الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 -
باب الكافرِ يَقتل المسلم ثم يسلم فيسدّد بعد ويقتل
[حديث يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة]
39 -
[2826] حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْن يوسفَ: أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هرَيْرَةَ (1). رضي الله عنه أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:«يَضْحَك الله إِلى رجلَينِ يَقتل أَحَدهمَا الآخرَ يَدخلانِ الجَنَّةَ، يقَاتِل هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ فيقْتَل، ثم يَتوب الله عَلَى القَاتِلِ فَيسْتَشْهَد» (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: إثبات صفات الكمال الله عز وجل.
2 -
من موضوعات الدعوة: الحث على التوبة النصوح.
3 -
من صفات الداعية: عدم اليأس من رحمة الله عز وجل.
4 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: إثبات صفات الكمال لله عز وجل: دل الحديث على أن إثبات صفات الكمال لله سبحانه وتعالى من موضوعات الدعوة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة» . . " وهذا يدل على إثبات الضحك لله تعالى على الوجه اللائق به عز وجل (3).
ولا شك أنه ينبغي للداعية أن يبين للمدعوين صفات الكمال لله عز وجل، فيصف الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويمرّ نصوص الصفات
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 7.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، 3/ 1504، برقم 1890.
(3)
انظر: كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته، للإمام الحافظ محمد بن إسحاق بن منده، 3/ 197 - 199.
كما جاءت بلا كيف مع الإِيمان بمعانيها، وما تدل عليه. قال الوليد بن مسلم رحمة الله:" سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي في ذكر الرؤية، فقالوا: أمرّوها كما جاءت بلا كيف "(1) وليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيها؛ فالمشبه يعبد صنما والمعطل يعبد عدما، والموَحِّد يعبد إلها واحدا صمدا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (2).
وينبغي للداعية أن يبين للمخالفين بالحكمة أن الكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما أنا نثبت لله ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك يقال في صفاته: إنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله، ولا تشبه صفاته صفات المخلوقين.
ويقال: القول في بعض الصفات كالقول في بعض، فمن أثبت بعض الصفات وأول بعضها، فإنه لا فرق بين ما نفاه وبين ما أثبته؛ لأن القول في أحدهما كالقول في الآخر.
ويبين الداعية للمدعوين أن الصفات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله سبحانه وتعالى، فهو لم يزل ولا يزال متصفا بها كالعلم والحياة والقدرة والسمع والبصر والغنى والكرم والعظمة والكبرياء والعزة والعلو وغير ذلك من صفات الكمال.
القسم الثاني: الصفات الفعلية وهي التي تتعلق بالمشيئة والقدرة: كالاستواء والنزول والمجيء والضحك والرضا والغضب والإحياء والإماتة والفرح والحب وغير ذلك من صفات الكمال وهذه الصفات تتعلق بالمشيئة إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها.
والإيمان بجميع الصفات من أعظم الواجبات، وكيفية الصفات لا علم
(1) أخرجه الإمام محمد بن بطة، في الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، " كتاب الرد على الجهمية " 3/ 241، برقم 183، والإمام اللالكائي بلفظه في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، 3/ 558، برقم 875، و3/ 582، برقم 930.
(2)
سورة الشورى، الآية:(11).
للعباد بها؛ ولهذا لما سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن كيفية الاستواء، قال:" الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "(1) وهذا ينطبق على جميع الصفات، وأن الصفات معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة. قال الله عز وجل:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61](2) قال الإمام اللالكائي رحمه الله: " فدلت هذه الآية أنه تعالى في السماء وعلمه محيط بكل مكان: من أرضه، وسمائه، وروى ذلك من الصحابة: عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأم سلمة رضي الله عنهم، ومن التابعين: ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، وبه قال من الفقهاء: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل "(3).
فينبغي للداعية أن يبين للناس هذه العقيدة كما جاءت في الكتاب والسنة؛ لأن الله أعلم بنفسه سبحانه وتعالى. كما ينبغي أن ينفي عن الله عز وجل صفات النقص التي نفاها عن نفسه سبحانه وتعالى، أو نفاها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين أن النفي يقتضي إثبات ما يضاده من صفات الكمال، فكل ما نفى الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص فإنها تدل على إثبات ضدها من صفات الكمال (4).
