الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76 -
باب من اسْتعان بالضعَفاء والصالحِينَ في الحربِ
وَقَالَ ابْن عَبَّاسٍ: أَخْبَرنيِ أَبو سفْيانَ قَالَ: " قَالَ لِي قَيْصَر: سَأَلْتكَ أَشْرَاف النَّاسِ اتبعوه أَمْ ضعَفَاؤهمْ؟ فزَعَمْتَ ضعَفَاؤهمْ، وَهمْ أَتْباع الرّسلِ ".
[حديث هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم]
71 -
[2896] حَدَّثَنَا سلَيْمان بْن حَرْبٍ: حَدَّثَنَا محَمَد بْن طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مصعَب بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأى سَعْد (1) رضي الله عنه أَنَّ لَه فَضْلا عَلَى مَنْ دونَه، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ تنْصَرونَ وَترْزقونَ إِلَّا بضعَفَائِكم» ؟ ".
* شرح غريب الحديث: * " رَأَى سعد " أي ظن (2) وقد جاء هذا المعنى صريحا في رواية النسائي: «ظنَّ أن له فضلا على من دونه» (3).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحث على العناية بالفقراء والضعفاء.
2 -
من أسباب النصر والرزق: الإِحسان إلى الضعفاء.
3 -
من صفات الداعية: التواضع.
4 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
5 -
من أساليب الدعوة: الاستفهام الإِنكاري.
6 -
من أساليب الدعوة: الحكمة.
7 -
من أصناف المدعوين: أهل الصلاح والتقوى.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
(1) تقدمت ترجمته في الحديث: رقم 36.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الراء مع الهمزة، مادة:" رأى " 2/ 177.
(3)
سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب الاستنصار بالضعيف، 6/ 45، برقم 1378.
أولا: من موضوعات الدعوة: الحث على العناية بالفقراء والضعفاء: ظهر في هذا الحديث أن من موضوعات الدعوة: الحث على العناية بالضعفاء والمساكين؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله: «هل تنصرون وترزقون إلا ضعفائكم» والله عز وجل قد جعل الإِحسان إلى الفقراء والمساكين من صفات المتقين فقال عز وجل: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177](1) وقال عز وجل: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38](2){وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26](3).
فينبغي الحث على الإِحسان إلى الفقراء والضعفاء، والله يحب المحسنين.
ثانيا: من أسباب النصر والرزق: الإحسان إلى الضعفاء: دل هذا الحديث على أنه لا ينبغي للأقوياء القادرين أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين: لا في أمور الجهاد والنصرة، ولا في أمور الرزق وعجزهم عن الكسب؛ لأن النصر على الأعداء وبسط الرزق قد يكون بسبب الضعفاء؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» ؟ " وهم يكونون من أسباب النصر والرزق من عدة وجوهٍ، منها:
1 -
قد يكون النصر على الأعداء، وبسط الرزق بأسباب توجه الضعفاء إلى الله عز وجل وطلبهم النصر والرزق؛ لأنهم أشدّ إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة، وأقوى توكلا وثقة بالله عز وجل؛ لسلامة قلوبهم وعدم تعلقها بزخارف الدنيا، فإذا دعوا الله على هذه الحال استجاب لهم، فينصر
(1) سورة البقرة، الآية:177.
(2)
سورة الروم، الآية:38.
(3)
سورة الإسراء، الآية:26.
الله الأمة بسببهم، ويرزقهم من أجلهم.
2 -
جعل الله أرزاق هؤلاء الضعفاء على أيدي القادرين والأغنياء، فإذا أعطوهم حقهم وأنفقوا عليهم رغبة فيما عند الله؛ فإن الله عز وجل يفتح لهم من أسباب النصر والرزق ما لم يكن لهم ببال ولا دار لهم في خيال، فكم من إنسانٍ كان رزقه قليلا فكثرت عائلته والمتعلقون به فقام بالواجب وأنفق عليهم، ونصره الله على أعدائه، وأمد الله وَوَسَّعَ في رزقه (1)؛ قال الله عز وجل:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39](2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أَحدهما: اللهم أعطِ منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكا تلفا» (3) وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: " قال الله تعالى: «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» (4) وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انفحي، أو انضحي (5) أو أنفقي، ولا تحصى فيحصي الله عليك (6) ولا توعي فيوعي (7) الله عليك» (8) وفي صحيح البخاري (9)«لا توكي فيوكي الله عليك» (10).
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 89، وبهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار في شرح جوامع الأخبار، للعلامة عبد الرحمن السعدي ص 244، وشرح رياض الصالحين، للعلامة ابن عثيمين 5/ 131.
(2)
سورة سبأ، الآية:39.
(3)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: صحيح البخاري، كتابِ الزكاة، باب قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحسْنَى فَسَنيَسِّره لِلْيسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحسْنَى فَسَنيَسِّره لِلْعسْرَى 2/ 147، برقم 1442، ومسلم، كتاب الزكاة، باب المنفق والممسك، 2/ 700، برقم 1010.
(4)
متفق عليه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة هود، باب قوله: وكان عرشه على الماء، 5/ 254 برقم 4684، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، 2/ 690، برقم 993.
(5)
انفحي، أو انضحي: أي أعطي، والنضح والنفح العطاء، وفي رواية " وارضخي ما استطعت " البخاري برقم 1434، والرضخ العطاء أيضا. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 569.
(6)
لا تحصي: أي لا تبخلي فتجازين علي بخلك، وأصل هذا من الإحصاء الذي هو العد، وَعبِّرَ عن البخل بالإِحصاء؛ لأن البخيل يعد ماله ويتحرَز بِهِ، ويغار عليه. انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي 3/ 74.
