعض المشاهد هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت]
27 -
[2802] حَدَّثَنَا موسَى بْن إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبو عَوانةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جندَب بْنِ سفيانَ (1) أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعْضِ المَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصبَعه فَقَالَ:«هَلْ أَنتِ إِلَّا إِصْبَع دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقيتِ» (2).
وفي رواية: " بينَمَا النبي صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ أَصَابَه حَجَر فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعه، فقال. . . "(3). الحديث.
* شرح غريب الحديث: * " المشاهِد ": المغازي، سميت بذلك؛ لأنها مكان الشهادة، وقيل. محضر الناس، ومجمعهم (4).
* " إصبع ": فيها عشر لغات: تثليث الهمزة، ومع كل حركة تثَلَّث الباء، واللغة العاشرة: أصبوع (5).
* " دميت " صفة للأصبع: أي ما أنت يا أصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميتِ،
(1) جندب بن عبد الله بن سفيان الإمام الصحابي الجليل أبو عبد الله البَجَلِي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، وعن يونس بن جبير قال: شيعنا جندبا فقلت له: أوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن؛ فإنه نور بالليل المظلم، وهدىَ بالنهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقه؛ فإن عَرضِ بلاء فقدم مالك دون دينك، فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك؛ فإن المخروب من خرِبَ دينه، والمسلوب من سلِبَ دينه، واعلم أنه لا فاقة بعد الجنة ولا غنى بعد النار. وقال رضي الله عنه:" كنا غِلمانا حزاورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا " وقد نسب رضي الله عنه إلى جده فقيل: جندب بن سفيان وبقي إلى حدود سنة سبعين، وهو غير جندب بن عبد الله الأزدي. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 3/ 174، والإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 248.
(2)
[الحديث 2802] طرفه، في كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، 7/ 139، برقم 6146. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقى النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، 3/ 1421، برقم 1796.
(3)
من الطرف رقم 6146.
(4)
انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الدال، فصل الشين مادة:" شهد " 3/ 241 والقاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب الدال، فصل الشين، ص 373 وشرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 106.
(5)
انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي، باب العين، فصل الصاد، ص 950 وشرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 106.
كأنها لما دميت خاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة مسلّيا لها: أي تثبتي، فإنك ما ابتليتِ بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دَميت، ولم يكن ذلك أيضا هدرا، بل كان في سبيل الله - تعالى - ورضاه (1).
* " عثر " المقصود هنا: أنه صلى الله عليه وسلم عثر في مشيه: أصابه حجر فسقط وزلت به رجله صلى الله عليه وسلم (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: الصبر على المصائب.
2 -
من صفات الداعية: احتساب الأجر والثواب على الله عز وجل.
3 -
من أساليب الدعوة: الرّجز والشعر الممدوح.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: الصبر على المصائب. دل هذا الحديث على أن الداعية ينبغي له أن يصبر على ما أصابه؛ فإنه لو سلم أحد من المصائب لسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو في هذا الحديث في غزوة من الغزوات وأصيب بحجر عثر فيه، ودميت أصبعه، فصبر ولم يجزع من تلك الدماء، فينبغي للداعية أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويصبر على ما أصابه قال الله - تعالى - في مدح المؤمنين {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 35] (3). وهذا يؤكد أهمية الصبر (4).
(1) انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب الياء، فصل الدال، ص 1656، وشرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 106.
(2)
انظر النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب العين مع الثاء، مادة:" عثر "، 3/ 182 ومختار الصحاح للرازي، مادة:" عثر " ص 174.
(3)
سورة الحج، الآية:(35).
(4)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن.
ثانيا: من صفات الداعية: احتساب الأجر والثواب على الله عز وجل: إن من الصفات الحميدة أن يحتسب الداعية ما يصيبه فيرجو بذلك ثواب الله ويطمع في فضله وإحسانه سبحانه وتعالى؛ ولهذا احتسب إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم الثواب على ربه حينما أصيبت أصبعه فقال: «هل أنت إلا أصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ» فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لم يكن هدرا وإنما هو في سبيل الله عز وجل ورضاه (1).
فينبغي للداعية أن يحتسب كل ما يصيبه من المصائب والمتاعب والمشاق حتى يثاب على ذلك من الله تعالى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة» (2).
ثالثا: من أساليب الدعوة: الرَّجز والشعر الممدوح. من الأساليب الدعوية التي يجذب بها الداعية بعض المدعوّين: الرَّجز (3). عند الحاجة إلى ذلك في بعض الأحيان مع بعض الفئات من الناس، ولكن لا يستعمل الداعية منه إلا ما فيه نفع وحث على الخير، وترغيب في الطاعات، وتخويف من المعاصي والسيئات؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" "(4). والمعنى إن من الشعر: قولا صادقا، مطابقا للحق. فالشعر منه حسن ومنه قبيح فيأخذ الداعية الحسن ويدع القبيح (5). والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شاعرا ولا ينبغي له ذلك؛ لقول الله عز وجل:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69](6). ولكن ما جاء
(1) انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 106.
(2)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، 4/ 1991، برقم 2572.
(3)
الرَّجَز: بحر من بحور الشعر معروف، ونوع من أنواعه، ويسمى قائله راجزا، كما يسمى قائل بحور الشعر شاعرا. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الراء مع الجيم، مادة:" رجز " 2/ 199.
(4)
البخاري، كتاب الأدب باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه 8/ 139 برقم 6145 عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
(5)
ذكر معنى هذا القول عن عائشة رضي الله عنها. انظر: فتح الباري لابن حجر 10/ 540.
(6)
سورة يس، الآية:(69).
عنه إما أن يكون من باب الرجز، وإما أن يكون كلاما لغيره يتمثّل ببعضه، وإما أن يكون قال ذلك ولم يقصد الشعر ولم يعتنِ به، وإنما جاء على لسانه (1). واختار الإمام الطحاوي رحمه الله: أن ما حكِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من الكلام الذي ادعِيَ أنه شعر أو رجز: هو من الحكم التي في الشعر، فتكلم به على لسانه على أنه حكمة، والله يجري الحكمة على لسانه، لا أنه شعر أراده مما لا حكمة فيه (2).
فلا حرج على الداعية أن يستخدم أسلوب الرجز، أو الشعر الحسن في دعوته إلى الله تعالى.
(1) انظر: أعلام الحديث للخطابي، 2/ 1358، وعارضة الأحوذي، بشرح سنن الترمذي، لابن العربي 6/ 399، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 619، وشرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 361 - 362، و 12/ 397، وفتح الباري لابن حجر، 10/ 541.
(2)
شرح مشكل الآثار 8/ 386.