الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله]
93 -
[2946] حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: حدثني سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله» . رواه عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الدعوة إلى كلمة التوحيد.
2 -
من صفات الداعية: العمل بالظاهر والله يتولى السرائر.
3 -
النطق بالشهادتين والعمل بهما: أمان للمدعو المخلص ظاهرا وباطنا.
4 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
5 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
6 -
من موضوعات الدعوة: الحث على الجهاد في سبيل الله عز وجل.
والحديث عن هذه الفوائد والدروس الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الدعوة إلى كلمة التوحيد: دل هذا الحديث على أن من موضوعات الدعوة: الدعوة إلى الشهادتين " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وهذا الحديث لم يذكر فيه إلا قوله صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» ولم يذكر: «وأن محمدا رسول الله» ، وقد أجاب العلامة الإمام القرطبي على ذلك فقال رحمه الله: " ظاهره أن من نطق بكلمة التوحيد فقد حكم له بحكم الإسلام، وهذا ظاهر متروك قطعا، إذ لا بد مع ذلك من النطق بالشهادة بالرسالة، أو بما يدل عليها، لكنه سكت عن كلمة الرسالة؛ لدلالة كلمة التوحيد عليها؛ لأنهما متلازمتان،
(1) تقدمت ترجمته، في الحديث رقم 7.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. . 1/ 52، برقم 21.
فهي مرادة قطعا، ثم النطق بالشهادتين يدل على الدخول في الدين والتصديق بكل ما تضمنه، وعلى هذا فالنطق بالكلمة الأولى يفيد إرادة الثانية ". (1).
ومع ما قال القرطبي رحمه الله، فإن الأحاديث يفسر بعضها بعضا، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» (2). فهذا الحديث قد بين ما أجمل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فاتضح أن كلمة لا إله إلا الله عند إطلاقها تتضمن وتستلزم الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
ولا شك أن هذه الشهادة لا تنفع قائلها إلا بشروط بينها أهل العلم: وهي: العلم المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك، والقبول المنافي للرد، والانقياد المنافي للترك، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المنافي للكذب، والمحبة المنافية للبغض (3). وأضيف إلى ذلك: الكفر بما يعبد من دون الله عز وجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، فقد حرم ماله ودمه، وحسابه على الله» (4).
فينبغي أن يبين الداعية للناس هذه الشهادة، ومعناها وشروطها، ومقتضاها، ونواقضها؛ لأنها لا تنفع قائلها إلا بالعمل بالشروط، والابتعاد عن النواقض (5).
ثانيا: من صفات الداعية: العمل بالظاهر والله يتولى السرائر: إن من نطق بالشهادتين، وعمل بما دلتا عليه ظاهرا، فإن ذلك يمنع ماله
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 187.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، 1/ 14 برقم 25، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، 1/ 53، برقم 20.
(3)
انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، لمحمد بن حسن، 1/ 190.
(4)
مسلم، في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حنى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، 1/ 53، برقم 22، من حديث أبي مالك [سعد] عن أبيه [طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه].
(5)
انظر: الحديث رقم 90، الدرس الأول، ورقم 92، الدرس السابع.
ويحفظه له، ويمنع نفسه، فيكون معصوم الدم والمال، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» ، وليس للمسلمين إلا الظاهر؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله:" وحسابهم على الله. أي حساب سرائرهم على الله؛ لأنه تعالى هو المطلع عليها، فمن أخلص في إيمانه وأعماله جازاه الله عليها جزاء المخلصين، ومن لم يخلص في ذلك كان من المنافقين يحكم له في الدنيا بأحكام المسلمين وهو عند الله من أسوأ الكافرين "(1).
فينبغي أن يعامل من أظهر العمل بالشهادتين بالظاهر والله يتولى السرائر (2).
ثالثا: النطق بالشهادتين والعمل بهما: أمان للمدعو المخلص ظاهرا وباطنا: دل الحديث على أن من نطق بالشهادتين، وعمل بهما وبما دلتا عليه؛ فإنهما أمان له ظاهرا؛ لأنه معصوم الدم والمال، وباطنا؛ لأنه أخلص لله رب العالمين وصدق فيما قال، فحصل له اليقين في الدنيا والثواب العاجل والآجل على إخلاصه وصدقه مع ربه الكريم سبحانه وتعالى (3).
رابعا: من أساليب الدعوة: الترغيب: دل الحديث على أسلوب الترغيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من نطق بالشهادتين فقد عصم ماله ودمه، وحسابه على ربه عز وجل، ولا شك أن من قالها صدقا من قلبه فقد حصل على الثواب العظيم في الآخرة، مع ما يحصل له في الدنيا من عصمة المال والدم.
فينبغي أن يستخدم أسلوب الترغيب في الدعوة إلى الله عز وجل (4).
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 189، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 361، وبهجة النفوس لعبد الله بن أبي جمرة الأندلسي، 3/ 133.
(2)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس السادس، ورقم 73، الدرس الخامس.
(3)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 88، وبهجة النفوس لابن أبي جمرة، 3/ 133، وفتح الباري لابن حجر، 1/ 77.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر، ورقم 8، الدرس الرابع.
خامسا: من أساليب الدعوة: الترهيب: ظهر أسلوب الترهيب في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين بمفهوم حديثه أن من لم ينطق بالشهادتين ويعمل بمقتضاهما ظاهرا وباطنا؛ فإنه لا يكون معصوم الدم والمال، بل يكون دمه مهدورا وماله غير معصوم، وكذلك لو نطق بهما وعمل بهما ولكن لم يقم بحقهما، فهو معرض لإقامة الحد عليه إن وقع فيما يوجب الحد؛ لأن من قالها فقد دخل في الإسلام ولزمه حقه، وحق ما في الأبدان من حدود، وما في الأموال من حقوق (1). ولهذا - والله أعلم - قال صلى الله عليه وسلم:«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» (2). فينبغي للداعية أن يستخدم هذا الأسلوب عند الحاجة إليه (3).
سادسا: من موضوعات الدعوة: الحث على الجهاد في سبيل الله عز وجل: إن الحث على الجهاد في سبيل الله عز وجل، والاستمرار فيه من أهم الموضوعات التي ينبغي العناية بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» ، وهذا يؤكد أهمية الحث على الجهاد حتى يدخل الناس في الإسلام ويستقيموا على ذلك (4).
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 1/ 189، وبهجة النفوس، لابن أبي جمرة 3/ 133.
(2)
متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص. . [المائدة: 45]، 8/ 48، برقم 6878، ومسلم، في كتاب القيامة، باب ما يباح به دم المسلم، 3/ 1302، برقم 1676.
(3)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.
(4)
انظر: الحديث رقم 2، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الثاني.