الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَؤلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا تعَلَّم الْكِتَابة. .» (1).
[حديث تعوذه صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل]
37 -
[2823] حَدَّثَنَا مسَدَّد: حَدَثَنَا معتَمِر قَالَ: سَمِعْت أَبِي قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِك (2) رضي الله عنه يقول: كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقول: «اللَّهمَّ إِنِّي أَعوذ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالكَسَلِ، والجبْنِ والْهَرَم، وأَعوذ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعوذ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (3).
وفي رواية: «اللَّهمَّ إِنِّي أعوذ بِكَ مِنَ الْكَسَل، وَأَعوذ بكَ مِنَ الْجبْنِ، وَأَعوذ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ، وَأَعوذ بِكَ مِنَ البخْلِ» (4).
وفي رواية: أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعو: «أَعوذ بِكَ مِنَ الْبخْلِ وَالْكَسَلِ، وأَرْذَلِ العمرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وفتْنَةِ الْمَحْيَا وَالمَمَاتِ» (5).
* شرح غريب الحديث: * " أرذل العمر " آخره في حال الكِبَرِ والعجز والخرف، والأرذل من كل شيء: الرديء منه (6).
* " الفتنة " الابتلاء والاختبار، والامتحان، وأصل الفتنة من قولك: فتنت الذهب إذ أحرقته بالنار؛ ليتبيَّن الجيد من الرديء، وقد كثر استعمالها بمعنى: الإِثم، والكفر، والضلال، والقتال، والإِحراق، والإِزالة، والصرف عن
(1) من الطرف رقم 6390.
(2)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 14.
(3)
الحديث 2823، أطرافه في: كتاب تفسير القرآن، 16 سورة النحل، باب قوله تعالى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر 5/ 266، برقم 4707. وكتاب الدعوات، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات، 7/ 204، برقم 6367. وكتاب الدعوات، باب التعوذ من أرذل العمر، 7/ 205 و 206، برقم 6371. وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره، 4/ 2079، برقم 2706.
(4)
الطرف رقم 6371.
(5)
الطرف رقم 4707.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الراء مع الذال، مادة " رذل " 2/ 217.
الشيء، والفضيحة، والعذاب، والجنون (1).
* " الهرم " الكِبَرِ (2).
* الدراسة الدعوية للحديثين: في هذين الحديثين دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: النشاط.
2 -
من صفات الداعية: الشجاعة.
3 -
من صفات الداعية: الكرم.
4 -
من صفات الداعية: الحرص على تعليم الناس الخير.
5 -
أهمية العناية بالأهل والأقارب.
6 -
من صفات الداعية: الالتجاء إلى الله عز وجل.
7 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
8 -
من موضوعات الدعوة: تعليم المدعوين الدعاء والأذكار.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: النشاط: دل مفهوم الحديث الثاني على أن النشاط من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم وخاصة الداعية إلى الله عز وجل؛ ولهذا استعاذ صلى الله عليه وسلم من ضد النشاط فقال: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل» ؛ وذكر العلامة العيني رحمه الله أن الكسل: ضعف الهمة وإيثار الراحة للبدن على التعب، وإنما استعيذ منه؛ لأنه يبعد عن الأعمال الصالحة (3).
فينبغي للداعية أن يكون نشيطا؛ لأن الكسل من أسباب الخسارة والوقوع في
(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي ص 172، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الفاء مع التاء، مادة " فتن " 3/ 410، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيومي، مادة " فتن " 2/ 462، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، باب النون فصل الفاء، ص 1575.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الهاء مع الراء، مادة " هرم " 5/ 261.
(3)
انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري 14/ 119.
أسباب المعاصي والسيئات، وترك أسباب الطاعات (1)؛ ولأن الكسل تثاقل عن المصالح الدينية والدنيوية، فيمنع من أداء الحقوق الواجبة (2) والله الموفق (3).
ثانيا: من صفات الداعية: الشجاعة: لا شك أن الشجاعة من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، ولا سيما الداعية إلى الله عز وجل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«اللهم إني أعوذ بك من الجبن» ، فاستعاذته من الجبن دليل على ضده: الشجاعة وأنها خلق كريم؛ ولأن الجبن عدم الإِقدام على الشيء النافع (4) وشعب الجبن متفرقة، ومن أقبحه أن يجبن عن معاملة الله في تصديق وعده، ثم تقديم العوائد على مقتضيات شرعه (5) وهذا يؤكد أهمية المجاعة (6).
