الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
129 -
باب كراهية السفر بالمصحف إلى أرض العدو
وَكَذَلِكَ يرْوَى عَنْ محَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمَرَ، عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَتَابَعَه ابْن إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[حديث سافر النبي وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن]
109 -
[2990] حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْن مَسْلَمةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عمَرَ (1) رضي الله عنهما:«أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يسَافَرَ بالْقرآنِ إِلَى أَرْضِ العَدوِّ» (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحض على تعظيم القرآن الكريم.
2 -
من صفات الداعية: الحرص على إكرام وتعظيم القرآن الكريم.
3 -
شدة عداوة أعداء الدين وخطرهم على الإِسلام وأهله.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الحض على تعظيم القرآن الكريم: إن هذا الحديث يدل على أن من الموضوعات المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل الحض على العناية بالقرآن الكريم وتعظيمه؛ ولهذا " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوِّ "؛ قال الإِمام ابن عبد البر رحمه الله: " أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في جواز ذلك في العسكر المأمون الكبير. . "(3) وفي رواية
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 1.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم، 3/ 1490، برقم 1869.
(3)
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، 14/ 51.
لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوِّ مخافة أن يناله العدوّ» (1) وفي رواية: «لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدوّ» (2) قال الإمام النووي رحمه الله: " فيه النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث، وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أمنت هذه العلة، بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا منع منه حينئذ هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون "(3).
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يقول في النهي عن السفر بالقرآن إلى بلاد العدوّ: " وهذا إذا كان يخشى عليه أن يمتهنوه، أما إذا لم يخشَ عليه فلا حرج، والخطر على ما في المصاحف أما ما في الصدور فيحمل ويدعى به، وحمل المصحف إلى بلاد الكفار منهي عنه: سواء كانوا حربيين أو غير ذلك إذا خشي عليه "(4).
فينبغي للدعاة إلى الله عز وجل أن يحضوا الناس على تعظيم القرآن الكريم وإكرامه، وعدم السفر به إلى بلاد الكفار إذا خشي عليه الإِهانة والامتهان.
ثانيا: من صفات الداعية: الحرص على إكرام وتعظيم القرآن الحكيم: ظهر في هذا الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعظيم القرآن الكريم وإكرامه؛ ولهذا نهى عن السفر به إلى بلاد العدوِّ؛ لئلا يهان؛ لأن المشركين واليهود والنصارى أعداء الإِسلام وخاصة إذا كانوا حربيين؛ قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120](5) والقرآن الكريم لا يمسه إلا طاهر، وهؤلاء خبثاء نَجَس، قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28](6)
(1) صحيح مسلم، كتاب الإِمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم، 3/ 1491 برقم 1869.
(2)
المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما، 3/ 1491.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 16، وانظر: إكمال إكمال المعلم للأبي، 6/ 590، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 133، وعمدة القاري للعيني، 14/ 242، وشرح الزرقاني على موطأ مالك، 3/ 13.
(4)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 2990، من صحيح البخاري.
(5)
سورة البقرة، الآية 120.
(6)
سورة التوبة، الآية 28.
وفي الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» (1) وهذا يؤكد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعظيم القرآن الكريم وإكرامه.
فينبغي للداعية أن يكون حريصا على تعظيم القرآن العزيز وإكرامه، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: شدة عداوة أعداء الدين وخطرهم على الإسلام وأهله: إن أعداء الإِسلام: من الملحدين، والمشركين وأهل الكتاب لهم غدرات، وعداوة شديدة للإِسلام وأهله؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرضهم، خشية أن يمتهنوا هذا القرآن العظيم.
فينبغي للمسلمين أخذ الحذر؛ لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71](2) وقال سبحانه وتعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119](3).
(1) موطأ الإِمام مالك، كتاب القرآن، باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن، 1/ 199، والدارقطني في سننه، كتاب الطهارة، باب في نهي المحدث عن مس القرآن، 1/ 122، وله شاهد من حديث ابن عمر عند الدارقطني في الكتاب والباب السابق 1/ 121، والطبراني في الكبير، 12/ 213 برقم 13217، والأوسط والصغير [مجمع البحرين 1/ 346 برقم 431] والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 88، وله شاهد آخر من حديث حكيم بن حزام، عند الدارقطني في سننه، 1/ 122، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 3/ 485، والطبراني في المعجم الأوسط والصغير، [مجمع البحرين، 1/ 347، برقم 432] وفي المعجم الكبير، 3/ 205، برقم 3135. وقال ابن عبد البر " وكتاب عمرو بن حزم هذا قد تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإِسناد الواحد ": الاستذكار 1/ 10 وصححه الألباني في إرواء الغليل، لشواهده وطرقه 1/ 158، وانظر: تلخيص الحبير، لابن حجر 1/ 131.
(2)
سورة النساء، الآية71.
(3)
سورة آل عمران، الآية 119.