الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا]
2 -
[2739] حَدَّثَنَا إِبْراهيمُ بنُ الحَارِثِ: حَدَّثَنا يَحْيى بنُ أَبي بُكَيرٍ: حَدَّثَنَا زُهَيرُ بنُ مُعاويةَ الجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا أَبو إِسحاقَ، عن عَمْرِو (1) بنِ الحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخِي جُوَيْرِيةَ بنتِ الحَارِثِ قَالَ:«مَا تَرَك رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتهِ دِرْهَما، وَلَا دِينارا، ولا عَبْدا، وَلَا أَمَة، وَلَا شَيْئا، إِلَّا بَغْلتَهُ البَيضاءَ وسِلاحَهُ، وَأَرْضا جَعَلَها صَدَقة» (2).
وفي رواية: ". . . «إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها». . . "(3).
وفي رواية: ". . . «وأرضا بخيبر جعلها صدقة». . . "(4).
وفي رواية: ". . . «وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة» (5).
* شرح غريب الحديث: * " الخَتَنُ " أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته، وكل من كان من قِبَلِ امرأته، والأختان من قبل المرأة، والأحماءُ من قبل الزوج، والصهر يجمعهما (6).
* " أرضا " هي نصف أرض فدك، وثلث أرض وادي القرى، وسهمه من خمس خيبر، وحقه من أرض بني النضير (7) وقال الإمام النووي: " وأما
(1) عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أخو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، روى عمرو عن أخته جويرية، وعن أبيه الحارث، وعن ابن مسعود رضي الله عنه. [انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 26، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 2/ 530، وتهذيب التهذيب له، 8/ 13].
(2)
(الحديث 2739) أطرافه في كتاب الجهاد، باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء، 3/ 290، برقم 2873، وباب من لم ير كسر السلاح عند الموت، 3/ 302، برقم 2912، وكتاب فرض الخمس، باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، 4/ 55 برقم 3098، وكتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته 5/ 167 برقم 4461. وأخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، 3/ 1256 برقم 1635.
(3)
من الطرف رقم 4461.
(4)
من الطرف رقم 2912.
(5)
من الطرف رقم 4461.
(6)
انظر: لسان العرب، لابن منظور، فصل الخاء، باب النون، مادة " ختن " 13/ 138، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، فصل الخاء، باب النون، مادة " ختن " ص 1540، وغريب الحديث والأثر لابن الأثير باب الخاء مع التاء، 2/ 10.
(7)
شرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 149.
الأرض التي كانت له بخيبر وفدك فقد سبَّلها على المسلمين " (1).
* " وسلاحه " السلاح ما أعددته للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به والسيف وحده يسمى سلاحا (2) فعلى هذا فالمقصود بسلاحه سيوفه وأرماحه. (3).
* " وبغلته " والجمع: أبغال وبغال، والبغل هو: ابن الفرس من الحمار، وقيل: اسم بغلة النبي صلى الله عليه وسلم: دُلْدُل. (4).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية منها:
1 -
من صفات الداعية: الزهد.
2 -
من صفات الداعية: الكرم.
3 -
الإِعداد للجهاد في سبيل الله تعالى.
4 -
أهمية الوقف في العمل الدعوي.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: الزهد: يؤخذ من هذا الحديث زهد الداعية إلى الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوة الدعاة- كان أزهد الناس في الدنيا، وفي حطامها الفاني، وكانت عنايته الفائقة بالدعوة إلى الله تعالى وتوجيه البشرية لما يعود عليهم بالخير في الدنيا والآخرة؛ ولهذا لم يترك عند موته: دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا ما جعله صدقة في سبيل الله تعالى (5) وهكذا ينبغي للداعية أن
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 97.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، ابن الأثير، باب السين مع اللام 2/ 388.
(3)
المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية، 1/ 64.
(4)
انظر: معجم مقاييس اللغة، كتاب الباء، باب الباء والغين، ص 143، وعمدة القاري للعيني، 14/ 30، وإرشاد الساري للقسطلاني، 5/ 197.
(5)
انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 60، 149، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 97، وعمدة القاري للعيني، 14/ 31.
يجعل أكبر همه الدعوة إلى الله تعالى، ويزهد في الدنيا ولا يجعلها غاية مقصده ومبلغ علمه، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة (1). قال ابن القيم رحمه الله:" وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها "(2).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: " الزهد على ثلاثة أوجه، الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام، والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص، والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين "(3).
وقد تكفَّل الله لمن لا يجعل الدنيا أكبر همه بالسعادة في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة هَمّهُ جعل الله كفاه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» (4).
ثانيا: من صفات الداعية: الكرم الجود والكرم خلق عظيم ينبغي للداعية إلى الله أن يتصف به، وفي الحديث إشارة إلى اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالكرم؛ قال القسطلاني رحمه الله على قول عمرو بن الحارث في الحديث:«ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته: درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة» . . . ": " فيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأخبار كان إمَّا مات وإمَّا أعتقه " (5) وقال العيني: " وقد ذكرنا في تاريخنا الكبير أنه كان له عبيد ما ينيف على ستين، وكانت له عشرون أمة، فهذا يدل على أن منهم من مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أعتقهم، ولم يبق عبد
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 10/ 511، 615 و 20/ 142، ومدارج السالكين لابن القيم 2/ 10.
(2)
مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 10.
(3)
المرجع السابق، 2/ 12.
(4)
أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه في كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا قتيبة 4/ 642، برقم 2465، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5/ 351، وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 950.
(5)
إرشاد الساري 6/ 492، وانظر: عمدة القاري للعيني، 14/ 30.
بعده ولا أمة وهو في الرِّقيّة " (1) وهذا يدل على كرمه صلى الله عليه وسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال: «ما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: " فجاء رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة» (2).
فالداعية ينبغي له أن يكون كريما؛ لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها (3).
ثالثا: الإعداد للجهاد في سبيل الله تعالى: الجهاد في سبيل الله تعالى وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى ونشر الإسلام؛ لأن الهدف منه: إخراج الناس من عبودية المخلوق إلى عبودية الخالق؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39](4).
وقد دل الحديث على الإِعداد للجهاد والتأهب له، قال القسطلاني رحمه الله في شرحه لهذا الحديث:" إلا سلاحه " أي الذي أعده لحرب الكفار: كالسيوف (5) وقال ابن الأثير: " السلاح ما أعددته للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسيف وحده يسمى سلاحا "(6).
فينبغي للدَّولة المسلمة أن تعد العدة للجهاد بكل ما تستطيعه من قوة؛ لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60](7).
(1) عمدة القاري 14/ 30.
(2)
مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل صلى الله عليه وسلم شيئا فقال: لا، 4/ 1806 برقم 2312.
(3)
وسيأتي إن شاء الله تفصيل أكثر من ذلك. انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثالث.
(4)
سورة الأنفال، الآية:39.
(5)
إرشاد، الساري 5/ 100، 197.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 388.
(7)
سورة الأنفال، الآية:60.
رابعا: أهمية الوقف في العمل الدعوي: دل مفهوم الحديث وما في معناه من الأحاديث الأخرى على أن الوقف له أهمية بالغة؛ ولهذا اعتنى به النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث: «وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«إذا مات الإِنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (1).
فينبغي للداعية أن يبين للناس أهمية الوقف ويحثهم على ذلك، ويكون قدوة لهم في كل ما يدعوهم إليه. والله المستعان.
* * * *
(1) صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإِنسان من الثواب بعد وفاته، 3/ 1255، برقم 1631، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.