المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث معاذ كنت رديف النبي على حمار] - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - جـ ١

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أولا: التعريفات والحدود

- ‌ ثانيا: أهمية الموضوع

- ‌ ثالثا: أهداف الدراسة

- ‌ رابعا: أسباب اختيار الموضوع

- ‌ خامسا: موضوع الدراسة

- ‌ سادسا: تساؤلات الدراسة

- ‌ سابعا: منهج الدراسة

- ‌ ثامنا: ضوابط الدراسة

- ‌تقسيم الدراسة

- ‌الشكر والتقدير

- ‌مدخل الدراسة

- ‌ أولا: ترجمة موجزة للإمام البخاري رحمه الله

- ‌ ثانيا: التعريف بصحيح الإمام البخاري رحمه الله

- ‌ ثالثا: التعريف بكتب موضوع الدراسة وعدد أحاديثها وجهود البخاري

- ‌ عدد أحاديث هذا القسم، وأسماء كتبه

- ‌ أرقام أحاديث موضوع الدراسة

- ‌ جهود الإمام البخاري رحمه الله

- ‌ نسخة الصحيح المعتمدة في الدراسة

- ‌القسم الأولالدراسة الدعوية للأحاديث الواردة في موضوع الدراسة

- ‌الفصل الأول: كتاب الوصايا

- ‌ باب الوصايا

- ‌[حديث ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا]

- ‌[حديث أوصى النبي بكتاب الله]

- ‌[حديث ما أوصى النبي بشيء]

- ‌ بَاب الوصِيَّة بالثلثِ

- ‌[حديث الثلث والثلث كثير]

- ‌ باب لا وصية لوارث

- ‌[حديث كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين]

- ‌ باب هَلْ يَدخل النّساء والولد في الأَقَارب

- ‌[حديث اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا]

- ‌ باب إِذا قال أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمِّي فهو جائز

- ‌[حديث أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها]

- ‌ باب إذا تصَدَّقَ أَوْ وَقَفَ بَعْضَ مَالِهِ أوْ بَعضَ رَقِيقهِ أَوْ دَوابِّهِ فهوَ جَائِز

- ‌[حديث أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك]

- ‌ باب قول الله عز وجل {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أولو الْقرْبَى

- ‌[حديث هما واليان وال يرث ووال لا يرث]

- ‌ باب ما يستحب لمن توفى فجأة أن يتصدقوا عنه

- ‌[حديث سعد بن معاذ سأل رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر فقال اقضه عنها]

- ‌ باب قول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكلونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظلْما

- ‌[حديث اجتنبوا السبع الموبقات]

- ‌ باب قول الله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قلْ إِصْلَاح لَهمْ خَيْر

- ‌[حديث ما رد ابن عمر على أحد وصيته]

- ‌ باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له

- ‌[حديث أنس خدمت رسول الله في السفر والحضر]

- ‌ بَاب نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقفِ

- ‌[حديث ما تركت فهو صدقة]

- ‌ بَاب إِذَا وَقَفَ أَرضا أَو بِئْرا أو اشْترَطَ لِنَفْسِهِ مِثلَ دِلاءِ المسْلمين

- ‌[حديث من حفر بئر رومة فله الجنة]

- ‌ بَاب قوْلِ اللهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ

- ‌[حديث سبب نزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت]

- ‌[الفصل الثاني كتاب الجهاد والسير]

- ‌ باب فضْلِ الجهَادِ والسِّيرِ

- ‌[حديث لا عمل يعدل الجهاد]

- ‌ بَاب: أَفْضَل النَّاسِ مؤمِن يجَاهِد بنَفْسِهِ ومَالِهِ فِي سبِيلِ اللهِ

- ‌[حديث أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله]

- ‌ بَاب الدّعَاءِ بِالجِهَادِ والشَّهَادةِ للرِّجَالِ والنِّساءِ

- ‌[حديث ناس من أمتي يركبون ثبج البحر ملوكا على الأسرة]

- ‌ باب درجات المجاهدين في سبِيلِ اللهِ

- ‌[حديث من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة]

- ‌ بَاب الغَدوةِ والرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وقَاب قوْسِ أَحَدِكمْ في الجَنَّةِ

- ‌[حديث لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها]

- ‌[حديث لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب]

- ‌[حديث الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها]

- ‌ بَاب الحور العين وصِفَتِهنَّ

- ‌[حديث ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا]

- ‌ باب منْ ينكب أوْ يطعَن فِي سبيل اللهِ

- ‌[قوله في بعض المشاهد هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت]

- ‌ باب قول الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

- ‌[حديث استشهاد أنس بن النضر]

- ‌[حديث أمر أبي بكر زيد بن ثابت بنسخ المصحف]

- ‌ بَاب: عَمل صالح قَبْلَ القِتَال

- ‌[حديث عمل قليلا وأجر كثيرا]

- ‌ باب من أتاه سهم غرب فقتله

- ‌[حديث يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى]

- ‌ باب فَضْلِ قَوْل اللهِ تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا

- ‌[حديث صبح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم شهداء وذلك قبل تحريمها]

- ‌ باب: الجنة تحت بارقة السيوف

- ‌[حديث من قتل منا صار إلى الجنة]

- ‌ باب من طلب الولد للجهاد

- ‌[حديث نبي الله سليمان لأطوفن الليلة على مائة امرأة]

- ‌ باب الشجاعة في الحرب والجبن

- ‌[حديث لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم]

- ‌ باب ما يتعوذ من الجبن

- ‌[حديث تعوذه صلى الله عليه وسلم دبر الصلاة]

- ‌[حديث تعوذه صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل]

- ‌ باب من حدث بمشاهده في الحرب

- ‌[حديث طلحة بن عبيد الله عن يوم أحد]

- ‌ باب الكافرِ يَقتل المسلم ثم يسلم فيسدّد بعد ويقتل

- ‌[حديث يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة]

- ‌[قول أبان بن سعيد ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه]

