الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 -
باب من طلب الولد للجهاد
[حديث نبي الله سليمان لأطوفن الليلة على مائة امرأة]
34 -
[2819] وَقالَ اللَّيث: حَدَّثَني جَعْفَر بْن رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ هرْمزَ قَالَ: سَمعْت أَبَا هرَيْرَةَ (1) رضي الله عنه، عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ سلَيْمَان بْن دَاودَ عليهما السلام: لأَطوفَنَّ اللَّيْلةَ عَلَى مِائة امْرَأَةٍ - أَوْ تِسْعٍ وتسعِينَ - كلهنَّ يَأْتي بِفَارِسٍ يجَاهِد فِي سَبيلِ اللهِ. فَقَالَ لَه صَاحِبه: قلْ: إِنْ شَاءَ الله، فَلَمْ يَقلْ إِنْ شَاءَ الله، فَلَمْ تَحْمِلْ منْهن إِلا امْرَأَة وَاحِدَة جَاءَتْ بشِقِّ رَجلٍ. وَالَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ الله، لَجَاهَدوا فِي سبِيلِ اللهِ فرسَانا أَجْمَعونَ» (2).
وفي رواية: «فَقَالَ لَه صَاحِبه: قَالَ سفْيَان: يَعني الْمَلَكَ، قلْ إِنْ شَاءَ الله فَنَسِيَ» . وفيها: «لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ الله لم يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكا فِي حَاجَتِهِ» (4).
* شرح غريب الحديث: * " شق رجل " الشق النصف (5).
* " لم يحنث " الحنث في اليمين: نقضها والنكث فيها، يقال: حنث في يمينه يحنث، وكأنه من الحِنث: الإِثم والمعصية (6).
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 7.
(2)
[الحديث 2819] أطرافه في: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى وَوَهَبْنَا لِدَاودَ سلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْد إِنَّه أَوَّاب، 4/ 164، برقم 3424. وكتاب النكاح، باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي، 6/ 196، برقم 5242. وكتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، 7/ 279، برقم 6639. وكتاب كفارات الأيمان، باب الاستثناء في الأيمان، 7/ 302، برقم 6720. وكتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة، 8/ 241 و 242، برقم 7469. وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان، باب الاستثناء، 3/ 1275، برقم 1654.
(3)
من الطرف رقم: 5242.
(4)
من الطرف رقم: 6720.
(5)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الشين مع القاف، مادة:" شقق " 2/ 491.
(6)
المرجع السابق، باب الحاء مع النون، مادة:" حنث " 1/ 449.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
حرص الأنبياء على الجهاد في سبيل الله عز وجل.
2 -
أهمية قول المسلم: إن شاء الله لما يريد عمله في المستقبل.
3 -
عمل الأسباب لا ينافي التوكل.
4 -
من أساليب الدعوة: القصص.
5 -
حرص السلف على الدقة في نقل الحديث.
6 -
من صفات الداعية: النية الصالحة.
7 -
من أساليب الدعوة: التوكيد بالقسم.
8 -
أهمية تذكير الناسي ولو كان عظيما.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: حرص الأنبياء على الجهاد في سبيل الله عز وجل: إن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هم أحرص الناس على الجهاد في سبيل الله عز وجل لإِعلاء كلمة الله؛ ولهذا قال سليمان صلى الله عليه وسلم: «لأطوفن الليلة على- مائة امرأة- أو تسع وتسعين- كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله» ، وهذا يؤكد الحرص العظيم على الجهاد؛ لأنه قصد بإتيانه لأهله الرغبة في الحصول على المجاهدين، ولكن الله عز وجل لم يرد له هذا فلم يقل:" إن شاء الله ". فينبغي للداعية أن يكون حريصا على الجهاد، ويستصحب النية للإعداد للجهاد في سبيل الله عز وجل.
ثانيا: أهمية قول المسلم: إن شاء الله لما يريد عمله في المستقبل: دل هذا الحديث على أهمية قول المسلم: إن شاء الله؛ لما يخبر بعمله في المستقبل؛ ولهذا لما نسي سليمان صلى الله عليه وسلم أن يقولها يحصل له ما أراد؛ ولأجل ذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله» وفي الرواية الأخرى: «لو قال إن شاء الله لم يحنث، وكان دركا لحاجته» .
وقد أمر الله بذلك فقال عز وجل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23]
{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24](1) وهذا يوضح للداعية أهمية هذا الأدب وأنه ينبغي له العمل به (2).