ثالثا: من صفات الداعية: الكرم: ظهر في مفهوم هذين الحديثين أن الكرم صفة حميدة ينبغي للداعية أن يتصف بها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «. . وأعوذ بك من البخل» ، فاستعاذ صلى الله عليه وسلم من ضد الكرم؛ لأن البخل صفة ذميمة تنافي الجود والكرم؛ وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأكرم الناس، فينبغي للدعاة أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم (7).
رابعا: من صفات الداعية: الحرص على تعليم الناس الخير: إن الداعية الصادق مع الله عز وجل هو الذي يحرص على نفع الناس، وإيصال الخير إليهم قولا وفعلا؛ ولهذه الصفة الحميدة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تعليم أمته الخير، وقد دل الحديث الأول من هذين الحديثين على ذلك "؛
(1) انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم 2/ 358.
(2)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 7/ 34، ومكمل إكمال الإِكمال، لمحمد بن يوسف السنوسي، 9/ 108.
(3)
انظر: الحديث رقم 14، الدرس الرابع، ورقم 29، الدرس الثالث.
(4)
انظر: مكمل إكمال الإِكمال، للسنوسي 9/ 110.
(5)
انظر: الإفصاح عن معاني الصحاح للوزير ابن هبيرة، 1/ 242.
(6)
انظر: الحديث رقم 35، الدرس الخامس.
(7)
انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثالث.
لقول سعد رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تعلَّم الكتابة» ، وهذا الحرص المبارك من النبي الأمين الكريم يبين للدعاة إلى الله عز وجل أهمية الحرص على تعليم الناس الخير (1).
خامسا: أهمية العناية بالأهل والأقارب: لا شك أن حق الأهل والأقارب أعظم من حق غيرهم، ورعايتهم وتعليمهم ما ينفعهم من أهم الواجبات، وأعظم الحسنات؛ ولهذا كان السلف الصالح يعتنون بأهلهم وقراباتهم عناية خاصة؛ ولهذا قال عمرو بن ميمون في الحديث الأول من هذين الحديثين:" كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلِّم المعلّم الغلمان الكتابة. . "، وهذا يبرز للدعاة العناية بالأهل وتعليمهم ما ينفعهم ويعود عليهم بالخير والصلاح، في الدين والدنيا، والآخرة (2).
سادسا: من صفات الداعية: الالتجاء إلى الله عز وجل: دل هذان الحديثان على أهمية الالتجاء إلى الله تعالى، والاستعاذة به من هذه الخصال التسع:" البخل، والجبن، وأرذل العمر، والعجز، والكسل، وفتنة المحيا والممات، وفتنة الدجال وفتنة الدنيا، وعذاب القبر "، ومفتاح كل شر: العجز والكسل، ويصدر عنهما الهمّ، والحزن، والجبن، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال، وأصل المعاصي كلها العجز، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي وتحول بينه وبينها فيقع في المعاصي (3).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " التمني رأس أموال المفاليس، والعجز مفتاح كل شر "(4).
وهذا يبين للمسلم- وخاصة الداعية إلى الله سبحانه وتعالى أهمية الالتجاء
(1) انظر: الحديث رقم 1، الدرس الأول.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الأول.
(3)
انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، 2/ 358.
(4)
المرجع السابق 2/ 358.
إلى الله عز وجل والاستعاذة به من هذه الخصال كلها، ولا سيما الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأن العجز: ترك العمل مع عدم القدرة على عمله، والكسل: ترك العمل مع القدرة على عمله؛ لعدم انبعاث النفس للخير، وقلة الرغبة فيه مع إمكانه (1).
ويستعيذ الداعية من البخل والجبن؛ لأن الجود: إما بالنفس: وهو الشجاعة، ويقابله الجبن، وإما بالمال وهو السخاوة ويقابله البخل، ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة، ولا ينعدمان إلا لمتناهٍ في النقص (2) وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين: الاستعاذة من الجبن والبخل؛ لأن الإِحسان المتوقع من العبد: إما بماله، وإما ببدنه، فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه (3).
