الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث أوصى النبي بكتاب الله]
3 -
[2740] حَدَّثَنَا خَلّاد بن يَحْيى: حَدَّثَنا مَالك: حَدَّثَنا طَلْحَة بن مصرِّفٍ (1) قَالَ: " سَأَلت عَبدَ اللهِ بنَ أَبِي أَوْفَى (2) رضي الله عنهما: هَلْ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَوْصَى؛ فقَال: لَا. فَقلت: كَيْفَ كتِبَ عَلَى النَّاس الوَصِيَّة أَوْ أمِروا بالوَصيَّةِ؛ قالَ: أَوْصَى بِكتَابِ اللهِ "(3).
وفي رواية: " كَيْفَ كتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصيَّة أو أمِروا بِهَا وَلَمْ يوصِ "(4).
* شرح غريب الحديث: * " فقال: لا " أي لم يوصِ بما يتعلق بالمال؛ لأن ما تركه فهو صدقة (5).
* " أوصى بكتاب الله " أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه (6).
* " كيف كتِب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية " شكّ من الراوي: هل قال: كيف كتب على المسلمين الوصية أو قال: كيف أمروا بها (7).
(1) طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب الإمام الحافظ المقرئ اليامي الهمداني الكوفي، حدث عن أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم، كان يسمى سيد القراء ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب فقرأ على الأعمش لتنزل رتبته في أعينهم ويأبى الله إلا رفعته؛ ولهذا قال الأعمش:(فما ظنكم برجل لا يخطئ، ولا يلحن) وتوفى رحمه الله في آخر عام 113 هـ، [انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 5/ 191 - 193].
(2)
عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي رضي الله عنهما، شهد بيعة الرضوان، وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل بالمدينة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وتسعين حديثا، اتفق البخاري ومسلم على عشرة، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث، مات سنة ست وثمانين، وقيل سبع وثمانين، وهو آخر من توفي من الصحابة رضي الله عنهم بالكوفة. [انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 261، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/ 167، والإصابة في تمييز الصحابة، له، 2/ 279].
(3)
(الحديث 2740) طرفاه في كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته 5/ 167 برقم 4460، وفي كتاب فضائل القرآن، باب الوصاة بكتاب الله عز وجل، 6/ 130 برقم 5022، وأخرجه مسلم، في كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه 3/ 1256، برقم 1634.
(4)
من الطرف رقم 5022.
(5)
انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 60، 16/ 248، 19/ 30.
(6)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 5/ 360 - 361.
(7)
المرجع السابق 5/ 360.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية العلم والعمل بكتاب الله تعالى.
2 -
أهمية السؤال في تحصيل العلم ونشره.
3 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
4 -
من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية تفصيلا على النحو الآتي:
أولا: أهمية العلم والعمل بكتاب الله تعالى: أساس العلم النافع العلم بكتاب الله تعالى، فلا بد للداعية إلى الله تعالى أن يعتني بهذا الكتاب العظيم وحفظه: حسا ومعنى وتدبرا، فَيكرم، ويصان، ويتَّبع ما فيه: فيعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته، وتعلمه وتعليمه (1) وقد بين الله الحكمة من إنزاله فقال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29](2) وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده المؤمنين فقال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» (3).
فأي غبطة أعظم وأحب من هذه الغبطة العظيمة (4)؛ ولهذه المكانة العظيمة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم في عدة مناسبات وفي عدة أماكن، من ذلك أنه أوصى به في عرفات فقال: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم
(1) انظر فتح الباري لابن حجر، 9/ 67.
(2)
سورة ص، الآية:29.
(3)
البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن 6/ 631، برقم 507، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه 1/ 558، برقم 815.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 347.
به، كتاب الله» (1) وعندما كان في طريقه إلى المدينة راجعا من حجة الوداع أوصى به فقال:«وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، [هو حبل الله من اتَّبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا كتاب الله وتمسكوا به» ، فحث عليه ورغب، ثم قال:«وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» ثلاث مرات (2) وأوصى به عند موته كما في حديث الباب.
فدل ذلك على أهمية تعلم كتاب الله تعالى وتعليمه للناس، فيتأكد على الدعاة إلى الله تعالى أن يعتنوا بكتاب الله حفظا وفهما، وعملا وتعليما.
ثانيا: أهمية السؤال في تحصيل العلم ونشره: إن السؤال عن العلم من أهم الأمور التي ينبغي لكل مسلم أن يعتني بها، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث؛ لسؤال طلحة بن مصرف لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما عن وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفاد منه هذا العلم العظيم ونشِرَ بسبب سؤاله؛ ولأهمية السؤال عن العلم قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:" خمسٌ إذا أخطأ القاضي منهن خطة (3) كانت فيه وصمة (4) أن يكون: فَهِما، حليما، عفيفا، صليبا (5) عالما، سئولا عن العلم "(6) وقال مجاهد: " لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر "(7) وهذا يدل على أهمية السؤال عن العلم ونشره، فيتأكد على الداعية أن يعتني بذلك.
ثالثا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: دل هذا الحديث على أن القدوة وسيلة من وسائل الدعوة؛ ولهذا قال طلحة بن مصرف لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: " كيف كتبَ على الناس الوصية أو
(1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 886، برقم 1218.
(2)
مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، 4/ 1873، برقم 2408.
(3)
خطة: أي خصلة. فتح الباري 13/ 146.
(4)
وصمة: عيبا. انظر: فتح الباري 13/ 146.
(5)
صليبا: قويا شديدا، يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى. انظر: المرجع السابق 13/ 146.
(6)
البخاري، كتاب الأحكام، باب متى يستوجب الرجل القضاء 8/ 141.
(7)
البخاري، كتاب العلم، باب الحياء في العلم 1/ 47.
أمروا بالوصية ولم يوصِ " يعني النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أسوة كل مسلم، فقال عبد الله: " أوصى بكتاب الله "، وهذا يبين للداعية أنه يجب على جميع الدعاة إلى الله تعالى أن يكونوا قدوة صالحة للمدعوين، ولا يكون الداعية ناجحا إلا أن يعمل بدعوته، ولا يكون ممن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، وهذا حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى محذرا عن ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3] (1)؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " علماء السوء جلسوا على أبواب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فلما قالت أقوالهم للناس: هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما يدعون إليه حقا، كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طريق " (2) فعلى الداعية المسلم أن يكون قدوة للناس بقوله وفعله (3) والله المستعان.
رابعا: من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث: من الصفات الحميدة حرص السلف الصالح على الدقة في نقل الحديث؛ ولهذا قال بعض رواة هذا الحديث: " كيف كتِبَ على الناس الوصية أو أمروا بالوصية "، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" شك من الراوي هل قال: كيف كتب على المسلمين الوصية أو قال: كيف أمروا بها "(4).
وهذا يدل الدعاة إلى الله تعالى ويرشدهم إلى التحري والدقة في نقل الأخبار والأحاديث وتبليغها للناس كما جاءت، حتى لا يقع الداعية في الكذب أو الافتراء وهو لا يشعر (5).
* * * *
(1) سورة الصف، الآيتان: 2 - 3.
(2)
الفوائد، لابن القيم، ص 112.
(3)
انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز 1/ 350، 2/ 343، 3/ 110.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 5/ 360.
(5)
انظر بهجة النفوس، لابن أبي جمرة 1/ 128.