الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47 -
باب ما يذْكَر من شؤْم الفرسِ
[حديث إِنْ كَانَ الشؤم في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن]
59 -
[2859] حَدَّثَنَا عبد الله بْن مَسْلَمَة، عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِي (1) رضي الله عنه أَن رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنْ كَانَ فِي شيءٍ فَفِي: المَرْأَة، والْفَرَسِ، وَالْمَسْكَنِ» (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية اختيار الداعية الوسائل المعينة على الدعوة.
2 -
من صفات الداعية: التوكل.
والحديث عن هذين الدرسين والفائدتين الدعويتين على النحو الآتي:
أولا: أهمية اختيار الداعية الوسائل المعينة على الدعوة: من الأمور المهمة أن يعتني الداعية بالوسائل التي تعينه على الدعوة وتزيد في نشاطه وقوته في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الوسائل: اختيار المركب الصالح، والمرأة الصالحة، والمسكن المناسب، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إن كان في شيء ففي المرأة، والفرس، والمسكن» أي إن كان الشؤم في شيء ففي هذه الثلاثة كما فسره حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار» (3) وفي لفظ لمسلم: «لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة، والفرس، والدار» (4).
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 25.
(2)
[الحديث 2859] طرفه في كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، 6/ 151، برقم 5095.
وأخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم 4/ 1748، برقم 2226.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يذكر من شؤم الفرس، 4/ 285، برقم 2858، ومسلم، في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، 4/ 1747، برقم 2225.
(4)
مسلم، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، 4/ 1747، برقم 2225.
قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في هذا الحديث فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله سكناها سبباَ للضرر أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعيَّنة أو الفرس أو الخادم، قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى، ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاث كما صرح به في رواية:" إن يكن الشؤم في شيء " وقال الخطابي وكثيرون: " هو في معنى الاستثناء من الطيرة: أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة. وقال آخرون: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وقيل حِرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوِّضَ إليه، وقيل: المراد بالشؤم هنا: عدم الموافقة "(1) وقال بعض العلماء: الأحاديث في الشؤم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لم يقع الضرر به ولا التأذي ولا اطَّردت عَادة به خاصة ولا عامة، لا نادرة ولا متكرِّرَة، فهذا لا يصْغَى إليه وقد أنكر الشرع الالتفات إليه، وهو الطيرة، كلقي غراب في بعض الأسفار، أو صراخ بومة في دار، وهذا الذي كانت العرب في الجاهلية تعتبره وتعمل عليه، مع أنه ليس في ذلك ما يشعر بالأذى ولا المكروه.
الثاني: ما يقع به الضرر، ولكنه يعم ولا يخص، ويندر ولا يتكرر، كالوباء، فهذا لا يقْدم عليه عملا بالحزم والاحتياط، ولا يخرج منه ولا يفرّ منه لإِمكان أن يكون قد وصل الضرر إلى الفارِّ فيكون سفره سببا في محنته وتعجيلا لهلكته.
الثالث: ما يخص ولا يعمّ ويلحق به الضرر بطول الملازمة كالدار، والفرس، والمرأة، فهذه الثلاثة يباح الفرار منها واستبدالها بغيرها مما يناسب الإِنسان، والتوكل على الله تعالى، والإِعراض عما يقع في النفوس من ذلك من أفضل
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 472، وانظر: الاستذكار لابن عبد البر، 27/ 228، وعارضة الأحوذي لابن العربي 5/ 424.
الأعمال والله أعلم (1).
قال الإِمام الخطابي رحمه الله تعالى: " اليمن والشؤم سمتان لما يصيب الإِنسان من الخير والشر والنفع والضر ولا يكون شيء من ذلك إلا بمشيئة الله وقضائه وإنما هذه الأشياء مَحَالّ وظروف جعلت مواقع لأقضيته، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس وكان الإِنسان في غالب أحواله لا يستغنى عن دار يسكنها، وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه. . . وكان لا يخلو من مكروه في زمانه ودهره أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكانٍ ومحل وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه "(2).
وقال ابن حجر رحمه الله: " وقيل يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع "(3).
وسمعت سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يقول عند شرحه لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه: " والتشاؤم من هذه الثلاثة مستثنى ولا ينافي التوكل، فلا بأس بتركها، فقد لا تناسبه: الدابة، والزوجة، والمسكن، فلا بأس بمفارقة غير المناسب، فقد يجد شرورا في بعض هذه الأشياء فلا بأس أن يفارقها لعدم مناسبتها له، وقد تناسب غيره فلا يخبره بشؤمها، والسيارة تقوم مقام الدابة "(4).
وإذا حمل الشؤم على عدم الموافقة وسوء الطباع فهو كحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيِّق، والمركب السوء» (5).
(1) انظر: مشكل الآثار للطحاوي، 2/ 249، وشرح السنة للبغوي، 9/ 13، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 5/ 630، وشرح النووي على صحيح مسلم 14/ 473.
(2)
أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، 2/ 1379 بتصرف يسير جدا. وانظر: شرح السنة للبغوي 9/ 14، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح 7/ 2261.
(3)
فتح الباري 6/ 63.
(4)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه في صحيح البخاري برقم 2859، ثم سمعته مرة أخرى عند شرحه لطرف الحديث المذكور برقم 5095 وذلك بتاريخ 14/ 7 / 1417 هـ في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض " الجامع الكبير ".
(5)
أخرجه ابن حبان في صحيحه 9/ 340، برقم 4032، وقال الألباني: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 282، وقال شعيب الأرنؤوط في تخريجه لصحيح ابن حبان 9/ 341: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله رجال الشيخين غير محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة فمن رجال البخاري. وأخرجه أحمد 1/ 168، دون ذكره: الجار الصالح، والجار السوء، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد 1/ 206 برقم 116. وانظر: صحيح الأدب المفرد للألباني ص 68.
وهذا يبيِّن للداعية أهمية اختيار الوسائل المناسبة التي تعينه على القيام بالدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن لهذه الأشياء أهمية عظمى في حياة الإِنسان، فإن كانت الزوجة صالحة، والدار صحِيَّة واسعة، والفرس أو السيارة قوية مريحة، والجار صالحا ارتاح الإِنسان وشعر بالسعادة والاستقرار النفسي وتفرَّغ للدعوة إلى الله تعالى (1).
ثانيا: من صفات الداعية: التوكل: دل مفهوم الحديث على أهمية التوكل على الله عز وجل، واعتماد القلب عليه، مع الأخذ بالأسباب النافعة، ومن هذه الأسباب اختيار الوسائل المناسبة في الدعوة إلى الله عز وجل.
فينبغي للداعية أن يعتني بهذه الصفة ويتخلق بها؛ لعظمها وعلوِّ مكانتها (2).
(1) انظر: منار القاري في شرح مختصر صحيح البخاري لحمزة محمد قاسم 4/ 101.
(2)
انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.