- ‌ بَاب من اخْتارَ الْغزْوَ على الصّوْمِ

- ‌[حديث أنس في أبي طلحة أنه ما كان يصوم على عهد النبي من أجل الغزو]

- ‌ بَاب الشَّهادَة سبع سوَى القتل

- ‌[حديث الطاعون شهادة لكل مسلم]

- ‌ باب قولِ الله عز وجل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

- ‌[حديث سبب نزول قوله تعالى غير أولي الضرر]

- ‌[حديث آخر في سبب نزول قوله تعالى غير أولي الضرر]

- ‌ باب التحريض على القتال

- ‌[حديث اللهم إن العيش عيش الآخرة]

- ‌ باب حَفْر الْخنْدَقِ

- ‌[حديث لولا أنت ما اهتدينا]

- ‌ باب مَنْ حبَسه العذْر عن الغزْو

- ‌[حديث إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه]

- ‌ باب فَضْلِ الصَّوْم فِي سَبِيلِ الله

- ‌[حديث من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا]

- ‌ بَاب فضلِ من جهز غازيا أو خلفَه بخيرِ

- ‌[حديث من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا]

- ‌[حديث إني أرحمها قتل أخوها معها]

- ‌ باب التّحّنطِ عنْدَ الْقتَال

- ‌[حديث ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله]

- ‌ بَاب فَضلِ الطلِيعةِ

- ‌[حديث لكل نبي حواري وحواري الزبير]

- ‌ باب: الخيل معقود فِي نواصيها الخير إلى يوم القيامة

- ‌[حديث الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة]

- ‌[حديث الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة]

- ‌[حديث البركة في نواصي الخيل]

- ‌ باب من احتبس فرسا لقوله تعالى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [

- ‌[حديث من احتبس فرسا في سبيل الله]

- ‌ باب اسم الفرسِ وَالحمارِ

- ‌[حديث فرس النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث معاذ كنت رديف النبي على حمار]

- ‌ باب ما يذْكَر من شؤْم الفرسِ

- ‌[حديث إِنْ كَانَ الشؤم في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن]

- ‌ بَاب سهامِ الفرس

- ‌[حديث جعل رسول الله للفرس سهمين ولصاحبه سهما]

- ‌ باب من قاد دابة غيره في الحرب

- ‌[حديث أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب]

- ‌ باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حديث ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء]

- ‌ باب غزوِ النساءِ وَقِتالهِنَّ معَ الرّجَالِ

- ‌[حديث سقي عائشة وأم سليم الجرحى يوم أحد]

- ‌ باب حَمْلِ النّساء القرَب إلَى النّاسِ في الغزو

- ‌[حديث أم سليط التي كانت تزفر القرب يوم أحد]

- ‌ بَاب مداواةِ النِّساءِ الجرحى في الغزوِ

- ‌[حديث الربيع بنت معوذ كنا مع النبي نسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة]

- ‌ باب نَزْعِ السَّهْمِ مِنَ البدَنِ

- ‌[حديث اللهم اغفر لعبيد أبي عامر]

- ‌ باب الحراسة في الغزو في سبيل لله

- ‌[حديث ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني الليلة]

- ‌[حديث تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة]

- ‌ باب فضل الخدمة في الغزو

- ‌[حديث جرير رأيت الأنصار يصنعون شيئا لا أجد أحدا منهم إلا أكرمته]

- ‌[حديث ذهب المفطرون اليوم بالأجر]

- ‌ باب من اسْتعان بالضعَفاء والصالحِينَ في الحربِ

- ‌[حديث هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم]

- ‌[حديث يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال فيكم من صحب النبي]

- ‌ باب لا يقول: فلان شهِيد

- ‌[حديث إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار]

- ‌ باب التَّحرِيض على الرمي

- ‌[حديث ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا]

- ‌[حديث إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل]

- ‌ باب اللَّهوِ بالحِرَابِ وَنَحوِهَا

- ‌[حديث بينا الحبشة يلعبون عند النبي]

- ‌ باب المِجَنِّ ومَن يتَتَرَّس بترس صاحبه

- ‌[حديث كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله]

- ‌[حديث ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفدي رجلا بعد سعد]

- ‌ باب حلية السيوف

- ‌[حديث لقد فتح الفتوح قوم ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة]

- ‌ باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة

- ‌[حديث إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم]

- ‌ باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب

- ‌[حديث اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم]

- ‌ باب الحرير في الحرب

- ‌[حديث رخص النبي لعبد الرحمن بن عوف في قميص من حرير]

- ‌ باب قتال اليهود

- ‌[حديث تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله]

- ‌[حديث لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله]

- ‌ باب قتال الترك

- ‌[حديث إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر]

- ‌[حديث لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك]

- ‌ باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة

- ‌[حديث ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا شغلونا عن صلاة الوسطى حين غابت الشمس]

- ‌[حديث اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اللهم اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم]

- ‌[حديث إن الله يحب الرفق في الأمر كله]

- ‌ باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب

- ‌[حديث كتاب النبي إلى قيصر فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين]

- ‌ باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم

- ‌[حديث اللهم اهد دوسا وائت بهم]

- ‌ باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، والنبوةوأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله

- ‌[حديث لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يدي]

- ‌[حديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله]

- ‌ باب التوديع

- ‌[حديث إن النار لا يعذب بها إلا الله]

- ‌ باب السمع والطاعة للإمام

- ‌[حديث السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة]

- ‌ باب يقاتل من وراء الإمام، ويتقى به

- ‌[حديث من أطاعني فقد أطاع الله]

- ‌ باب البيعة في الحرب أن لا يفروا

- ‌[حديث سألنا نافعا على أي شيء بايعهم على الموت قال لا بل بايعهم على الصبر]

- ‌[حديث عبد الله بن زيد لا أبايع أحدا على الموت بعد رسول الله]

- ‌[حديث يا ابن الأكوع ألا تبايع]

- ‌[حديث مضت الهجرة لأهلها]

- ‌ باب عزمِ الإمام على الناسِ فِيمَا يطِيقون

- ‌[حديث عبد الله بن مسثعود لم يكن النبي يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله]