ويلتجئ الداعية إلى الله، ويستعيذ به من فتنة الدنيا؛ لأن من أصيب بذلك باع آخرته بما يتعجله في الدنيا من حال ومال (4) وفتنة المحيا: ما يتعرض له الإِنسان مدة حياته، من الافتتان بالدنيا، والشهوات والجهالات، وأعظمها - والعياذ بالله - سوء الخاتمة عند الموت، وفتنة الدنيا أطلقت على فتنة الدجال؛ لأن فتنته أعظم الفتن في الدنيا، وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا (5) ويستعيذ بالله من فتنة الممات. قال ابن دقيق العيد رحمه الله:" وفتنة الممات " يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إلى الموت لقربها منه، وتكون فتنة المحيا - على هذا - ما يقع قبل ذلك في مدة حياة الإنسان، وتصرفه في الدنيا، ويجوز أن يكون المراد بفتنة الممات: فتنة القبر. . . ولا يكون على هذا متكررا مع قوله: " من عذاب القبر "؛ لأن العذاب مرتب على الفتنة. . . " (6).
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 36، وعمدة القاري للعيني، 19/ 18.
(2)
انظر: مرقاة المفاتيح، لملا علي القاري، 3/ 42.
(3)
انظر: طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم ص 460.
(4)
انظر: عمدة القاري، للعيني 14/ 119.
(5)
انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، 1/ 311، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 2/ 319، وعمدة القاري للعيني، 23/ 7.
(6)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، 1/ 311.
والاستعاذة من فتنة المحيا والممات: كلمة جامعة لمعانٍ كثيرة (1).
ويستعيذ بالله من أرذل العمر؛ لأن الإنسان إذا هرم وضعف: سخف عقله، وعجز عن الفرائض وخدمة نفسه، فيكون كلاّ على أهله ثقيلا بينهم، يتمنون موته؛ فإن لم يكن له أهل فالمصيبة أعظم (2).
فدل ذلك كله على أهمية الاستعاذة والالتجاء إلى الله عز وجل. وسؤاله العفو والعافية، وهذا من أعظم صفات الداعية إلى الله سبحانه وتعالى. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وينبغي أن يرغب إلى ربه في رفع ما نزل، ودفع ما لم ينزل، ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك "(3).
سابعا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: القدوة الحسنة من أهم وسائل الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الجبن والبخل؛ لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكر، والإِغلاظ على العصاة؛ ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، ويقوم بنصر المظلوم، والجهاد، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال، وينبعث للإِنفاق، والجود، ولمكارم الأخلاق، ويمتنع من الطمع فيما ليس له (4).
قال الإمام النووي رحمه الله: " قال العلماء: واستعاذته من هذه الأشياء؛ لتكمل صفاته في كل أحواله وَشَرَعَه أيضا تعليما "(5) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر دفعا عن أمته، وتشريعا لهم، ليبيِّن لهم صفة المهم من الأدعية " (6).
(1) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 11/ 176.
(2)
انظر: عمدة القاري، للعيني 14/ 119.
(3)
فتح الباري، 11/ 176.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 34.
(5)
المرجع السابق 17/ 34.
(6)
فقح الباري 11/ 176.
وهذا يبين للداعية أهمية القدوة؛ لأن الناس يستفيدون من أفعال الداعية أكثر مما يستفيدون من أقواله، فينبغي له أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون قدوة صالحة لغيره (1).
ثامنا: من موضوعات الدعوة: تعليم المدعو لهن: الدعاء والأذكار: إن هذين الحديثين يدلان على مشروعية تعليم المدعوين الأدعية النافعة، والأذكار الجامعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع أصحابه رضي الله عنهم، قال سعد رضي الله عنه في الحديث الأول من هذين الحديثين:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة» .
وهذا يبيِّن للداعية أنه ينبغي له أن يعلم الناس الأذكار المشروعة: أدبار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم واليقظة، وغير ذلك من الأذكار، ويعلمهم الدعوات الجامعة المشروعة، حتى ينفع الناس (2) والله المستعان.
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 7/ 34، وانظر أيضا: الحديث رقم 9، الدرس الثالث عشر.
(2)
انظر: عمل اليوم والليلة، لأحمد بن شعيب النسائي، ص 133 - 609، وكتاب الدعاء، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، 2/ 786 - 1814، وعمل اليوم والليلة، لأحمد بن محمد المعروف بابن السني، ص 5 - 362، والأذكار النووية، للنووي ص 5، والكلم الطيب، لشيخ الإسلام بن تيمية، ص 24 - 127، وسلاح المؤمن في الدعاء والذكر، لمحمد بن علي بن همام، ص 33 - 522، والوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، لابن القيم ص 72، وجلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، له، ص 30 - 482.