الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
70 -
باب الحراسة في الغزو في سبيل لله
[حديث ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني الليلة]
67 -
[2885] حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن خَلِيلٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مسْهِرٍ: أَخْبَرَنَا يحيى بْن سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا عبد الله بْن عَامرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْت عَائِشَةَ (1). رضي الله عنها تَقول: «كانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: " ليت رَجلا مِن أَصْحَابِي صَالِحا يَحْرسنِي اللَّيلةَ "، إِذْ سَمعْنَا صَوتَ سِلاح، فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " فَقَالَ: أنا سَعْد بْن أَبِي وقَاصٍ (2) جِئْت لأَحرسَكَ: " فَنَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم» (3).
* شرح غريب الحديث: * " غطيطه " الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم (5).
* " إذخر " الإذخر حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب (6).
* " وجليل " الجليل: الثمام واحده جليلة، وقيل: هو الثمام إذا عظم وجل (7).
(1) تقدمت ترجمتها في الحديث رقم 4.
(2)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم 36.
(3)
[الحديث 2885] طرفه في كتاب التمني، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" ليت كذا وكذا " 8/ 164، برقم 7231. وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، 4/ 1875، برقم 2410.
(4)
من الطرف رقم 7231 أما قول عائشة رضي الله عنها قال بلال: ألا ليت. . فقال الحافظ ابن حجر: " هذا حديث آخر تقدم موصولا بتمامه. " قلت: أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، 2/ 318، برقم 3926.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الغين مع الطاء، مادة:" غطط " 3/ 372، وانظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي 544.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الهمزة مع الذال، مادة:" إذخر " 1/ 33.
(7)
المرجع السابق، باب الجيم مع اللام، مادة:" جلل " 1/ 289.
* " أرق " الأرق: السهر، يقال: رجل أرق إذا سهر لعلة، فإن كان السهر من عادته قيل: أرق (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.
2 -
الابتلاء والامتحان لأولياء الله عز وجل.
3 -
حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 -
من وظائف المدعو الصالح: حراسة السلطان المسلم والعالم العامل بعلمه.
5 -
أهمية اختيار الرجل الصالح للأمور المهمة.
6 -
من أساليب الدعوة: الثناء على من تبرع بالخير.
7 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل: دل الحديث على أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله عز وجل، ولهذا قال أعظم وسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم:«ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني الليلة» ، قال الإِمام النووي رحمه الله:" فيه جواز الاحتراس من العدو، والأخذ بالحزم، وترك الإِهمال، في موضع الحاجة إلى الاحتياط "(2). وقد قال بعض العلماء: كانت حراسة النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر قبل أن ينزل عليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67](3) ومعلوم أن هذه الآية نزلت بعد حراسة سعد بأزمان (4) وقال الإِمام القرطبي رحمه الله: " ويحتمل أن
(1) انظر: المرجع السابق، باب الهمزة مع الراء، مادة:" أرق " 1/ 40، وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 544.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 191.
(3)
سورة المائدة، الآية:67.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 191.
يقال: إن قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ليس فيه ما ينافي احتراسه من الناس، ولا ما يمنعه، كما أن إخبار الله تعالى عن نصره وإظهاره لدينه، ليس فيه ما يمنع الأمر بالقتال، وإعداد العَدَد والعدَد، والأخذ بالجد والحزم، والحذر. . . ولما بحثت عن ذلك وجدت الشريعة طافحة بالأمر له ولغيره بالتحصن، وأخذ الحذر، ومدافعتهم بالقتل، والقتال، وإعداد الأسلحة، والآلات، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخذ به، فلا تعارض في ذلك، والله الموفق المفهم ما هنالك " (1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ساق كلام القرطبي هذا:" وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والإِضلال، أو إزهاق الروح والله أعلم "(2).
فينبغي لكل مسلم أن يعتمد بقلبه على الله عز وجل ويعمل بالأسباب النافعة (3).
ثانيا: الابتلاء والامتحان لأولياء الله عز وجل: دل هذا الحديث على أن الابتلاء سنة من سنن الله عز وجل، فهو يبتلي عباده بالسراء والضراء، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصاب بالسهر حتى حرسه سعد رضي الله عنه. فينبغي للعبد إذا أصابه البلاء أن يصبر ويسأل الله عز وجل العافية في الدنيا والآخرة (4).
ثالثا: حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ظهر في هذا الحديث عظم حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذه المحبة العظيمة جاء سعد في الليل، ليفدي بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وليسهر عينيه وينام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فينبغي لكل مسلم أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من حبه ولده، ووالده، ونفسه والناس أجمعين (5).
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/ 280 بتصرف يسير جدا.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 62.
(3)
انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.
(4)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 66، الدرس الأول.
(5)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثامن، ورقم 63، الدرس الثامن.
رابعا: من وظائف المدعو الصالح: حراسة السلطان المسلم والعالم العامل بعلمه: لا شك أنه ينبغي للناس أن يعتنوا بحراسة السلطان المسلم والعالم العامل بعلمه النافع للناس؛ ولهذا حرس سعد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو، وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل "(1).
خامسا: أهمية اختيار الرجل الصالح للأمور المهمة: دل الحديث على أنه ينبغي أن يختار الرجل الصالح للأمور المهمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني الليلة» ، قال الإِمام القرطبي رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث:" فيه دليل على مكانة نبينا صلى الله عليه وسلم وكرامته على الله؛ فإنه قضى أمنيته وحقق في الحين طلبته، وفيه دليل على أن سعدا رضي الله عنه من عباد الله الصالحين، المحدَّثين، الملهمين، وتخصيصه بهذه الحالة كلها وبدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له من أعظم الفضائل وأشرف المناقب "(2).
فينبغي لأهل الحل والعقد من ولاة أمر المسلمين أن يسندوا جميع الأعمال المهمة العظيمة لأهل الصلاح والتقوى.
سادسا: من أساليب الدعوة: الثناء على من تبرع بالخير: إن من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل الثناء على من تبرع بالخير، وتسميته صالحا، دل على ذلك ثناء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح على من يحرسه؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا "(3). وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يَشْكر اللهَ من لا يشكر النَّاسَ» (4).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 82.
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/ 280.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 82.
(4)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف 4/ 255، برقم 4811، والترمذي بنحوه، كتاب البر والصلة باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك 4/ 339، برقم 1954، ولفظه:" من لا يشكر الناس لا يشكر الله "، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد 2/ 295، 5/ 211، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 913، وصحيح الترغيب والترهيب، 1/ 405.
فينبغي الثناء على من فعل خيرا إذا أمن من الفتنة والإعجاب، والله المستعان.
سابعا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: دل مفهوم الحديث على أن القدوة الحسنة وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، فاتخاذه صلى الله عليه وسلم حارسا يحرسه يدل على أن من فعل ذلك عند الحاجة اقتداء به صلى الله عليه وسلم فقد عمل أمرا مشروعا؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتدَّ البأس كان أمام الكل، وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب؛ لأن التوكل عمل القلب، وهي عمل البدن "(1).
فينبغي الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وأن يكون الداعية أيضا قدوة لغيره من الناس (2).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 82.
(2)
انظر: الحديث رقم 3، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الخامس.