الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 -
باب من حدث بمشاهده في الحرب
قَالَه أَبو عثْمَانَ عَنْ سَعْدٍ.
[حديث طلحة بن عبيد الله عن يوم أحد]
38 -
[2824] حَدَّثَنَا قتَيْبَة بْن سَعِيد: حَدَّثَنَا حَاتِم، عَنْ محَمَّدِ بْنِ يوسفَ، عَنِ السَّائِبِ (1). بْنِ يَزِيدَ قَالَ:" صَحِبْت طَلْحَةَ بْنَ عبيدِ اللهِ (2). وَسَعْدا لم (3). والمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ (4). وَعَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ (5). رضي الله عنهم، فَمَا سمِعْت أَحَدا مِنْهمْ يحَدِّث عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِلّا أني سَمِعْت طَلْحَةَ يحَدِّث عنْ يَومِ أحدٍ "(6).
(1) السائب بن يزيد بن ثمامة، أبي يزيد الكندي المدني، الصحابي، ابن الصحابي رضي الله عنهما، قال:" حج بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين "[رواه البخاري، 2/ 266، برقم 1858]، ولد السائب سنة ثلاث من الهجرة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على حديث، وانفرد البخاري بأربعة، عمر ولم يشب وسط رأسه، وشعر بقية رأسه ولحيته، أبيض، فسئل عن ذلك فقال:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي وأنا ألعب، فمسح بيده على رأسي وقال: " بارك الله فيك " فهو لا يشيب أبدا " يعني موضع كف النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 7/ 160، برقم 6693، وانظر: مجمع البحرين في زوائد المعجمين، للحافظ نور الدين الهيثمي، 6/ 403، وقال في مجمع الزوائد 9/ 409 " رجال الكبير رجال الصحيح، غير عطاء مولى السائب وهو ثقة " توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة أربع وتسعين، وقيل: إحدى وتسعين، قال الإمام النووي " الصحيح الأول " انظر: تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 208، وسير أعلام النبلاء للذهبي، 3/ 437، والإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 2/ 12.
(2)
طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي، أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإِسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهو من المهاجرين الأولين، ولم يشهد بدرا؛ لأنه كان في تجارة في الشام، ولكن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره كمن حضر، وشهد أحدا، وأبلى فيها بلاء حسنا، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، ورد عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه [البخاري برقم 4063] وشهد ما بعد أحد من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثين حديثا، انفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة، قتل رضي الله عنه يوم الجمل، لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وله أربع وستون سنة، وقيل غير ذلك. انظر: تهذيب الأسماء واللغات، للنووي 1/ 251، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 2/ 229.
(3)
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ترجم لهَ في حديث رقم 36.
(4)
المقداد بن الأسود رضي الله عنه ترجم له في الحديث رقم 116.
(5)
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ترجم له في الحديث رقم 82.
(6)
[الحديث 2824] طرفه في كتاب المغازي، باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّه وَلِيّهمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمؤْمِنونَ، 5/ 39، برقم 4062.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: الورع.
2 -
من أساليب الدعوة: ذكر الداعية بعض عمله الصالح عند الحاجة ليقتدى به.
3 -
أهمية صحبة الأخيار.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: الورع: الورع: هو الكف عما لا ينبغي، ثم استعير للكفِّ عن المباح والحلال (1) وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:" الورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة "(2).
وقد دل هذا الحديث على تورع الصحابة رضي الله عنهم؛ ولهذا قال الوزير العالم ابن هبيرة رحمه الله: " في هذا الحديث من الفقه تورّع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث "(3) وقد بين كثير من العلماء أن بعض الصحابة الكبار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية المزيد، والنقصان، والسهو، والدخول في الوعيد (4) لقوله صلى الله عليه وسلم:«من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (5).
قال العلامة السندي رحمه الله: " ولعلهم كانوا يحدثون عند شدة الحاجة، ورغبة الطالب؛ والأحاديث المشهورة عنهم رووها على هذا الوجه، وإلا كيف أشهر هؤلاء هذه الأحاديث. . أو أنهم تركوا الرواية بعد أن بلغوا الغائبين ما كان عندهم من الحديث، ورأوا أن هذا كافٍ في امتثال الأمر، أو حملوا ذلك على الوجوب على الكفاية، فإذا قام به البعض كأبي هريرة سقط الطلب عن الباقين، والله أعلم "(6).
(1) انظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، باب الواو مع الراء، مادة " ورع " 4/ 56، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الراء، مادة " ورع " 5/ 174.
(2)
مدارج السالكين 2/ 10، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/ 617، 641.
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح 1/ 305.
(4)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 1/ 200 و 6/ 37، وعمدة القاري للعيني، 14/ 120، 17/ 150، وإرشاد الساري للقسطلاني 5/ 56.
(5)
البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، 1/ 41 برقم 109.
(6)
انظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجه 1/ 26.
فينبغي للداعية أن يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبلغه غيره، كما ينبغي له أن يكون ورعا متثبتا فلا ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
ثانيا: من أساليب الدعوة: ذكر الداعية بعض عمله الصالح عند الحاجة ليقتدى به: دل هذا الحديث على أن ذكر الداعية بعض عمله الصالح عند الحاجة من أساليب الدعوة؛ لأن طلحة رضي الله عنه حدث عن يوم أحد، وما صنع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وأما حديث طلحة فهو جائز إذا أمنَ الرياء والعجب، ويترقى إلى الاستحباب إذا كان هناك من يقتدي بفعله "(1). وقال العلامة العيني رحمه الله: " حدث طلحة عن مشاهد يوم أحد؛ ليقتدى به ويرغب الناس في مثل فعله "(2). وقال رحمه الله أيضا: " وفي قول طلحة: ذكر المرء بعمله الصالح ليؤدي ما علم مما لم يعلم غيره؛ لأنه انفرد برسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ "(3).
وهذا يوضح للدعاة إلى الله عز وجل أنه لا حرج أن يخبر الداعية ببعض أعماله الطيبة رغبة في أن يقتدى به في عمله؛ وليرغِّب المدعوين في ذلك، أما الذي يذكر عمله؛ للافتخار، وإظهار فضله: رياء، وسمعة، وعجبا، فهذا عمل قبيح، لا يجوز لمسلم أن يعمله.
ثالثا: أهمية صحبة الأخيار: ظهر في هذا الحديث أهمية صحبة الأخيار؛ لأن السائب بن يزيد صحب طلحة، وسعدا، والمقداد، وابن عوف، فاستفاد منهم الورع في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الزيادة أو النقصان، ولا شك أن صحبة الأخيار تزيد في الحلم، والفهم، والتقوى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه؛ وإما أن تجد منه ريحا طيبه، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك
(1) فتح الباري 6/ 37.
(2)
عمدة القاري 14/ 120.
(3)
المرجع السابق 17/ 150.
وإما أن تجد ريحا خبيثة» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (2) وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» (3) فينبغي للمرء المسلم العناية بصحبة الأخيار؛ ليستفيد منهم، والله المستعان.
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الذبائح، باب المسك، 6/ 287، برقم 5534، أخرجه مسلم، من حديث أبي موسى رضي الله عنه في كتاب البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء، 4/ 2026، برقم 2628.
(2)
أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، 4/ 259، برقم 4833، والترمذي، كتاب الزهد، باب حدثنا محمد بن بشار، 4/ 589، برقم 2378، وقال:(هذا حديث حسن صحيح)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 280.
(3)
أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، في كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، 4/ 259، برقم 4832، والترمذي، في كتاب الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن، 4/ 601، برقم 2395، وقال:" هذا حديث حسن " وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 285.