الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث إن الله يحب الرفق في الأمر كله]
89 -
[2935] حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب عن ابن أبي مليكة، عن عائشة (1) رضي الله عنها:«أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، فلعنتهم. فقال: " مالك؟ " قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: " فلم تسمعي ما قلت؟ وعليكم» (2).
وفي رواية: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» (5).
* شرح غريب الحديث: * " السام ": الموت وهو الذي كانت اليهود تقصده في سلامهم. أما السأم
(1) تقدمت ترجمتها في الحديث رقم 4.
(2)
الحديث 2935] أطرافه في: كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 7/ 105، برقم 6024. وكتاب الأدب، باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، 7/ 107، برقم 6030. وكتاب الاستئذان، باب كيف يرد على أهل الذمة السلام؟، 7/ 172، برقم 6256. وكتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين، 7/ 212، برقم 6395. وكتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ " يستجاب لنا في اليهود، ولا يستجاب لهم فينا "، 7/ 214، برقم 6401. وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرح نحو قوله. " السام عليك "، 8/ 65، برقم 6927. وأخرجه مسلم في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم؟، 4/ 1706، برقم 2165.
(3)
الطرف رقم: 6024.
(4)
الطرف رقم: 6030.
(5)
من الطرف رقم: 6927.
فمعناه أنكم تسأمون دينكم. (1).
* " الفحش ": المقصود بالفحش في هذا الحديث: التعدي في القول والجواب. وقد يكون الفحش بمعنى: الزيادة والكثرة، كما يقال في دم البراغيث: إن لم يكن فاحشا فلا بأس: أي إن لم يكن كثيرا. و " الفاحش " ذو الفحش في كلامه وفي فعاله. و " المتفحش " الذي يتكلف ذلك ويتعمده (2). و " الفحش والفاحشة والفواحش ": " كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة: من الأقوال والأفعال "(3).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحض على لين الجانب بالقول والفعل.
2 -
من صفات الداعية: الرفق.
3 -
من آداب الداعية: إفشاء السلام ورده على المسلمين، ورده عل أهل الكتاب، بقوله:(وعليكم).
4 -
من أساليب الدعوة: البشارة.
5 -
من صفات الداعية: الحلم.
6 -
من صفات الداعية: التغافل عن سفه المبطلين إذا أمنت المفسدة.
7 -
أهمية تدريب الداعية نفسه ولسانه على الأدب.
8 -
من وسائل الدعوة: التأليف بالعفو مكان الانتقام.
9 -
من أصناف المدعوين: أهل الإيمان الكامل.
10 -
من أصناف المدعوين: اليهود مع خبثهم وسوء أدبهم.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
(1) تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 196، ص 219، وانظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع الهمزة، مادة:" سئم " 3/ 328.
(2)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 426.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الفاء مع الحاء، مادة:" فحش " 3/ 415.
أولا: من موضوعات الدعوة: الحض على لين الجانب بالقول والفعل: ظهر في هذا الحديث الحض والحث على لين الجانب مع المدعوين بالقول والفعل؛ ولهذا عندما قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: السام عليك لم يعاقبهم، ولم يزد على قوله صلى الله عليه وسلم:" وعليكم " بل أنكر على عائشة رضي الله عنها قولها: «عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم " فقال صلى الله عليه وسلم: " مهلا يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش» . فينبغي للداعية أن يحض المدعوين على لين الجانب واللطف؛ قال الله عز وجل لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44](1) وقال سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159](2).
ثانيا: من صفات الداعية " الرفق: إن الرفق من الصفات المهمة التي ينبغي أن يتصف بها الداعية؛ ولهذا رفق النبي صلى الله عليه وسلم باليهود في هذا الحديث، ولم يقابل قولهم القبيح ومقصدهم الفاسد بالعنف ولا بالفحش، وإنما رفق بهم ورد عليهم ما قالوا من حيث لا يشعرون بحكمة ولطف فقال: " وعليكم ". فينبغي للداعية أن يكون رفيقا، لينا سهلا؛ لأن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله (3).
ثالثا: من آداب الداعية: إفشاء السلام ورده علي المسلمين،
ورده علي أهل الكتاب بقوله: " وعليكم ": إن إفشاء السلام ورده على كل مسلم من الآداب العظيمة، أما أهل الكتاب فلا يبْدَؤون بالسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» (4). ولكن إذا سلم أهل الكتاب فيرد عليهم
(1)[سورة طه، الآيتان: 43 - 44].
(2)
[سورة آل عمران، الآية: 159].
(3)
انظر: الحديث رقم 76، الدرس الثالث.
(4)
أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم، 4/ 1707 برقم 2167.
السلام بالصيغة التي رد بها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها وهي قوله: " وعليكم " أو " عليكم " وقد رجح النووي رحمه الله أن إثبات الواو وحذفها جائزان، وأكثر الروايات بإثباتها، وعلى هذا فيكون في معناه وجهان: أحدهما: أنه على ظاهره، فقالوا: عليكم الموت، فقال:" وعليكم " أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء، وكلنا نموت.