- ‌ باب ما قِيل في لِوَاءِ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حديث قيس بن سعد صاحب لواء رسول الله أراد الحج فرجل]

- ‌[حديث ليأخذن غدا رجل يحبه الله ورسوله]

- ‌[حديث هاهنا أمرك النبي أن تركز الراية]

- ‌ باب قوْل النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نصرت بِالرّعبِ مَسيرة شهْر»

- ‌[حديث بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب]

- ‌ باب حمل الزّاد في الغزْو

- ‌[حديث أسماء صنعت سفرة رسول الله في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر]

- ‌ باب الرّدف على الحمَارِ

- ‌[حديث ركب النبي على حمار على إكاف عليه قطيفة وأردف أسامة وراءه]

- ‌ باب كراهية السفر بالمصحف إلى أرض العدو

- ‌[حديث سافر النبي وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن]

- ‌ باب مَا يكره مِنْ رفع الصوت في التكبير

- ‌[حديث أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا]

- ‌ باب التسبِيح إذا هَبط وَاديا

- ‌[حديث كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا]

الفصل: ‌[حديث معاذ كنت رديف النبي على حمار]

[حديث معاذ كنت رديف النبي على حمار]

58 -

[2856] حَدَّثَنا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ أنه سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ: حَدَّثَنَا أبو الأَحْوَصِ، عَن أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمونٍ، عَنْ معَاذٍ (1) رضي الله عنه قَالَ:«كَنْت رِدْفَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يقَال لَه: عفَيْر، فَقَالَ: " يَا معَاذ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ الله عَلَى عِبَادِه؟ وَمَا حَقّ العِبَادِ عَلَى الله؟ " قلْت: الله وَرَسوله أَعْلَم. قَالَ: " فَإِنَّ حَقَّ الله عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبدوه وَلَا يشْرِكوا بِه شَيْئا، وَحَقّ العِبَادِ عَلَى الله أَنْ لا يعَذِّبَ منْ لا يشْرِك بِه شَيْئا "، فَقلْت: يَا رَسولَ الله أَفَلا أبَشِّر بِه النَّاسَ؟ قَالَ: " لا تبَشِّرْهمْ فَيَتَّكِلوا» (2).

(1) معاذ بن جبل بن عمرو بن عائذ الأنصاري الخزرجي، الفقيه، الفاضل، أسلم وعمره ثمان عشرة سنة، وشهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، ثم شهد بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ القرآن الكريم كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه:" جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي "[البخاري برقم 5003، ومسلم برقم 2465] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبي، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة "[البخاري برقم 4999 ومسلم، برقم 2464] وفي الحديث: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة " أحمد 3/ 184، 281، والترمذي برقم 3790، وابن ماجه برقم 154، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/ 227 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو أدركت معاذا ثم وليته، ثم لقيت ربي فقال من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت نبيك وعبدك يقول: " يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء برتوة " ابن سعد 3/ 443، 3/ 272، وأبو نعيم في الحلية 1/ 228، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 311 وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1091، ومعنى الرتوة: برمية سهم، وقيل: برمية حجر، وقيل: بميل، وقيل مد البصر. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/ 195، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة وسبعة وخمسون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بحديث، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا، ومعلما، وداعيا إلى الله عز وجل. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا معاذ والله إني لأحبك، والله إني لأحبك " فقال: " أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك "[أبو داود برقم 1522، والنسائي برقم 1303، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي 3/ 373] وذكر النووي رحمه الله أن معاذ بن جبل كان أحد الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: ثلاثة من المهاجرين: عمر، وعثمان، وعلي، وثلاثة من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. توفي رضي الله عنه بطاعون عمواس بالشام شهيدا، سنة ثمان عشرة، وقيل سبع عشرة، قال النووي رحمه الله:" والصحيح الأول " وهو ابن ثلاث وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وقيل ثمان وثلاثين. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 98، وسير أعلام النبلاء للذهبي 1/ 443، والإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 426.

(2)

[الحديث 2856] أطرافه في: كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل، 7/ 89، برقم 5967. وكتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك وسعديك، 7/ 176، برقم 6267. وكتاب الرقاق، باب من جاهد نفسه في طاعة الله، 7/ 243، برقم 6500. وكتاب والتوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، 8/ 207، برقم 7373. وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، 1/ 58، برقم 30.

ص: 340

وفي رواية: «بَيْنَا أَنَا رَدِيف النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَه إِلَّا آخِرَة الرَّحْلِ، فَقَالَ: " يَا معَاذ " قلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسولَ الله وَسَعْدَيْكَ. ثمَّ سَارَ سَاعَة، ثمَّ قَالَ: " يَا معَاذ "، قلت: لَبَّيْكَ رَسولَ الله وَسَعْدَيْكَ. ثمَّ سَارَ سَاعَة، ثمَّ قَالَ: " يَا معَاذ بْنَ جَبَلٍ "، قلْت: لَبَّيْكَ رَسولَ الله وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الله عَلَى عِبَادِه؟ " قلْت: الله وَرَسوله أَعْلَم. قَالَ: " حَقّ الله عَلَى عبَادِه أَنْ يَعْبدوه وَلَا يشْرِكوا به شَيْئا "، ثمَّ سَارَ سَاعَة، ثمَّ قَالَ: " يَا معَاذ بْنَ جَبَلٍ! "، قلْت: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّه وَسَعْديْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ العِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلوه؟ " قلْت: الله وَرَسوله أَعْلَم. قَالَ: " حَقّ الْعِبَادِ عَلَى الله أَنْ لَا يعَذِّبَهمْ» (1).

* شرح غريب الحديث: * " رديف " يقال: ردفت الرجل أردفه: إذا ركبت خلفه، وأردفته: إذا أركبته خلفي (2).

* " عفير " وهو تصغير ترخيم لأعفر، من العفرة: وهي الغبرة ولون التراب (3).

* " آخرة الرحل " هي الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير (4).