(1) الاستذكار، لابن عبد البر، 8/ 151، برقم 10835، وذكر معناه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، 8/ 151، برقم 10834.
(2)
سورة الأنعام، الآية:(61).
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، 3/ 430.
(4)
انظر: أصول السنة لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل ص 5، وكتاب السنة لعبد الله ابن إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل، 1/ 164، 1/ 267، وكتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، للإمام محمد بن خزيمة 2/ 563، والعقيدة الطحاوية بتعليق سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص 3 - 14، وشرح السنة للإمام الحسن بن علي البربهاري ص 71، ومقالات الإسلاميين للإمام علي بن إسماعيل الأشعري، 1/ 345 - 350، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام هبة الله بن الحسن اللالكائي، 2/ 242 - 253، و 3/ 430 - 582، والتدمرية تحقيق إثبات الأسماء والصفات، لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 31 - 43، والعقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 6 - 38، وفتاوى ابن تيمية " العقيدة الحموية " 5/ 26 و 112، و 3/ 129 والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم 1/ 158، واجتماع الجيوش الإسلامية، لابن القيم ص 141، والقصيدة النونية، لابن القيم ص 6، وشرح العقيدة الطحاوية، لعلي بن أبي العز، ص 128، وفتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، 2/ 672، وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم، لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 1/ 28.
ثانيا: من موضوعات الدعوة: الحث على التوبة النصوح: دل الحديث على أن الحث على التوبة من أهم موضوعات الدعوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ". . . «ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد» وهذا فيه بيان للناس أن الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأن التوبة تهدم ما كان قبلها، فينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يحث المدعوين على التوبة، ويبين لهم أن الله أمر بها، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] (1) وقال سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] (2) وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: " أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله " (3) وكذلك التوبة تهدم ما كان قبلها إذا كملت شروطها: من الندم، والإِقلاع عن الذنب، والعزيمة على عدم العودة ورد المظالم؛ فإن:" التائب من الذنب كمن لا ذنب له "(4).
ثالثا: من صفات الداعية: عدم اليأس من رحمة عز وجل: لا شك أن الله يقبل توبة التائبين، وأن الكافر إذا تاب من كفره قبل الله توبته، ولو كان قد قتل أحدا من المسلمين؛ لأن الشرك أعظم الذنوب، وقد هدمه الإِسلام، فما دون الشرك أولى بالهدم بالإِسلام والتوبة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:" ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد ".
فينبغي للتائب عدم اليأس فِي رَوْحِ الله وعدم القنوط من رحمة الله، قال الله عز وجل {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] (5) وقال عز وجل {قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفوا عَلَى أَنْفسِهِمْ لا تَقْنَطوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53](6).
(1) سورة التحريم، الآية:(8).
(2)
سورة النور، الآية (31).
(3)
مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الِإسلام يهدم، ما كان قبله وكذا الحج والهجرة، 1/ 112، برقم 121.
(4)
سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، 2/ 1420، برقم 2450، من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه، والطبراني في الكبير 10/ 150 برقم 10281، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم 615، 616، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 418. وانظر: المقاصد الحسنة للسخاوي ص 52.
(5)
سورة يوسف، الآية:(87).
(6)
سورة الزمر، الآية:(53).
رابعا: من وسائل الدعوة: الترغيب: دل هذا الحديث على الترغيب في الإِسلام، والترغيب في الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، والترغيب في التوبة من جميع المعاصي، فقد بين صلى الله عليه وسلم فيه أن القاتل تاب الله عليه وقاتل في سبيل الله فقتل فدخل الجنة. ومعنى هذا الحديث عند العلماء " أن قاتل الأول كان كافرا، وتوبته المذكورة في هذا الحديث: إسلامه "(1) قال الله عز وجل {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38](2).
قال الإِمام ابن عبد البر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: " فيه دليل أن كل من قتِلَ في سبيل الله فهو في الجنة - إن شاء الله - وكل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى فهو في الجنة (3).
فينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يرغب الناس في الإِسلام ويرغبهم في التوبة إلى الله عز وجل انظر (4).
(1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر، 14/ 217، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 41، وعمدة القاري للعيني، 14/ 123.
(2)
سورةالآنفال، الآية:(38).
(3)
" الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، 14/ 217.
(4)
الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر، ورقم 18، الدرس الخامس.