والوجه الثاني: أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك، وتقديره:" وعليكم " ما تستحقونه من الذم، وأما من حذف الواو فتقديره: بل عليكم السام، وإثبات الواو أجود كما في أكثر الروايات (1).
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة فقال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» (2). فثبت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله.
فينبغي للمسلم أن يسلم على كل جمع فيهم مسلمون وكفار، أو مسلم وكافر، ويقصد بالسلام ورده المسلمين أو المسلم (3). أما السلام على المسلمين ورده على من سلم منهم، فهذا فيه أحاديث عظيمة تبين أهميته وآدابه، وتأكده، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«حق المسلم على المسلم ست " قيل: وما هن يا رسول الله، قال: " إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه» (4). ومن آداب السلام ما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد،
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 394 - 395.
(2)
متفق عليه: من حديث أنس رضي الله عنه، البخاري، كتاب الاستئذان، باب كيف يرد على أهل الذمة السلام، 7/ 173، برقم 6258، ومسلم، في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، 4/ 1705، برقم 2163.
(3)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 396.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، 2/ 88، برقم 1240، ولفظه؛ " حق المسلم على المسلم خمس " ولم يذكر " إذا استنصحك فانصح له " وأخرجه مسلم بلفظه، في كتاب السلام، باب من حق المسلم على المسلم رد السلام، 4/ 1704 برقم 2162.
والقليل على الكثير» (1). وعنه رضي الله عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» (2). وللسلام آداب كثيرة جميلة، وفضائل عظيمة لا يتسع المقام لذكرها في هذا الموضع. فينبغي للداعية أن يعتني بها ويراجعها (3).
رابعا: من أساليب الدعوة: البشارة: ظهر هذا الأسلوب في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «أو لم تسمعي ما قلت؟ يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا» (4). وهذه بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ولجميع المسلمين أن الدعاء بالحق على الظالم يستجاب، ولا يستجاب دعاء الظالم على المظلوم؛ لأنه دعاء بالباطل والظلم؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" ويستفاد منه أن الداعي إذا كان ظالما على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه "(5).
خامسا: من صفات الداعية: الحلم: إن الحلم من الصفات الكريمة الجميلة التي ينبغي أن يتصف بها الداعية إلى الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا لم يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال اليهود: " السام عليك " وإنما ضبط نفسه، وأعرض عنهم، ورد عليهم ما يناسبهم " وعليكم " وقد أمره الله عز وجل بالإعراض عن الجاهلين فقال سبحانه وتعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199](6)
(1) متفق عليه: البخاري، في كتاب الاستئذان، باب تسليم الراكب على الماشي، 7/ 165، برقم 6232، ومسلم، كتاب السلام، باب يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير، 4/ 1703 برقم 2160.
(2)
البخاري، كتاب الاستئذان، باب تسليم القليل على الكثير، 7/ 165، برقم 6231.
(3)
انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح المقدسي 1/ 350 - 417، وغذاء الألباب لشرح منظومة الآداب، لمحمد السفاريني 1/ 474 - 300.
(4)
أخرجه مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، 4/ 1707 برقم 2166. من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11/ 200.
(6)
سورة الأعراف، الآية:199.
فينبغي للداعية أن يضبط نفسه عند هيجان الغضب، وهذا يحتاج إلى مجاهدة شديدة وصبر عظيم؛ لما في كظم الغيظ من كتمان ومقاومة (1).
سادسا: من صفات الداعية: التغافل عن سفه المبطلين إذا أمنت المفسدة: دل هذا الحديث على أن من الصفات الحميدة أن يتغافل الداعية عن سفه المبطلين والمعارضين لدعوته، وإذا سمع كلاما قبيحا وفحشا من القول فكأنه لم يسمعه إعراضا عن الجاهلين؛ ولهذا أعرض صلى الله عليه وسلم عن اليهود عندما قالوا " السام عليك " ولم يزد على قوله صلى الله عليه وسلم:" وعليكم "؛ قال النووي رحمه الله: " وفي هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة "(2). فالكيس العاقل هو الفطن المتغافل عن الزلات، وسقطات اللسان إذا لم يترتب على ذلك مفاسد، والله المستعان (3). وقد مدح الله عز وجل المؤمنين الذين يدرؤون بالحسنة السيئة فقال سبحانه وتعالى:{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 54 - 55](4). وقال عز وجل في صفات عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63](5).
سابعا: أهمية تدريب الداعية نفسه ولسانه على الأدب: دل هذا الحديث على أهمية تدريب الداعية نفسه ولسانه على الآداب الحميدة، والألفاظ الكريمة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:«عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش» فقد حذر صلى الله عليه وسلم عن التعدي في القول والجواب؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش، أو أنكر عليها الإفراط في السب "(6).
(1) انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثاني.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 398.