* " لبَّيْك " هو من التلبية، وهي إجابة المنادي. ويقال: لبى بالحج إذا قال: لبيك اللهم لبيك: أي إجابتي لك يا ربِّ، وهو مأخوذ من لبَّ بالمكان وألبَّ به إذ أقام به ولم يفارقه، ولفظ التثنية في معنى التكرير: أي إجابة بعد إجابة. أو: أنا مقيم على طاعتك، وقيل:" لبيك اللهم لبيك " أي اتجاهي وتوجهي إليك يا ربِّ وقصدي، وثنِّي للتوكيد، من قولهم: داري تلِبّ دارك:

(1) من الطرف رقم 6500.

(2)

تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 261.

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب العين مع الفاء، مادة " عفر " 3/ 263، وانظر: أعلام الحديث للخطابي 2/ 1377.

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الهمزة مع الخاء، مادة:" آخر " 1/ 29.

ص: 341

أي تواجهها. وقيل: محبتي لك يا ربِّ، من قول العرب: امرأة لبَّة: أي محبة لولدها عاطفة عليه. وقيل: إخلاصي لك يا ربّ، من قولهم: حَسَب لبَاب: إذا كان خالصا محضا (1).

* " وسَعْدَيْكَ " أي: سَاعَدَتْ طَاعَتك مسَاعدة بَعْدَ مسَاعَدَة، وإسعادا بعد إسعاد (2).

* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

1 -

من صفات الداعية: التواضع.

2 -

من ميادين الدعوة: مراكب المواصلات.

3 -

من أساليب الدعوة: استفسار الداعية المدعو؛ ليختبر ما عنده.

4 -

من أساليب الدعوة: النداء والإِجابة لتأكيد الاهتمام.

5 -

أهمية تعليم العامة قبل أن يسألوا.

6 -

أهمية سؤال الداعية عما أشكل عليه.

7 -

أهمية مراعاة أحوال المدعوين.

8 -

من أساليب الدعوة: التأكيد بالتكرار.

9 -

من سنة إلقاء العلم: الوقار والتثبت.

10 -

من أدب المدعو: الاقتراب من مجالس العلم.

11 -

من أدب الداعية: رد علم ما لا يعلمه إلى الله عز وجل.

12 -

من أهم موضوعات الدعوة: الحض على الطاعات واجتناب المعاصي.

13 -

أهم موضوعات الدعوة: الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك.

14 -

من صفات الداعية: حب الخير للناس وتبشيرهم به؛ لإِدخال السرور عليهم.

15 -

من موضوعات الدعوة: التحذير من الاتكال.

(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي ص 154، 188، 215، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب اللام مع الباء، مادة " لبب " 4/ 222.

(2)

انظر: غريب ما في الصحيحين، للحميدي ص 188، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع العين مادة:" سعد " 2/ 366.

ص: 342

16 -

من أساليب الدعوة: الترغيب والترهيب.

17 -

من صفات النبي صلى الله عليه وسلم: الفصاحة والبلاغة.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولا: من صفات الداعية: التواضع: دل الحديث على خلق التواضع وأنه من صفات النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا ركب على الحمار وأردف معاذ بن جبل خلفه، قال الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله:" فيه دليل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه إذ أنه في الفضل حيث هو وكان يركب هو وغيره على دابة واحدة "(1) ومن عظم تواضعه ما ذكره ابن حجر رحمه الله: أن ابن منده رحمه الله أفرد أسماء من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم فبلغوا ثلاثين نفسا (2). فينبغي للداعية أن يتصف بهذه الصفة الحميدة (3).

ثانيا: من ميادين الدعوة: مراكب المواصلات: لا شك أن مراكب المواصلات: من ميادين الدعوة، التي تستغل لنشر الدعوة أثناء السير فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلِّم أثناء سيره وهو راكب على الحمار كما فعل مع معاذ رضي الله عنه في هذا الحديث، وكما فعل مع ابن عباس رضي الله عنهما حينما كان رديفه على حمار فقال:«يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» (4).

(1) بهجة النفوس، 3/ 119، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 1/ 203، وفتح الباري لابن حجر، 11/ 340، 1/ 227.

(2)

انظر: فتح الباري، 10/ 398.

(3)

انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثالث.

(4)

أخرجه الترمذي، في كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا بشر بن هلال، 4/ 667، برقم 2516، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع 6/ 300، وصحيح سنن الترمذي، 2/ 309.

ص: 343

وهذا يبين للداعية أهمية انتهاز الفرص أثناء ركوبه على وسائل المواصلات؛ قال الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله في فوائد حديث معاذ رضي الله عنه: " فيه في دليل على جواز الحث في العمل في الطريق على الدواب، هذا بشرط أن يكون الطريق ليس فيه اللغط الكثير؛ لأنه قلَّ أن يأتي التعلم مع كثرة اللغط "(1).

فينبغي للداعية أن ينتهز الفرص أثناء ركوبه على وسائل المواصلات: كالسيارات، والطائرات، والقطارات، والسفن البحرية وغيرها، فينشر الدعوة، ويعلم الخير، إلا إذا منع من ذلك مانع، أو عارض ذلك مصلحة شرعية، أو خشي الداعية حصول مفسدة، أو تعطل مصلحة أعظم. . . والداعية الحكيم هو الذي يضع دعوته في موضعها المناسب. والله المستعان.

ثالثا: من أساليب الدعوة: استفسار الداعية المدعو ليختبر ما عنده: دل هذا الحديث على أن من أساليب الدعوة طرح الداعية الأسئلة على المدعوين؛ ليختبر ما عندهم من العلم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يا معاذ هل تدري حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟» .

وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله: أن في هذا الحديث من الفوائد " استفسار الشيخ تلميذه؛ ليختبر ما عنده، ويبيِّن له ما يشكل عليه منه "(2) ومما يؤكد أهمية هذا الأسلوب أن البخاري رحمه الله قال في أول كتاب العلم: " باب طرح الإِمام المسألة على أصحابه؛ ليختبر ما عندهم من العلم " ثم ساق تحته حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مَثَل المسلم، حدثوني ما هي؟ " قال فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: " هي النخلة» (3) وهذا يبيِّن للداعية أهمية هذا الأسلوب في الدعوة إلى الله عز وجل.