ثالثا: عمل الأسباب لا ينافي التوكل: لا شك أن عمل الأسباب لا بد منه، ولكن لا بد مع الأسباب من اعتماد القلب على الله عز وجل قال ابن حجر رحمه الله:" وفي الحديث فضل فعل الخير وتعاطي أسبابه "(3). وهذا سليمان صلى الله عليه وسلم يفعل ما أقسم عليه من طوافه على أهله، وهذا من أعظم الأسباب للحصول على الذرية، فينبغي للداعية إلى الله تعالى أن يأخذ بالأسباب ويعتمد قلبه على الله عز وجل وحده (4).
رابعا: من أساليب الدعوة: القصص: القصص من القرآن الكريم، والحديث الصحيح من أهم أساليب الدعوة؛ لما له من التأثير في النفوس، وقد دل هذا الحديث على هذا الأسلوب، فقص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصة سليمان وما فيها من قدرة الله تعالى، فيحسن ويجمل للداعية أن يعتني بهذا الأسلوب عناية فائقة؛ لما له من الأهمية (5).
خامسا: حرص السلف على الدقة في نقل الحديث: دل الحديث على عناية السلف الصالح عناية فائقة بنقل الحديث وتبليغه؛ وقد ثبت في هذا الحديث قول سليمان صلى الله عليه وسلم: «لأطوفن الليلة على مائة امرأة- أو تسع وتسعين» قال الإمام ابن أبي جمرة رحمه الله: " شَكّ من راوي الحديث في أيهما قال عليه السلام "(6) وهذا يوضح للدعاة إلى الله عز وجل أهمية ضبط الحديث ونقله بدقة كما فعل السلف رحمهم الله (7).
(1) سورة الكهف، الآيتان:(23 - 24).
(2)
انظر: شرح مشكل الآثار، للإمام أحمد بن محمد الطحاوي 5/ 183، وبهجة النفوس لابن أبي جمرة، 3/ 106 - 108، وشرح الكرماني على صحيح البخاري 23/ 100.
(3)
فتح الباري، 6/ 461.
(4)
انظر: الحديث رقم 30، الدرس: الخامس.
(5)
انظر: الحديث رقم 28، الدرس: الثامن.
(6)
بهجة النفوس، 3/ 105.
(7)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس: العاشر، ورقم 29، الدرس الثامن.
سادسا: من صفات الداعية: النية الصالحة: النية الصالحة من أعظم الصفات الحميدة، وقد دل عليها هذا الحديث، وذلك في قول سليمان صلى الله عليه وسلم:«. . كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله» ؛ ولهذا بيَّن الإِمام ابن أبي جمرة رحمه الله في فوائد هذا الحديث: أن سليمان صلى الله عليه وسلم قال ذلك: " تقوية رجاءٍ منه وإبلاغ في حسن النية؛ لأنه قد تقرر أن نية المؤمن أبلغ من عمله، فهو ينوي ما استطاع أن يعقد النية عليه، فإن قدر عليه فبها ونعمت، وإن عجز فقد حصل له أمر النية "(1) وإذا فعل المسلم ذلك وخاصة الدعاة إلى الله عز وجل صار كثير من الأعمال المباحة والملاذ مستحبا بالنية والقصد الحسن (2) والله المستعان (3).
سابعا: من أساليب الدعوة: التوكيد بالقسم: التوكيد بالقسم من الأساليب المهمة التي تقرب المعاني إلى الأذهان، وتثبتها في القلوب، وتحملها على التصديق، وقد ظهر ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله» وفي قول سليمان صلى الله عليه وسلم: «لأطوفن الليلة على مائة امرأة» . فينبغي للداعية أن يعتني بهذا الأسلوب في دعوته إلى الله عز وجل عند الحاجة إليه (4).
ثامنا: أهمية تذكير الناسي ولو كان عظيما: ظهر في هذا الحديث تذكير الملك لسليمان حينما لم يقل إن شاء الله بقوله " قل إن شاء الله " وهذا يبين أهمية تذكير الناسي ولو كان عظيما، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم:«إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني» (5) ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وأنه معصوم فيما يبلغه عن الله عز وجل.
فينبغي للداعية بل لكل مسلم أن يذكِّر الناسي ولو كان عظيما، لما لذلك من الأهمية البالغة، والفوائد النافعة.
(1) بهجة النفوس لابن أبي جمرة، 3/ 106، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 4/ 636.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 461 - 462.
(3)
انظر: الحديث رقم 22، الدرس السادس، ورقم 30، الدرس الأول.
(4)
انظر: الحديث رقم 10، الدرس: الخامس.
(5)
متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه إلى نحو القبلة حيث كان، 1/ 120، برقم 401. ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود، 1/ 400، برقم 572.