الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
78 -
باب التَّحرِيض على الرمي
،
وقَوْلِ الله تعالى {وَأَعِدّوا لَهمْ مَا اسْتَطَعْتمْ مِنْ قوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ترْهِبونَ بِهِ عَدوَّ اللَّهِ وَعَدوَّكمْ} [الأنفال: 60](1).
[حديث ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا]
74 -
[2899] حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْن مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنٍ أَبِي عبَيدٍ قَالَ: سَمِعْت سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ (2) رضي الله عنه قَالَ: «مَرَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علَى نَفرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنتَضِلونَ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: " ارْموا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكمْ كَانَ رَامِيا، ارْموا وَأَنَا مَعَ بَنِي فلَانٍ ". قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَد الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا لَكمْ لَا تَرْمون؟ " قَالوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهمْ؛ قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: " ارْموا فأنا مَعَكمْ كلِّكمْ» (3).
وفي رواية: «خَرَجَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم علَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضلونَ بالسّوقِ. .» (4).
* شرح غريب الحديث: * " ينتضلون " أي يرتمون بالسهام، يقال: انتضل القوم، وتناضلوا: أي رموا للسبق، وناضله إذا رماه، وفلان يناضل عن فلان؛ إذا رمى عنه،
(1) سورة الأنفال، الآية:60.
(2)
سلمة بن الأكوع، هو سلمة بن عمرو، بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله. شهد سلمة بيعة الرضوان بالحديبية، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاث مرات: في أول الناس، ووسطهم وآخرهم، وكان شجاعا، راميا، محسنا، خيَّرا، فاضلا، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، ويقال: شهد غزوة مؤتة. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وسبعون حديثا اتفق البخاري ومسلم على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بتسعة، وكان رضي الله عنه يسبق الفرس عدوا. وقد سكن المدينة ثم تحول إلى الربذة بعد قتل عثمان رضي الله عنه، وتزوج هناك، وولد له، فلم يزل بها حتى قبل وفاته بليالٍ عاد إلى المدينة، فتوفي بها سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة. رضي الله عنه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 229، وسير أعلام النبلاء للذهبي 3/ 326، والإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/ 66.
(3)
[الحديث 2899] طرفاه في: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ)[سورة مريم: 54] 4/ 143، برقم 3373. وكتاب المناقب، باب نسبة اليمن إلى إسماعيل، 4/ 189، برقم 3507.
(4)
من الطرف، رقم 3507.
وحاجج، وتكلَّم بعذره، ودفع عنه (1).
* " فأمسك أحد الفريقين بأيديهم " أي تركوا الرمي وامتنعوا عنه (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الإِعداد للجهاد والحض عليه.
2 -
من صفات الداعية: الشجاعة.
3 -
من صفات الداعية: حسن الخلق.
4 -
حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
5 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
أولا: من موضوعات الدعوة: الإعداد للجهاد والحض عليه: إن من الموضوعات المهمة: الإِعداد للجهاد في سبيل الله عز وجل والحض عليه، وتدريب المجاهدين على الأعمال القتالية في وقت السلم: كالتدريب على الرمي، وغيره من الوسائل الحديثة: كالدبابات، والمدرعات، والطائرات، والسفن الحربية، وغير ذلك من أنواع القوة، التي أمر الله بها؛ ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذا الحديث تدريبا لهم وتعليما فقال:«ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا» .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» (3) والقوة كل ما يحتاج إليه المجاهدون في إهلاك عدوهم، إلا أنه لما كان الرمي أنكاها على العدو وأنفعها، فسرها صلى الله عليه وسلم
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب النون مع الضاد، مادة:" نضل " 5/ 72.
(2)
انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الكاف، فصل الميم، مادة:" أمسك " 10/ 487، وانظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2666.
(3)
مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، 3/ 522، برقم 1917.
وخصصها بالذكر، وأكدها ثلاثا؛ لأن النكاية بالسهام تبلغ العدو من الشجاع وغيره، بخلاف السيف والرمح؛ فإن النكاية لا تحصل بهما إلا من الشجعان الممارسين، وليس كل أحد كذلك، والرمي قد يحصل به إصابة رئيس الكتيبة فينهزم أصحابه، إلى غير ذلك مما يحصل في الرمي من الفوائد (1).
فينبغي أن يعتني المسلمون بالإِعداد للجهاد في سبيل الله عز وجل (2).
ثانيا: من صفات الداعية: الشجاعة: دل هذا الحديث على أن الشجاعة صفة حميدة ينبغي أن يتصف بها الداعية إلى الله عز وجل؛ ولهذا، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن إسماعيل صلى الله عليه وسلم كان راميا، وهذا يدل على شجاعته، ومعرفته بأمور الحرب (3) عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم (4).
ثالثا: من صفات الداعية: حسن الخلق: ظهر في هذا الحديث حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعه مع أصحابه، ومشاركته معهم في الرمي، وتشجيعهم على ذلك؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«ارموا وأنا مع آل فلان» فلما رأى أن الفريق الثاني تأثروا رغبة منهم في اشتراك النبي صلى الله عليه وسلم معهم في الرمي قال صلى الله عليه وسلم: «ارموا وأنا معكم كلكم» والمعنى: معية القصد إلى الخير وإصلاح النية (5). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث: " وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب "(6).
فيحسن لكل مسلم وخاصة الداعية إلى الله عز وجل الاتصاف بالخلق الحسن والله المستعان (7).
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي 3/ 759، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 91، وعمدة القاري للعيني 14/ 181.
(2)
انظر: الحديث رقم 2، الدرس الثاني، ورقم 18، الدرس الثاني.
(3)
انظر: بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، لأحمد بن عبد الرحمن البناء، 20/ 64.
(4)
انظر: الحديث رقم 35، الدرس الخامس، و 61، الدرس الثاني.
(5)
انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 12/ 164، وعمدة القاري للعيني 14/ 32.
(6)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 92.
(7)
انظر: الحديث رقم 14، الدرس الأول، ورقم 62، الدرس الرابع.
رابعا: حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم: في هذا الحديث الدلالة الواضحة على أدب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أمسكوا عن الرمي؛ لكون الرسول صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر، خشية أن يغلبوهم، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقعت عليه الغلبة، فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه صلى الله عليه وسلم، وقد يكون إمساكهم؛ لعلمهم أن من كان معه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قلبه يقوى فينتصر؛ لأن ذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر (1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم "(2).
خامسا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: إن القدوة الحسنة وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مدح إسماعيل صلى الله عليه وسلم؛ لكونه راميا، وهذا فيه إشارة إلى الاقتداء به في المحافظة على الرمي، والاقتداء بالآباء في الخصال المحمودة والعمل بمثلها (3)؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:" وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا، وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله، وتطييب قلوب من هم دونه "(4).
فينبغي للداعية أن يكون قدوة صالحة للمدعوين، ويرشد إلى أعمال الأنبياء والصالحين؛ ليقتدى بهم (5).
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 92، وعمدة القاري للعيني 14/ 181.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 92.
(3)
انظر: المنهل العذب الفرات من أحاديث الأمهات من صحيح البخاري لعبد العال، 3/ 233، وبهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، لسليم بن عيد الهلالي، 2/ 239.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 92.
(5)
انظر: الحديث رقم 3، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الخامس.