الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
99 -
باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب
؟
[حديث كتاب النبي إلى قيصر فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين]
90 -
[2936] حدثنا إسحاق: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عبد الله بن عباس (1). رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر وقال: «فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» (2).
وفي رواية: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي (3) وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى؛ ليدفعه إلى قيصر وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله، فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه: التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه، لأسألهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "(4).
* شرح غريب الحديث: * " قيصر " هو هرقل، ولقبه قيصر، وكل من ملك الروم يقال له قيصر (5).
* " توليت " أعرضت وامتنعت عن الدخول في الإسلام (6).
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 5.
(2)
[الحديث 2936] طرفه في: كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، 4/ 3، برقم 2940.
(3)
دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه، أسلم قديما، وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهد أحد، ثم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة والجمال، وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية رضي الله عنه، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى عظيم بصرى؛ ليدفعه إلى قيصر " هرقل " فلقيه بحمص أول سنة سبع أواخر سنة ست. قال الإمام النووي رحمه الله:" روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث "، وقال الحافظ ابن حجر:" يجتمع لنا عنه نحو ستة " وشهد رضي الله عنه معركة اليرموك، وقد نزل إلى دمشق وسكن المزة - القرية المعروفة بجانب دمشق- وبقي إلى خلافة معاوية رضي الله عنهما. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي، 1/ 185، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 473.
(4)
الطرف رقم 2940.
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 346، وانظر: شرح الطيبي على مرقاة المفاتيح 8/ 2691.
(6)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 609، وشرح النووي على صحيح مسلم 12/ 352.
* " عظيم بصرى " أي أمير بصرى (1).
* " بصرى " هي مدينة حوران، ذات قلعة وأعمال، قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز. (2).
* " إيلياء " بيت المقدس، وقيل معناه: بيت الله، وحكي أنه يقال بالقصر أيضا " إيليى " ولغة ثالثة بحذف الياء الأولى " إلياء " وهو المسجد الأقصى أيضا (3).
* " أبلاه الله " أي: أنعم عليه (4).
* " الأريسيين " هم الأكّارون والزارعون، والفلاحون. الواحد: أريس وهي لغة شامية، وقيل: هم الخدم، وقيل غير ذلك. والمعنى أن على قيصر مثل إثم هؤلاء؛ لأنه صدهم عن الإسلام (5).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الدعوة إلى كلمة التوحيد.
2 -
من وسائل الدعوة: الكتب والرسائل وإرسال الرسل والدعاة.
3 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
4 -
من أصناف المدعوين: النصارى.
5 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
6 -
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية جميع الناس إلى الإسلام.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 346، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح 8/ 2692.
(2)
انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض، حرف الباء مع الصاد، 1/ 116، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 3/ 602، وشرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 346.
(3)
انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض، حرف الهمزة مع اللام، 1/ 59.
(4)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 611.
(5)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 162، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الهمزة مع الراء، مادة:" أرس " 1/ 38.
أولا: من موضوعات الدعوة: الدعوة إلى كلمة التوحيد:
دل هذا الحديث على أن من موضوعات الدعوة: الدعوة إلى كلمة التوحيد، وهي " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كتب صلى الله عليه وسلم إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام أي إلى الشهادتين كما ثبت فيما تضمنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا ففي الرواية الأخرى: أن قيصر " هرقل " دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل " قيصر " فقرأه، وفي رواية:" فقرئ " فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام (1). أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] (2) فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده» (3). وهذا مضمون الكتاب قد اتضح فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا هرقل وأتباعه إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله. وهذا يبين للدعاة إلى الله عز وجل أهمية العناية بالشهادتين، ودعوة الكفار إليهما قبل كل شيء، وبيان معناهما، ومقتضاهما، وشروطهما وأركانهما، ونواقضهما، وخاصة بعد دخول الكفار في الإسلام (4).
ثانيا: من وسائل الدعوة: الكتب والرسائل وإرسال الرسل والدعاة: دل هذا الحديث على أن من وسائل الدعوة كتابة الرسائل والكتب، وإرسالها
(1) أدعوك بدعاية الإسلام: أي بدعوته وهي كلمة التوحيد. شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 352، وقال الطيبي:" وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة " شرح الطيبي لمشكاة المصابيح 8/ 2692، وقال القرطبي:" هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " المفهم 3/ 608.
(2)
سورة آل عمران، الآية:64.
(3)
متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي سفيان رضي الله عنه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، 4/ 3، برقم 2941، وطرفه الأول عند البخاري في كتاب الوحي، باب حدثنا أبو اليمان، 1/ 6 برقم 7، وأخرجه مسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، 3/ 1396، برقم 1773.
(4)
انظر: الحديث رقم 93، الآتي بعد حديثين، الدرس الأول.
إلى المدعوين مع السفراء والرسل؛ ولهذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر- كما في هذا الحديث- يدعوه إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والجبابرة يدعوهم إلى الإسلام، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه:" أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى (1). وإلى قيصر (2). وإلى النجاشي (3). وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ". (4).
وأرسل صلى الله عليه وسلم الرسل يحملون الرسائل والكتب إلى ملوك الأرض، وأرسل الدعاة إلى الله يبلغون الناس الإسلام، ويدعونهم قبل كل شيء إلى الشهادتين، ثم يدعونهم بالتدرج إلى شرائع الإسلام، ومن ذلك «أنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن وقال له:" إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله [وفي رواية: " فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل]، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (5).
