الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 -
بَاب قوْلِ اللهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ
إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ - فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ - ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 106 - 108](1).
الأَوليانِ: وَاحِدهما أَولَى، ومنه: أَولَى به. عثِرَ: ظهِرَ. أَعْثَرْنَا: أَظْهَرْنَا.
[حديث سبب نزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت]
17 -
[2780]- وَقَالَ لي عَليّ بن عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يحيى بن آَدَمَ: حَدَّثَنا ابن أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ محَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ، عَن عبدِ المَلِكِ بنِ سَعِيدِ بْنِ جبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، (2) قَالَ:«خَرَجَ رَجل مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدّاءٍ، فَمَات السَّهْمِيّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مسْلِم، فلَمَا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدوا جَاما مِنْ فِضَّةٍ مخَوَّصا مِنْ ذَهَبٍ. فَأَحْلَفَهمَا رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ وجِدَ الجَام بِمَكَّةَ فَقَالَوا: ابْتَعْنَاه مِنْ تميمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجلانِ مِنْ أَوْليَائِهِ فَحَلَفَا: لشهادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ وَفِيهم نَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106]» (3).
* شرح غريب الحديث: * " رجل من بني سهم " قيل: هو بزيل، وقيل: بريل، وقيل: بديل بن أبي مريم، قيل: كان مسلما من المهاجرين (4).
(1) سورة المائدة، الآيات: 106 - 108.
(2)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم 5 - 2743.
(3)
قال ابن حجر رحمه الله: " والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع اتفاقا " فتح الباري 5/ 412.
(4)
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 1/ 140، وفتح الباري له، 5/ 410، وعمدة القاري للعيني، 14/ 76.
* " الجام " هو الكأس (1).
* " مخَوَّصا " أي منقوش فيه خطوط دقاق طوال كالخوص، وهو ورق النخل، وقيل:" الجام المخوص " إناء من فضة منقوش بذهب، وقيل: عليه صفائح الذهب مثل خوص النخل (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحث على الوصية عند الموت.
2 -
حفظ الإسلام لحقوق الإِنسان.
3 -
من أساليب الدعوة: القصة.
4 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية بالتفصيل على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الحث على الوصية عند الموت: في هذا الحديث دعوة للأمة وحث لها على الوصية عند الموت، فإذا حضر الإنسان الموت أو مقدماته فينبغي له أن يكتب وصيته- إذا لم يكتبها قبل ذلك- ويشهد عليها اثنين ذوي عدل من المسلمين؛ فإن كان في سفر ولم يجد أحدا من المسلمين، ونزل به الموت أشهد اثنين من غير المسلمين، ودفع إليهما ما معه من مالٍ وتركة لورثته، فإذا وصل الشاهدان إلى الورثة وظهر لهم أنهما قد خانا فإن أولياء الميت يوقفونهما بعد صلاة العصر ويحلِّفونهما أنهما ما خانا ولا كذبا، ولا غيَّرا ولا بدلا، فإن اطلع الورثة على أن الشاهدين كاذبان، وقد خانا من مال الميت شيئا أو غَيَّرا الوصية، فإن شاء أولياء الميت قام منهما اثنان فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة، وأنهما خانا وكذبا، وإنَّا لم نعتدِ،
(1) انظر: القاموس المحيط، باب الميم فصل الجيم، ص 1408، وعمدة القاري للعيني، 14/ 76.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الخاء مع الواو، مادة:" خوص " 2/ 87، وفتح الباري لابن حجر، 5/ 411، وعمدة القاري للعيني، 14/ 76.
وبهذا يستحق أولياء الميت ما يدعون (1).
فينبغي للداعية أن يبين للمدعوين ما يحتاجون إليه مما ينفعهم في الدنيا وعند الموت، ومن ذلك بيان الوصية والحث عليها وتوضيحها للناس.
ثانيا: حفظ الإسلام لحقوق الإنسان: في هذا الحديث بيان واضح بأن الإسلام يحفظ حقوق الإِنسان، وهذا يؤكد تأكيدا جازما أن الإسلام هو الذي يصلح لكل زمان ومكان؛ ولهذا اعتنى بحق الإِنسان حتى عند الموت وبعده كما في هذا الحديث (2).
فعلى الداعية أن يبين للناس عناية الإسلام بحقوق الإنسان، وذلك مما يزيد يقين المسلم ويرغب غيره في الإسلام.
ثالثا: من أساليب الدعوة: القصة: القصة من خير ما يتوصل به الداعية لإِبلاغ دعوته إلى أعماق القلوب؛ لأن النفس تميل إليها، وأبلغ القصص ما جاء في القرآن الكريم، والسنة الثابتة، قال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف: 111] الآية (3).
وفي هذا الحديث يسوق ابن عباس رضي الله عنهما هذه القصة التي بين فيها للناس ما ينبغي أن يعلمه المسلم عند الوفاة في الحضر أو السفر، فينبغي للداعية أن يستخدم هذا الأسلوب في دعوته (4).
رابعا: من أساليب الدعوة: الترهيب: لا ريب أن أسلوب الترهيب من الأساليب النافعة؛ لأنه يخوف المدعو ويحذره ما يضره، ويظهر في هذا الحديث المشتمل على الآية: أسلوب الترهيب في
(1) انظر: تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " 11/ 154 - 208، وتفسير البغوي 2/ 73 - 75، وتفسير القرطبي " الجامع لأحكام القرآن " 6/ 324 - 338، وتفسير ابن كثير 2/ 105 - 108.
(2)
انظر: الحديث رقم 6، الدرس الثاني. .
(3)
سورة يوسف، الآية:111.
(4)
انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، 4/ 65.
التخويف من الإثم ومن الظلم، وأن الله لا يهدي القوم الفاسقين، قال الله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108](1).
قال الطبري رحمه الله: " وخافوا الله أيها الناس، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبة، وأن تذهبوا بها مال من يحرم عليكم ماله، وأن تخونوا من ائتمنكم. . . "(2) وبين سبحانه أنه لا يوفق من فسق عن أمر ربه فخالفه وأطاع الشيطان (3) فعلى الداعية أن يستخدم هذا الأسلوب في دعوته، والله الموفق والمستعان (4)
(1) سورة المائدة، الآية:108.
(2)
تفسير الإمام الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " 11/ 206.
(3)
انظر المرجع السابق 11/ 206.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر.