الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث إني أرحمها قتل أخوها معها]
50 -
[2844] حَدَّثَنا موسَى بْن إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا هَمَّام عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبد الله عَنْ أَنسٍ (1) رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكنْ يَدْخل بَيْتا بِالْمَدِينَة غَيْرَ بَيْتِ أمِّ سلَيمٍ (2) إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِه، فَقِيلَ لَه، فَقَالَ: " إِنِّي أَرْحَمهَا قتِلَ أَخوهَا (3) مَعِي» (4).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
2 -
من وسائل الدعوة: زيارة أهل المصائب وتسليتهم.
3 -
من صفات الداعية: التواضع.
(1) تقدمت ترجمته، في حديث رقم 14.
(2)
أم سلَيم أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال اسمها: الرميصاء، وقيل: الغميصاء، وقيل: سهلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، واشتهرت بكنيتها: أم سليم، وهي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية الخزرجية، تزوجت بمالك بن النضر في الجاهلية، فولدت أنساَ في الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، ومات زوجها مالك، ولم تتزوج حتى قوي أنس بن مالك، وخطبها أبو طلحة واشترطت عليه أن يسلم ومهرها إسلامه فأسلم، فما كان لها مهر إلا الإِسلام، وكان يزورها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكرمه رضي الله عنها؛ لأنه كان محرما لها، حيث كانت خالته من الرضاعة وقيل من النسب، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: حنينا وأحدا، واتخذت خنجرا يوم حنين وقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، ولما مات ولدها من أبي طلحة قالت: لا تخبروه، فلما جاء وسأل عنه قالت: هو أسكن ما كان، فظن أنه شفِي، وقام وأكل عشاءه، وأصاب من أهله، فلما أصبحت ذكرته بالله، ورغبته في الصبر والاحتساب ثم أخبرته، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعا لهما، ورزقت من تلك الليلة بغلام حنكه رسول الله ودعا له وهو عبد الله ورزق أولادا قرأ القرآن منهم عشرة، وقيل ختم القرآن منهم سبعة، وعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أرسلت أنسا يخدمه وطلبت منه أن يدعو له فدعا له صلى الله عليه وسلم بدعوات مباركات تقدمت في ترجمته رضي الله عنه، شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة حيث قال:" دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك " رواه مسلم برقم 2456 و 2457، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر حديثا اتفق البخاري ومسلم على حديث، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين رضي الله عنها. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 304 - 311، والإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 4/ 461 - 462.
(3)
هو حرام بن ملحان أخو أم سليم، خال أنس بن مالك، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكبا في غزوة بئر معونة، وقتل شهيدا، طعن من خلفه فخرج الرمح من صدره فقال:" الله أكبر فزت ورب الكعبة " أخرجه البخاري برقم 4091. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 307، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/ 319.
(4)
وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أم سليم، 4/ 1908، برقم 2455.
4 -
من صفات الداعية: الرحمة.
5 -
من صفات الداعية: الإِحسان.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: القدوة الحسنة وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، وقد ظهر ذلك في قول أنس رضي الله عنه:«إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أمِّ سليم إلا على أزواجه» وقد وضَّح معنى ذلك لفظ الحديث عند مسلم «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم» قال الإِمام القرطبي رحمه الله: " إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على النساء عملا بما شرع من المنع من الخلوة بهنّ؛ وليقْتَدى به في ذلك "(1) وقال الإِمام النووي رحمه الله: " قال العلماء: أراد امتناع الأمة من الدخول على الأجنبيات "(2).
وهذا يبين للداعية أهمية القدوة الحسنة وتأثيرها في حياة المدعوين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وهو قدوة الدعاة، وقد ذكر القرطبي رحمه الله وغيره من أهل العلم: أن أم سليم كانت محرما للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع (3) وقيل: كانت خالته من الرضاع أو من النسب (4).
فينبغي للداعية أن يبتعد عن الدخول على النساء الأجنبيات؛ لامتثال أمر الشارع؛ وليقتدي به الناس.
ثانيا: من وسائل الدعوة: زيارة أهل المصائب وتسليتهم: ظهر في هذا الحديث أهمية زيارة أهل المصائب وتسليتهم ومشاركتهم في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شارك أم سليم في مصيبتها بقتل أخيها في غزوة بئر
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/ 362.
(2)
شرح صحيح مسلم، 16/ 24.
(3)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/ 362.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 243، وشرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 133.
معونة؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجبر قلب أم سليم بزيارتها، ويعلل ذلك بأن أخاها قتل معه "(1) فينبغي للداعية أن يعتني بذلك؛ لما فيه من جذب قلوب المدعوين وإدخال السرور عليهم وجبر قلوبهم.
ثالثا: من صفات الداعية: التواضع: إن التواضع من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتصف بها الداعية إلى الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وله من الفضل والشرف ما ليس لغيره من البشر، ومع ذلك يزور أم سليم، ويدخل السرور على قلبها. قال الإِمام النووي رحمه الله:" فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرحمة والتواضع وملاطفة الضعفاء "(2).
فينبغي للداعية أن يتصف بخلق التواضع لله ثم لعباده (3).
رابعا: من صفات الداعية: الرحمة: لا ريب أن الرحمة من الصفات العظيمة التي ينبغي لكل مسلم أن يتصف بها وأولى الناس بهذه الصفة الداعية إلى الله عز وجل، وقد ظهرت هذه الرحمة في قوله صلى الله عليه وسلم لأم سليم:«إني أرحمها قتل أخوها معي» وهذا مصداقا لقوله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159](4) وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107](5).
فينبغي العناية بذلك، ورحمة المدعوين والشفقة عليهم، والله المستعان (6).
خامسا: من صفات الداعية: الإحسان: دل مفهوم الحديث على أن الإحسان من الصفات الكريمة؛ وقد حث النبي
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 51.
(2)
شرح صحيح مسلم 16/ 244.
(3)
انظر: الحديث رقم 46، الدرس الثاني عشر، وسيأتي التفصيل إن شاء الله في الحديث رقم 62، الدرس الثالث.
(4)
سورة آل عمران، الآية:159.
(5)
سورة الأنبياء، الآية:107.
(6)
انظر: الحديث رقم 5، الدرس الأول، ورقم 9، الدرس الثالث، ورقم 13، الدرس الأول.
صلى الله عليه وسلم على الإِحسان إلى المجاهدين بالعناية بأهلهم ورعايتهم فقال: ". . . «ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا» (1) فمن غاية الإِكرام للغازي والإِحسان إليه: العناية بأهله ورعاية مصالحهم، والقيام على ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، وهذا في حياة الغازي أو الداعية فمن باب أولى إكرام أهله والإِحسان إليهم بعد موته، وهذا يؤخذ من زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأم سليم والإِحسان إليها بعد قتل أخيها، قال صلى الله عليه وسلم:«إني أرحمها قتل أخوها معي» (2).
فينبغي العناية بأهل العالم، والداعية، والمجاهد بعد موتهم إكراما لهم، وإحسانا إليهم، ووفاء بحقهم. والله أعلم.
(1) تقدم تخريجه في الحديث رقم 49.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 51، وعمدة القاري للعيني، 14/ 138.