وهذا يبين أهمية إرسال الكتب وبعث الرسل والدعاة لدعوة الناس إلى الإسلام، وتبليغهم كل ما أمر الله به عباده عن طريق التدرج (6).
ثالثا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: دل مفهوم هذا الحديث على أهمية القدوة الحسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه
(1) كِسْرى: وهو لقب لكل من ملك من ملوك الفرس. شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 355.
(2)
قيصر: لقب لكل من ملك الروم. انظر: المرجع السابق، 2/ 355.
(3)
النجاشي: لقب لكل من ملك الحبشة، كما أن: خاقان لكل من ملك الترك، وفرعون لكل من ملك القبط، والعزيز لكل من ملك مصر، وتبع لكل من ملك حمير. انظر: المرجع السابق، 12/ 355.
(4)
صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل، 3/ 1397، برقم 1774.
(5)
متفق عليه: البخاري، 2/ 133، برقم 1395، ومسلم، 1/ 50، برقم 19، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 52، الدرس الثاني، ص 323.
(6)
انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث.
لهرقل: «فإن توليت، فإن عليك إثم الأريسيين» وهذا فيه دلالة واضحة على أن الله عز وجل لو شاء هداية قيصر لأسلم من معه جميعا: من الفلاحين والزارعين وغيرهم (1). وهذا يبين بمفهومه أهمية القدوة الحسنة وأثرها في نفوس المدعوين (2).
رابعا: من أصناف المدعوين: النصارى: ظهر في هذا الحديث أن من أصناف المدعوين النصارى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب الرسائل والكتب إليهم، وأرسل الرسل والدعاة يدعونهم إلى الله عز وجل، كما في هذا الحديث في كتابه لقيصر مع دحية الكلبي رضي الله عنه.
ولا شك أن دعوة النصارى إلى الله تحتاج إلى أساليب ووسائل متخصصة؛ لمراعاة أحوالهم ومعتقداتهم، فينبغي أن يسلك معهم الداعية إلى الله عز وجل مسالك سبعة كالآتي:
1 -
إبطال عقيدة التثليث بالأدلة العقلية والنقلية، وإثبات الوحدانية لله عز وجل.
2 -
البراهين بالأدلة العقلية والنقلية على إثبات بشرية عيسى صلى الله عليه وسلم وعبوديته لله عز وجل.
3 -
الأدلة العقلية والنقلية على إبطال قضية الصلب والقتل لعيسى صلى الله عليه وسلم.
4 -
البراهين بالأدلة العقلية والنقلية على أن الإسلام قد نسخ جميع الشرائع السابقة.
5 -
البراهين بالأدلة الحسية والنقلية على إثبات وقوع التحريف في الإنجيل.
6 -
إثبات اعترافات المنصفين من علماء النصارى.
7 -
البراهين الحسية والعقلية والنقلية على إثبات الرسالة المحمدية وعمومها لكافة الناس.
وإذا سلك الداعية إلى الله عز وجل مع النصارى هذه المسالك وفق للحكمة في دعوة النصارى إن شاء الله تعالى (3).
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 352.
(2)
انظر: الحديث رقم 3، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الخامس.
(3)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، 1/ 110 - 112، 2/ 13، 139، 228، والملل والنحل للشهرستاني 1/ 221 - 222، والداعي إلى الإسلام، للأنباري ص 359 - 461، وتلبيس إبليس لعبد الرحمن بن الجوزي ص 73، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 120 - 420، 2/ 30 - 421، 3/ 49 - 495، 4/ 5 - 403، 5/ 5 - 449، 6/ 5 - 481، ودرء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، 1/ 198، ودقائق التفسير له، 2/ 324 - 346، 3/ 28 - 31، وإغاثة اللهفان لابن القيم، 2/ 85، 270 - 273، وهداية الحيارى له، ص 620 - 640، وإظهار الحق لرحمة الله الهندي 1/ 93 - 583، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية بعناية الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، ص 173 - 494، 477.
خامسا: من أساليب الدعوة: الترهيب: إن الترهيب أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى قيصر: «فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» .
فبين له صلى الله عليه وسلم أنه إذا امتنع من الدخول في الإسلام فإن عليه إثم أتباعه من الفلاحين وغيرهم (1). لأنه السبب في عدم دخولهم في دين الله عز وجل (2).
سادسا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية جميع الناس إلى الإسلام: دل هذا الحديث على حرص محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم على هداية الناس جميعا إلى الإسلام، وإخراجهم من الظلمات إلى النور؛ ولهذا كتب لقيصر كما في هذا الحديث، وكتب إلى سائر ملوك الدنيا وجبابرتها، يدعوهم إلى كلمة التوحيد (3). وقد مدحه الله عز وجل وأثنى عليه، وأكرمه بقوله سبحانه وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107](4).
وهو شديد الحرص على المؤمنين أعظم من غيرهم قال الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128](5).
فينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يحرص على هداية الناس اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 352.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، والحديث رقم 12، الدرس الثالث.
(3)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 354 - 355، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2691، 2708.
(4)
سورة الأنبياء، الآية:107.
(5)
سورة التوبة، الآية:128.