الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
108 -
باب السمع والطاعة للإمام
[حديث السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة]
95 -
[2955] حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني نافع، عن ابن عمر (1) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا محمد بن الصباح، عن إسماعيل بن زكريا، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«السمع والطاعة حق، ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (2).
وفي رواية: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (3).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: حض الناس على طاعة ولاة الأمر بالمعروف.
2 -
من صفات الداعية: الصبر على جور الولاة والأمراء.
والحديث عن هذين الدرسين والفائدتين الدعويتين على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: حض الناس على طاعة ولاة الأمر بالمعروف: دل هذا الحديث على أن السمع لولاة الأمر بإجابة أقوالهم، والطاعة لأوامرهم حق واجب ما لم يأمروا بمعصية؛ فإن فعلوا ذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ، وقد أمر الله عز وجل بطاعة ولاة
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 1.
(2)
[الحديث 2955] طرفه في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، 8/ 134، برقم 7144. وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، 3/ 1469، برقم 1839.
(3)
الطرف رقم 7144.
الأمر فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59](1) وولاة الأمر هم: العلماء، والولاة، والأمراء (2).
فينبغي للداعية أن يحض الناس على طاعتهم في غير معصية الله عز وجل؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فطاعة الله ورسوله واجبة؛ لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق "(3) وذكر الإمام الطيبي رحمه الله: ". . أن سماع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم، سواء أمره بما يوافق طبعه، أو لم يوافقه، بشرط أن لا يأمره بمعصية، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته، ولكن لا يجوز له محاربة الإمام "(4).
ثانيا: من صفات الداعية: الصبر على جور الولاة والأمراء: دل هذا الحديث على أن من صفات المسلم، وخاصة الداعية إلى الله عز وجل أن يصبر على جور الولاة والأمراء؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بطاعة ولاة الأمر وإن جاروا ماداموا لم يكفروا، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:«دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله» (5) وقال:
(1) سورة النساء، الآية:59.
(2)
انظر: تفسير ابن جرير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "، 8/ 497، وتفسير القرطبي، " الجامع لأحكام القرآن "، 5/ 261، وتفسير ابن كثير 1/ 519، وفتاوى ابن تيمية 11/ 551.
(3)
فتاوى ابن تيمية، 35/ 16 - 17.
(4)
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2559.
(5)
وفي رواية لمسلم " وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " برقم 1709، ويأتي تخريجه في الذي بعده.
«إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» (1) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» (2) وعن حذيفة رضي الله عنه يرفعه: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس "، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: " تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع» (3) وهذا كله يؤكد وجوب طاعة الإمام أو الأمير في غير معصية الله ما لم يخرج عن الإسلام بكفر بواح عند المسلم من الله فيه برهان؛ قال الإمام النووي رحمه الله: " وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على معنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة على أنه لا ينعزل السلطان بالفسق. . . قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن، وإراقة الدماء، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه ". (4).
* * * *
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الفتن، باب " سترون بعدي أمورا تنكرونها " 8/ 112، برقم 7056، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله وتحريمها في المعصية، 3/ 1470، برقم 1709.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، 4/ 214، برقم 3603، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول، 3/ 1472، برقم 1843.
(3)
مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، 3/ 1475، برقم 1847.
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 469 بتصرف يسير جدا، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 13/ 123.