(1) بهجة النفوس، 3/ 121.

(2)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 340، وانظر: بهجة النفوس، لعبد الله بن أبي جمرة 3/ 119 و 4/ 143.

(3)

متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم، 1/ 26 برقم 62، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب مثل المؤمن مثل النخلة، 4/ 2164، برقم 2811.

ص: 344

رابعا: من أساليب الدعوة: النداء والإجابة لتأكيد الاهتمام: دل قوله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ " على أنَّ نداء الشخص باسمه قبل إلقاء العلم إليه من أدب العلم ومن أساليب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا بيَّن الإِمام عبد الله بن أبي جمرة أن في هذا الحديث من الفوائد في جذب قلب المدعو: " إحضار ذهنه إليك؛ ليعي ما تلقيه إليه؛ لأن الأذهان قد يطرقها فكرة فتكون بها مشغولة فلا تعي كل ما يلقى إليها "(1).

فينبغي للداعية أن يستخدم هذا الأسلوب عند الحاجة إليه.

خامسا: أهمية تعليم العامة قبل أن يسألوا: إن تعليم عامة الناس من أهم المهمات، وليس من شرطه أن يبقى الداعية ينتظر أسئلتهم، بل عليه أن يجتهد في تعليمهم العلم، وقد دل قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه:«حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» أن الداعية يعلم الناس العلم ولو لم يسألوا عنه؛ قال الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله: " وفي تعليمه صلى الله عليه وسلم معاذا من غير سؤال منه له صلى الله عليه وسلم دليل لمن يقول إن للعالم أن يعلم دون أن يسأل "(2).

سادسا: أهمية سؤال الداعية عما أشكل عليه: إن السؤال عما أشكل من الأمور المهمة؛ ولهذا قال معاذ رضي الله عنه: «فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟ قال: " لا تبشرهم فيتكلوا» ؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده "(3) وقد أمر الله عز وجل بسؤال العلماء، وحذر العلماء من كتمان العلم فقال عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43](4) وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159](5).

(1) بهجة النفوس 4/ 143، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 11/ 339.

(2)

بهجة النفوس، 2/ 143، و 3/ 121.

(3)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1/ 227.

(4)

سورة النحل، الآية: 43، وسورة الأنبياء، الآية:7.

(5)

سورة البقرة، الآية:159.

ص: 345

فينبغي للمدعو أن يسأل، وللداعية أن يجيب، ويسأل من هو أعلم منه (1).

سابعا: أهمية مراعاة أحوال المدعوين: دل الحديث على أهمية مراعاة أحوال المدعوين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم معاذا أن: «حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» وعندما قال له معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تبشرهم فيتكلوا» وهذا يبين أن الداعية يراعي أحوال المدعوين فيقدم لكل إنسان ما يناسبه؛ ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "(2) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكَذَّبَ الله ورسوله؟ "(3) وذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم» (4).

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله على قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبشرهم فيتكلوا» أن العلماء قالوا: " يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس؛ لئلا يتكلوا: أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس؛ لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها وقد سمعها معاذ ولم يزدد إلا اجتهادا في العمل وخشية لله عز وجل، فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن أن يقصر اتكالا على ظاهر الخبر "(5).

ومما بين مراعاة أحوال المدعوين أن البخاري رحمه الله بوَّب في صحيحه بابا قال فيه: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا " ثم ذكر

(1) انظر: الحديث رقم، 3، الدرس الثاني، والحديث رقم 30، الدرس الرابع.

(2)

أخرجه مسلم، في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع، 1/ 11.

(3)

البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، 1/ 46.

(4)

مسلم، في المقدمة: 1/ 6.

(5)

فتح الباري، 11/ 340، ونسبه إلى الحافظ ابن رجب في شرحه لأوائل صحيح البخاري، وقد طبع شرح ابن رجب بعنوان " فتح الباري شرح صحيح البخاري " ولكن ما نقله ابن حجر رحمه الله من القسم المفقود من كتاب العلم.

ص: 346

تحته حديث أنس بن مالك الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: «يا معاذ بن جبل "، قال: لبيك يا رسول الله وسَعْدَيْك. قال: " يا معاذ " قال: لبيك يا رسول الله وسعديك " ثلاثا " قال: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار " قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: " إذا يتكلوا» وأخبر بها معاذ عند موته تأثما (1).

وهذا يبين للداعية أهمية مراعاة أحوال المدعوين في دعوته إلى الله عز وجل (2).

ثامنا: من أساليب الدعوة: التأكيد بالتكرار: وقد ظهر هذا الأسلوب في هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ " وكرر نداء معاذ " ثلاث مرات " وهذا التكرار، لتأكيد الاهتمام بما يخبره به؛ وليكمل تنبيه معاذ فيما يسمعه (3) قال الإِمام القرطبي رحمه الله:" وإنما كرر النبي صلى الله عليه وسلم نداء معاذ ثلاثا؛ ليستحضر ذهنه وفهمه؛ وليشعره بعظم ما يلقيه عليه "(4) وهذا يحث الداعية ويبين له أهمية استخدام هذا الأسلوب في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى (5).

تاسعا: من سنة إلقاء العلم: الوقار والتثبت: إن الداعية الناجح هو الذي يلتزم التثبت والوقار في تعليمه للناس الخير وإلقاء العلم إليهم، ويؤخذ هذا من إبطائه صلى الله عليه وسلم في الجواب؛ ولهذا قال:«يا معاذ " فقال معاذ رضي الله عنه: قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة فقال: " يا معاذ " فقال رضي الله عنه: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: " يا معاذ بن جبل " فقال معاذ: " لبيك رسول الله وسعديك» قال الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله: " ويؤخذ من إبطائه صلى الله عليه وسلم بين الندائين أن من سنة إلقاء العلوم

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، 1/ 46، برقم 127، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، 1/ 57 برقم 29.