(3)
انظر: المرجع السابق 14/ 398.
(4)
سورة القصص، الآيتان: 54 - 55.
(5)
سورة الفرقان، الآية:63.
(6)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 43.
فينبغي للداعية أن يضبط نفسه ولسانه عن كل ما لا يحسن ولا يجمل والله المستعان.
ثامنا: من وسائل الدعوة: التأليف بالعفو مكان الانتقام: التأليف بالعفو مكان الانتقام من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، وقد ظهر ذلك في عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن اليهود الذين قالوا:" السام عليك " ومع ذلك عفا عنهم صلى الله عليه وسلم استئلافا، وإلا فالصواب أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار ينتقض عهده، فيهدر دمه ويقتل إلا أن يسلم، فإن أسلم فالحمد لله؛ الإسلام يهدم ما كان قبله.
أما من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين فإنه يقتل، والصواب أنه لا يستتاب، بل يقتله ولي أمر المسلمين؛ لأن شره عظيم وخطير- ولا شك أن من تاب تاب الله عليه- فإن كان صادقا في توبته قبلت عند الله عز وجل، ولكن لا يكون معصوم الدم في الدنيا، بل يقتل، والله المستعان وعليه التكلان (1). والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل اليهود الذين قالوا:" السام عليك " استئلافا لهم وترغيبا لهم في الإسلام، والله أعلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف، أو لكونهم لم يعلنوا به، أو لهما جميعا وهو أولى والله أعلم "(2). وهذا يبين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصال الإسلام لكافة الناس، ولهذا أراد أن يتألفهم، مع فطنته ورده عليهم قولهم من حيث لا يشعرون (3). فينبغي للداعي أن يتألف بالعفو مكان الانتقام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (4).
تاسعا: من أصناف المدعوين: أهل الإيمان الكامل: دل هذا الحديث على أن من أصناف المدعوين أهل الإيمان الكامل؛ ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها ونصحها بالرفق واللطف عندما شددت بالقول القوي على اليهود ولعنتهم فقال صلى الله عليه وسلم: «مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله» .
(1) انظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 3 - 23، وص 379 - 405، وفتح الباري لابن حجر، 12/ 281.
(2)
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12/ 281.
(3)
انظر: بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، لسليم الهلالي 1/ 683.
(4)
انظر: الحديث رقم 80، الدرس الثالث.
فينبغي للداعية أن يعلم أن من أصناف المدعوين أهل الصلاح والاستقامة، وقد يكون هو منهم في بعض الأحيان (1).
عاشرا: من أصناف المدعوين: اليهود مع خبثهم وسوء أدبهم: دل استئلاف النبي صلى الله عليه وسلم لليهود في هذا الحديث على أنهم من أصناف المدعوين؛ ولهذا لم يعاقبهم على قولهم القبيح: " السام عليك " رغبة منه صلى الله عليه وسلم في إسلامهم كما بين ذلك ابن حجر رحمه الله. (2).
واليهود لهم أعمال خبيثة قبيحة، منها قولهم:" السام عليك "؛ فإنهم قد أوهموا أنهم يقولون: " السلام عليك " ولكنهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وقصدوا الموت قبحهم الله، ومن خبثهم قولهم:" راعنا " وقد ذكر كثير من أهل العلم أنها كلمة تقولها اليهود على وجه الاستهزاء والمسبة. (3).
قال الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46](4)؛ ولهذا نهى الله المؤمنين أن يخاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104](5).
ولا شك أن اليهود قلوبهم قاسية ويحرفون الكلم عن مواضعه، ولكن لإقامة الحجة عليهم ينبغي للداعية أن يسلك معهم في دعوتهم إلى الله عز وجل -خمسة مسالك:
1 -
يبين لهم بالأدلة العقلية والنقلية أن الإسلام قد نسخ جميع الشرائع السابقة.
(1) انظر: الحديث رقم 71، الدرس السابع ورقم 76، الدرس الرابع.
(2)
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 12/ 281، وانظر: الدرس الثامن من هذا الحديث.
(3)
انظر: تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " 8/ 435، 2/ 459 - 467.
(4)
سورة النساء، الآية:46.
(5)
سورة البقرة، الآية:104.
2 -
يذكر لهم الأدلة القطعية على وقوع التحريف والتبديل في التوراة.
3 -
إثبات اعترافات المنصفين من علماء اليهود.
4 -
الأدلة على إثبات رسالة عيسى صلى الله عليه وسلم.
5 -
الأدلة العقلية والنقلية والحسية على إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم (1).
(1) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم 1/ 177 - 287، والداعي إلى الإسلام، لكمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري ص 317 - 353، وتلبيس إبليس لعبد الرحمن بن الجوزي البغدادي ص 73، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 5/ 78 - 83، 7/ 27، وإغاثة اللهفان لابن القيم 2/ 321 - 362، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم ص 522 - 582، وإظهار الحق، لرحمة الله الهندي 1/ 93 - 509.