(7)
ولا توعي فيوعي الله عليك: أي لا تجمعي وتشحي بالنفقة، يشَحّ عليك، وتجازي بتضييق رزقك " انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع العين، مادة:" وعا " 5/ 208.
(8)
متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، 2/ 145، برقم 1433، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث علي الإنفاق وكراهية الإحصاء، 2/ 713 برقم 1029.
(9)
البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها 2/ 44، برقم 1433.
(10)
لا توكي: أي لا تدَّخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يديك، فتنقطع مادة الرزق عنك، انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، باب الواو مع الكاف مادة:" وكا " 5/ 223.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف فشكى المحترف أَخَاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لعلك ترزق بِه» (1).
3 -
دعاء المستضعفين المنفق عليهم؛ فإنهم يدعون الله عز وجل في كل أحوالهم لمن قام بمساعدتهم وأعانهم على فقرهم وضعفهم.
فينبغي أن يعلم الدعاة أن إعانة الضعفاء والعطف عليهم، والإِحسان إليهم، بالقول والفعل من أسباب النصر والرزق والتوفيق.
ثالثا: من صفات الداعية: التواضع: دل الحديث على التواضع؛ لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب شجاعته، ونحو ذلك من جهة الغنى وكثرة المال، فقال صلى الله عليه وسلم:«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟» وهذا فيه حث على التواضع ونفي الكبر والفخر، وترك احتقار المسلم في كل حالة (2).
فينبغي للمسلم التواضع وعدم الترفع على إخوانه المسلمين (3).
رابعا: من أساليب الدعوة: الترغيب: ظهر أسلوب الترغيب في هذا الحديث؛ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟» وهذا فيه ترغيب في الإِحسان إلى هؤلاء وعدم احتقارهم، وهذا ليس فيه ما يعارض الأحاديث الأخرى التي مدح فيها الأقوياء، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وإنما المراد أن ذلك من أعظم أسباب الرزق والنصر، وقد يكون لذلك أسباب أخرى؛ فإن الكفار والفجار قد يرزقون وينصرون استدراجا، وقد يخذل المؤمنون؛ ليتوبوا
(1) الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل، 4/ 474، برقم 2345، وقال:" هذا حديث حسن صحيح "، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 274.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 89، وعمدة القاري للعيني، 14/ 179.
(3)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثالث.
ويخلصوا، ولكن العاقبة الحميدة لهم، فيجمع لهم بين مغفرة الذنب وتفريج الكرب، وليس كل إنعام كرامة ولا كل امتحان عقوبة (1).
فينبغي استخدام الترغيب في الدعوة إلى الله عز وجل (2).
خامسا: من أساليب الدعوة: الاستفهام الإنكاري: الاستفهام الإِنكاري من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل وقد ظهر هذا الأسلوب في قوله صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟» فقد أنكر صلى الله عليه وسلم على سعدٍ رضي الله عنه ما ظنه وبيَّن فضل الضعفاء على الأمة، وأبرز ذلك في صورة الاستفهام؛ ليدل على مزيد التعزير والتوبيخ (3). وهذا يؤكد أهمية هذا الأسلوب. (4).
سادسا: من أساليب الدعوة: الحكمة: دل هذا الحديث على حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير المنكر وتأليف القلوب، وتوجيهها إلى ما يحبه الله ويرضاه؛ فإنه أنكر على سعدٍ رضي الله عنه ببيان فضل الضعفاء وأن وجودهم بين المسلمين من أسباب النصر والرزق، وقد استخدم صلى الله عليه وسلم الاستفهام الإِنكاري. وهذا يبين للدعاة إلى الله عز وجل أهمية أسلوب الحكمة؛ قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](5) وحقيقة الحكمة: وضع كل شيء في موضعه بإحكام وإتقان، والإِصابة في الأقوال والأفعال (6).
(1) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 6/ 354.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر.
(3)
انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 10/ 3310، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري، 9/ 84.
(4)
انظر: الحديث رقم 4، الدرس الرابع، ورقم 31، الدرس الخامس.
(5)
سورة النحل، الآية:125.
(6)
انظر: مدارج السالكين لابن القيم 2/ 478، وتفسير ابن كثير، 1/ 184، وفتح الباري لابن حجر 1/ 67، 6/ 531، 7/ 100، 10/ 522، والحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، لسعيد بن علي، ص 23 - 31.
سابعا: من أصناف المدعوين: أهل الصلاح والتقوى: دل هذا الحديث على أن من أصناف المدعوين أهل الصلاح والاستقامة؛ لأن المسلم قد يخطئ ويحتاج إلى التنبيه والتوجيه؛ ولأن العصمة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولمن عصمه الله من عباده المخلصين؛ ولهذا لما رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلا على من دونه، وجهه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشده بقوله:«هل تنصرون وترزقون لا بضعفائكم؟» .
فينبغي للداعية أن يقبل النصيحة ممن وجهها إليه من العلماء والدعاة، أو حتى ممن هو دونه، وينبغي له أن لا يستحي من توجيه إخوانه الدعاة إلى الخير إذا رأى ما يوجب ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوَّابون» (1) وهذا يؤكد أن كل مسلم يحتاج إلى توجيه ونصيحة مهما ارتفعت منزلته (2).
(1) الترمذي، كتاب القيامة، باب: حدثنا هناد، 4/ 659، برقم 2499، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، 2/ 1420، برقم 4251، والدارمي، كتاب الرقاق، باب في التوبة، 2/ 213، برقم 2730. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/ 418، وفي مشكاة المصابيح 2/ 724 برقم 2341.
(2)
انظر: الحديث رقم 76، الدرس الرابع.