(2)

انظر: الحديث رقم 19، الدرس الثالث.

(3)

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 1/ 345، وشرح الكرماني على صحيح البخاري: 23/ 21 وفتح الباري لابن حجر، 11/ 399.

(4)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 203، وانظر: بهجة النفوس لعبد الله بن أبي جمرة 4/ 143.

(5)

انظر: الحديث رقم 4، الدرس الخامس، ورقم 46، الدرس الخامس عشر.

ص: 347

الوقار، والتؤدة " (1) ومن كمال الحكمة والوقار والتؤدة أنه صلى الله عليه وسلم ناداه بقوله:" يا معاذ " مرتين ثم زاد في الثالثة " يا معاذ بن جبل " قال ابن أبي جمرة رحمه الله عن هذه الزيادة " إنما هي إشارة إلى أن هذه الثالثة آخر النداء فاسمع ما يلقى إليك؛ لأن زيادة (بن جبل) هو الكمال في التعريف، فإذا كمل الشيء فقد تم "(2).

عاشرا: من أدب المدعو: الاقتراب من مجالس العلم: دل هذا الحديث على التأكيد والتنبيه على الاقتراب من حلقات العلم ومجالسه، وأن ذلك مما يعين السامع على الضبط؛ ولهذا قال معاذ بن جبل رضي الله عنه:" ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل " قال الإِمام النووي رحمه الله: " أراد المبالغة في شدة قربه؛ ليكون أوقع في نفس سامعه؛ لكونه أضبط "(3).

ومما يؤكد أهمية الاقتراب من مجالس العلم ما رواه البخاري رحمه الله عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، فأما أحدهما فرأى فرجة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الآخر فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم عن الثلاثة: أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» (4).

وهذا يبين أهمية الاقتراب من مجالس العلم وسد الفرج فيها.

الحادي عشر: من أدب الداعية: رد علم ما لا يعلمه إلى الله عز وجل: لا شك أنه ينبغي بل يلزم كل مسلم - وخاصة الداعية إلى الله سبحانه وتعالى إذا سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول: الله أعلم، أو لا أدري، أو سأراجع المسألة إن شاء الله، وقد دل هذا الحديث على هذا الأدب الكريم في قول معاذ بن جبل

(1) بهجة النفوس، 4/ 143.

(2)

المرجع السابق 4/ 143.

(3)

شرح صحيح مسلم 1/ 344.

(4)

متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة فجلس فيها، 1/ 28، برقم 66، وكتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، 1/ 138، برقم 472، ومسلم، في كتاب السلام، باب من أتى مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها، وإلا وراءهم، 4/ 1713، برقم 2176.

ص: 348

رضي الله عنه: " الله ورسوله أعلم ".

ومما يبين أهمية هذا الأدب ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " يا أيها الناس من عَلِمَ شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم "(1) قال الله عز وجل: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86](2).

وسئل سعيد بن جبير عن شيء فقال: " لا أعلم " ثم قال: " ويل للذي يقول لما لا يعلم: إني أعلم "(3) وقال مالك: " ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا أدري؛ فإنه عسى أن يهيأ له خير "(4) وقال ابن وهب: " لو كتبنا عن مالك: لا أدري، لملأنا الألواح "(5).

وعن عقبة بن مسلم أنه قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا، فكثيرا ما كان يسأل فيقول:" لا أدري " ثم يلتفت إلي فيقول: " تدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسرا إلى جهنم "(6).

وقال أبو داود: " قول الرجل فيما لا يعلم: لا أعلم نصف العلم "(7).

وهذا كله يؤكد للداعية أهمية قوله: الله أعلم، أو لا أدري لما لا يعلمه وأن ذلك من الآداب الجميلة التي تدل على خشية الله عز وجل (8).

الثاني عشر: من أهم موضوعات الدعوة: الحض كل الطاعات، واجتناب المعاصي: دل الحديث على أن القيام بالواجبات والابتعاد عن المحرمات من أعظم

(1) البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة ص، باب وَمَا أَنَا مِنَ الْمتَكَلِّفِينَ 6/ 37 برقم 4809 وتفسير سورة الدخان، باب رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مؤْمِنونَ، 6/ 46 برقم 4822 وتقدم تخريجه بلفظه الآخر في تفسير سورة الروم، 6/ 22 برقم 4774 انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن عشر.

(2)

سورة ص، الآية:86.

(3)

أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 836، برقم 1568.

(4)

المرجع السابق 2/ 839، برقم 1574.

(5)

أخرجه ابن عبد البر، في كتاب جامع بيان العلم وفضله، 2/ 839، برقم 1576.

(6)

المرجع السابق، 2/ 841، برقم 1585.

(7)

المرجع السابق، 2/ 841، برقم 1586.

(8)

انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن عشر.

ص: 349

الفرائض التي فرضها الله على عباده؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا» قال الكرماني رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «أن يعبدوه» أشار إلى العمليات، وقوله:«ولا يشركوا به شيئا» أشار إلى الاعتقاديات (1).

فقوله: " أشار إلى العمليات " والمراد عمل الطاعات واجتناب المحرمات؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، على قوله صلى الله عليه وسلم:«أن يعبدوه» : " المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي، وعطف عليها عدم الشرك؛ لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة: أن بعض الكفرة كانوا يدَّعون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى، فاشترط نفي ذلك "(2).

وأفضل ما عرِّفت به العبادة: قول شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله: " العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال والأعمال: الباطنة والظاهرة "(3) والعبادة أصل معناها الذل، يقال: طريق معبّد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل بغاية المحبة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ودينه (4).

وقد عرف العلامة ابن القيم رحمه الله: العبادة بتعريف جامع قال فيه:

وعبادة الرحمن غاية حبِّه

مع ذلِّ عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر

ما دار حتى قامت القطبان

ومداره بالأمر أمر رسوله

لا بالهوى والنفس والشيطان (5)

/ 50 فينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، ويحثهم على الإِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله عز وجل، والعمل بمقتضى الشهادتين: من إقام الصلاة، وإيتاء

(1) شرح صحيح البخاري، للكرماني 22/ 102.

(2)

فتح الباري، بشرح صحيح البخاري 11/ 339، وانظر: بهجة النفوس لابن أبي جمرة 3/ 121.

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية 10/ 149.

(4)

انظر: المرجع السابق 10/ 153.

(5)

الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ص 32.

ص: 350

الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وأن يعبد العبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهد، وإنجاز الوعد، والإِحسان إلى الجار، واليتيم، والمسكين، والمملوك من الآدميين والبهائم، وإكرام الضيف، وتنفيس الكرب عن المكروب من المسلمين، والتيسير على المعسر، وستر المسلم، وإعانته، والإِخلاص لله، والتوكل عليه، والمحبة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وخشية الله، ورجاء رحمته، والتوبة والإِنابة إليه، والصبر على حكمه، والشكر لنعمه، وقراءة القرآن، وذكر الله، والدعاء، ومسألته والرغبة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله للكفار والمنافقين، وأن يصل المسلم من قطعه، ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، والعدل في جميع الأمور، وعلى جميع الخلق حتى الكفار، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وحسن الخلق، والدعوة إلى الله، والنصيحة لله، ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وغير ذلك من أنواع العبادات (1).

ومن العبادات: أن يبتعد الإِنسان عن جميع المعاصي والسيئات، فينبغي للداعية أن يحذر الناس عن الشرك، والتكذيب بالرسل، والكفر، والحسد، والكذب، والفجور، والخيانة، والظلم، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد، والبخل، والشح، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والفخر والبطر عند النعم، وترك فرائض الله، واعتداء حدوده، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، ورجاء المخلوق دون الخالق، والتوكل على المخلوق دون الخالق، والعمل رياء وسمعة، ومخالفة الكتاب والسنة، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب بالباطل، والاستهزاء بآيات الله، وجحد الحق، والكتمان لما يجب إظهاره من علم وشهادة،

(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 10/ 149 - 237، ويقال لهذا القسم من الفتاوى: رسالة العبودية. وانظر: 10/ 422 - 423.

ص: 351

والسحر، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وإعطاء الرشوة وأخذها، وأكل أموال الناس بالباطل، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، وشرب الخمر، والكبر والخيلاء، والسرقة، واليمين الغموس، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والمنّ بالعطية، وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب، وتصديق الكاهن والمنجم، والتصوير لذوات الأرواح، واتخاذ القبور مساجد، والنياحة على الميت، وإسبال الإِزار، ولبس الحرير أو الذهب للرجال، وأذى الجار، وإخلاف الوعد، ونقض العهد، وغير ذلك من المحرمات (1) ولا يمكن تفصيل ذلك واستغراقه، لكن يجمع جميع أنواع العبادة قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7](2).

فيلزم الداعية أن يحث المدعوين على جميع الطاعات تفصيلا وتوضيحا وبيانا، ويحذرهم عن جميع المعاصي تفصيلا وتبيينا دقيقا، مع الالتزام بالأدلة من الكتاب والسنة، ومع التنويع، وإعطاء كل قوم ما يناسبهم من الأمر والنهي. وهذا هو حق الله على عباده. قال الإِمام القرطبي رحمه الله:" وحق الله على عباده: ما أوجبه عليهم بحكمه وألزمهم إياه بخطابه "(3).

الثالث عشر: أهم موضوعات الدعوة: الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك: دل الحديث على أن أهم موضوعات الدعوة: الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك بالله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث: «حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» وقد بين الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله: أن حق الله على عباده هو الجمع بين امتثال الحكمة في الأمر والنهي، وحقيقة التوحيد (4) وبين الحافظ ابن حجر أن المراد بالعبادة في الحديث عمل الطاعات

(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 10/ 422 - 423، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص 80 - 262.

(2)

سورة الحشر، الآية:7.

(3)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 203.

(4)

انظر: بهجة النفوس 3/ 121.

ص: 352

واجتناب المعاصي وعطف عليها عدم الشرك؛ لأنه تمام التوحيد (1).

فيلزم الداعية إلى الله عز وجل أن يبين للناس توحيد الله سبحانه وتعالى كما جاء في الكتاب والسنة، ويوضح لهم أن التوحيد نوعان:

النوع الأول: التوحيد الخبري العلمي الاعتقادي، وهو توحيد في المعرفة والإِثبات، وهذا هو توحيد الربوبية، والأسماء والصفات، وهو إثبات حقيقة ذات الرب سبحانه وتعالى وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتكلمه بكتبه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره، وحكمته، وتنزيهه عما لا يليق به عز وجل من غير: تمثيلٍ، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تحريف، ولا تفويض للمعاني.

النوع الثاني: التوحيد الطلبي القصدي الإِرادي: وهو توحيد في الطلب والقصد: وهو توحيد الإِلهية والعبادة (2).

والقرآن كله من أوله إلى آخره في إثبات وتقرير هذين النوعين؛ لأنه إما خبر عن الله تعالى، وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأقواله، وما يجب أن يوصف به، وما يجب أن ينزه عنه. فهو التوحيد العلمي الخبري.

وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلْع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإِرادي الطلبي.

وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في أمره ونهيه، فهي حقوق التوحيد ومكملاته.

وإما خبر عن إكرام الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.

وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم

(1) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 339.

(2)

انظر: مدارج السالكين، لابن القيم 3/ 449، وفتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب 1/ 79، ومعارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، لحافظ بن أحمد الحكمي 1/ 98.

ص: 353

في الآخرة من العذاب. فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.

فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم (1).

وهذا كله يؤكد على الداعية إلى الله عز وجل أن يبين للناس التوحيد وأنواعه، ويحذرهم عن كل ما يضاده من الشرك وأنواعه؛ فإن ذلك من أعظم الواجبات على كل داعية إلى الله سبحانه وتعالى.

الرابع عشر: من صفات الداعية: حب الخير للناس وتبشيرهم به؛ وإدخال السرور عليهم: دل الحديث على أهمية حب المسلم - وخاصة الداعية - الخير للناس وفرحه بذلك؛ لأن معاذ بن جبل رضي الله عنه فرح فرحا شديدا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» فقال معاذ: " يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ "؛ ولهذا بين الإِمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن في هذا الحديث من الفوائد: استحباب بشارة المسلم بما يسره (2).

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن حب الخير للمسلم من كمال الإيمان فقال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (3).

فينبغي للداعية أن يحب الخير للناس ويدخل السرور عليهم بتبشيرهم بما يسرهم؛ فإن ذلك يؤثر في نفوسهم ويكون وسيلة إلى قبول دعوته (4).

الخامس عشر: من موضوعات الدعوة: التحذير من الاتكال: دل هذا الحديث على أن التحذير من الاتكال من موضوعات الدعوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «لا تبشرهم فيتكلوا» وهذا فيه إنذار من

(1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم 3/ 450.

(2)

كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب مع شرحه فتح المجيد 1/ 110، ونسخة دار المنار ص 46 بعناية صادق بن سليم.

(3)

متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: البخاري، كتاب الإيمان، باب عن الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه 1/ 11 برقم 13، ومسلم، كتاب الإِيمان، باب الدليل على أنَ من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، 1/ 67، برقم 45.

(4)

انظر: الحديث رقم 9، الدرس التاسع.

ص: 354

الاتكال وترك العبادة (1) وقد ذكر الإِمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله على قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبشرهم فيتكلوا» أنه صلى الله عليه وسلم إنما نهاه عن الإِخبار بهذا الفضل العظيم؛ لأن التوكل على نوعين: شرعي، ولغوي، ويعبَّر عنه بالطمع.

فالتوكل الشرعي: هو التوكل على الله والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه مع بذل الجهد في امتثال الأوامر واجتناب النواهي والعمل بالأسباب (2).

أما التوكل اللغوي: فهو الاتكال بدون عمل (3)؛ ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل عن تبشير الصحابة رضي الله عنهم؛ لئلا يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس في الأعمال الصالحة (4).

فينبغي للداعية أن يحذر الناس من الاتكال والكسل، ويحثهم على العمل والنشاط؛ ولهذا قال سبحانه:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105](5).

السادس عشر: من أساليب الدعوة: الترغيب والترهيب: دل على هذين الأسلوبين قوله صلى الله عليه وسلم: «وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» .

قال الإِمام القرطبي رحمه الله تعالى: " حق الله على عباده ما أوجبه عليهم بحكمه وألزمهم إياه بخطابه، وحق العباد على الله: هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء، فحقَّ ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق، الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر، ولا الخلف في الوعد، فالله تعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر، إذ لا آمر فوقه، ولا بحكم العقل إذ العقل كاشف لا موجب "(6).

(1) انظر: شرح رياض الصالحين، للعلامة محمد بن صالح العثيمين 5/ 378.

(2)

انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.

(3)

انظر: بهجة النفوس 3/ 123.

(4)

انظر: بهجة النفوس، لابن أبي جمرة، 3/ 122، وفتح الباري لابن حجر، 1/ 227، وفتح المجيد، لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، 1/ 110.

(5)

سورة التوبة، الآية:105.

(6)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 203، وانظر: شرح الطيبي لمشكاة المصابيح 2/ 473.

ص: 355

فظهر بذلك معنى " حق العباد على الله " أنه متحقق لا محالة (1) فهو حق جعله سبحانه على نفسه تفضلا وكرما؛ لأنه عز وجل قد وعدهم ذلك جزاء لهم على توحيده {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم: 6](2) فهو سبحانه وتعالى الذي أوجب على نفسه حقا لعباده المؤمنين كما حرم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه، ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته، وحكمته، وعدله، كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم (3) قال عز وجل:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47](4) وقال سبحانه وتعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54](5) وهذا استحقاق تفضل وإحسان وإنعام وامتنان من الله عز وجل على عباده (6).

وقد ظهر أسلوب الترغيب في هذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: " أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا "؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» (7) وهذا فيه ترغيب لمن مات لا يشرك بالله شيئا؛ فإن الله عز وجل يدخله الجنة.

أما أسلوب الترهيب فقد ظهر من مفهوم الحديث؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» فمنطوق الحديث أنه سبحانه وتعالى لا يعذب من لا يشرك به شيئا، ومفهومه أنه يعذب من مات وهو يشرك بالله شيئا. وقد فسَّرت الأحاديث الأخرى هذا الحديث، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النار» قال عبد الله رضي الله عنه: " وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة "(8) وقد جاء ذلك صريحا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن

(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 345.

(2)

سورة الروم، الآية:6.

(3)

انظر: مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية، 1/ 213.

(4)

سورة الروم، الآية:47.

(5)

سورة الأنعام، الآية:54.

(6)

انظر: بهجة النفوس، لابن أبي جمرة، 3/ 120، ومجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 1/ 213.

(7)

أخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، 1/ 55.

(8)

متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، 2/ 87، برقم 1238، ومسلم، كتاب الإيمان باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، 1/ 94، برقم 92.

ص: 356

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» (1) قال الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72](2). فينبغي للداعية أن يرغب الناس في التوحيد وثوابه، ويخوفهم من الشرك وعقابه. والله المستعان.

السابع عشر: من صفات النبي صلى الله عليه وسلم: الفصاحة والبلاغة: دل هذا الحديث على فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم وبلاغته؛ لأنه جمع المعاني الكثيرة في الكلمات القليلة، فقوله صلى الله عليه وسلم:«حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» «وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» كلمات قصيرات، شملت المعاني الكثيرة، مع كمال الوضوح والبيان (3).

فينبغي للداعي أن يجتهد في الإيجاز في الألفاظ التي تتسع معانيها على حسب القدرة والاستطاعة (4).

(1) مسلم، في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، 1/ 94؛ برقم 93.

(2)

سورة المائدة، الآية:72.

(3)

انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، 1/ 53، وشرح النووي على صحيح مسلم: 5/ 7، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 128، 13/ 247.

(4)

انظر: الحديث رقم 106، الدرس الثاني.

ص: 357