الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
91 -
باب الحرير في الحرب
[حديث رخص النبي لعبد الرحمن بن عوف في قميص من حرير]
82 -
[2919] حدثنا أحمد بن المقدام: حدثنا خالد بن الحارث: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن أنسا (1). حدثهم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف (2). والزبير (3). في قميص من حرير من حكة كانت بهما» (4).
وفي رواية: «أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيته عليهما في غزاة» (5).
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 14.
(2)
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث، القرشي الصحابي الجليل رضي الله عنه أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة الذين هم أهل الشورى، الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالخلافة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، وكان أحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وكان من المهاجربن الأولين. شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل، وصلى صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من صلاة الفجر في غزوة تبوك [صحيح مسلم برقم 81] جرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، وجرح في رجله وسقطت ثنيتاه، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله تعالى، قيل: إنه أعتق في يوم واحد: واحدا وثلاثين عبدا، وتصدق في يوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله: أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا، ثم تصدق. بخمسمائة فرس في سبيل الله، ثم بخمسمائة راحلة، وأوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله تعالى، وأوصى لمن بقي ممن شهد بدرا لكل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة، وأوصى بألف فرس في سبيل الله. وخلف مالا عظيما من الذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منها، وترك ألف بعير، ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة، وكان له أربع نسوة صالحت امرأة منهن عن نصيبها بثمانين ألفا؛ ولهذا قال الذهبي رحمه الله:" هذا هو الغني الشاكر، وأويس فقير صابر، وأبو ذر أو أبو عبيدة زاهد عفيف ". وقد ذكر أنه أعتق ثلاثين ألف بيت. [سير أعلام النبلاء1/ 92]. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علما كثيرا: خمسة وستين حديثا انفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بخمسة. توفي سنة ثلاث وثلاثين، وقيل إحدى وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة، لأنه ولد بعد عام الفيل بعشر سنين. وقيل: وهو ابن اثنتين وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين، ودفن بالبقيع رضي الله عنه.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي، 1/ 300 - 302، وسير أعلام النبلاء للذهبي 1/ 68 - 92، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 2/ 416.
(3)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم 52.
(4)
[الحديث 2919] أطرافه في: كتاب الجهاد والسير، باب الحرير في الحرب، 3/ 304، برقم 2920، و 2921 و 2922. وكتاب اللباس، باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة، 7/ 59، برقم 5839. وأخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها، 3/ 1646، برقم 2076.
(5)
الطرف رقم 2920.
* شرح غريب الحديث: حكة
الحكة: الجرب. وقيل داء يكون بالجسد يحدث تحت الجلد. (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من خصائص الإسلام: يسر الدين وسماحة الشريعة.
2 -
من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين.
3 -
العمل بالأسباب لا ينافي التوكل على الله عز وجل.
4 -
أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من خصائص الإسلام: يسر الدين وسماحة الشريعة: دل هذا الحديث على يسر الإسلام، وسماحة الشريعة، ورفع الحرج عن الناس؛ ولهذا رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما في لبس الحرير؛ لحكة كانت بهما؛ لأن الحرير فيه برودة ولطافة للجسم (2). فينبغي للداعية أن يبين للناس يسر الدين وسماحة الشريعة الإسلامية، على حسب الأحوال والحاجة والمصلحة الشرعية. (3).
ومما يدل على رفع الحرج أيضا: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في مقدار أربع أصابع من الحرير، فإذا كان في الثوب خياطة بالحرير في مواضع متفرقة، أو في موضع واحد، ولم تزد على أربع أصابع فقد رفع الله الحرج، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع: إصبعين، أو ثلاث،
(1) انظر: المصباح المنير، للفيومي، كتاب الحاء، مادة:" حككت " 1/ 145، والقاموس المحيط، لفيروز آبادي، باب الكاف فصل الحاء، ص 1209.
(2)
انظر: شرح رياض الصالحين، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، 7/ 247، وبهجة الناظرين شرح رياض الصالحين للهلالي 2/ 101.
(3)
انظر: الحديث رقم: 1، الدرس الخامس، ورقم 32، الدرس الأول، ورقم 44، الدرس السادس.
أو أربع» (1).
ثانيا: من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين: ظهر في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى حال عبد الرحمن بن عوف والزبير رضي الله عنهما وحاجتهما إلى العلاج، فراعى أحوالهما وخصهما ومن كان مثل حالهما، فأجاز لهما لبس الحرير؛ للضرورة، وهذا يدل على معرفته صلى الله عليه وسلم بطب الأبدان كما كان عارفا بطب الأديان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهذين الصحابيين إلا لمنفعة (2).
وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يقول في ذكره لفوائد حديث الباب: " وهذا يدل على جواز لبس الحرير للعلاج، فالحرير محرم تحريما خاصا على الرجال، ويجوز لهم مقدار أربع أصابع فأقل، وهذا الحديث يدل على جوازه للعلاج للضرورة. أما المحرم تحريما عاما على الرجال والنساء، فلا يجوز العلاج به كالخمر "(3).
فينبغي للداعية أن يراعي أحوال المدعوين وييسر عليهم على ضوء ما أباح الله لهم عند الحاجة والضرورة (4).
ثالثا: العمل بالأسباب لا ينافي التوكل على الله عز وجل: إن العمل بالأسباب من التوكل على الله عز وجل؛ لأن التوكل يقوم على ركنين: العمل بالأسباب، واعتماد القلب على الله عز وجل؛ ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام في العلاج بالحرير من الحكة،
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه، 7/ 56، برقم 5828، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء وإباحة العلم ونحوه للرجال ما لم يزد على أربع أصابع، 3/ 1644، برقم 2069 واللفظ له.
(2)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 292، وبهجة النفوس، لعبد الله بن أبي جمرة، 3/ 129، وفتح الباري، لابن حجر، 6/ 101، وشرح رياض الصالحين، للعثيمين 7/ 348.
(3)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 2921 من صحيح البخاري.
(4)
انظر: الحديث رقم 19، الدرس الثالث، ورقم 58، الدرس السابع.
وهذا يدل على أن العمل بالأسباب لا ينافي التوكل؛ لأن سيد المتوكلين قد شرع الأخذ بالأسباب صلى الله عليه وسلم.
فينبغي للدعاة إلى الله عز وجل العمل بالأسباب مع الاعتماد على الله سبحانه وتعالى (1).
رابعا: أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه: ظهر في هذا الحديث أن سؤال المدعو عما أشكل عليه من الأمور المهمة؛ ولهذا عندما أصابت الحكة عبد الرحمن بن عوف والزبير رضي الله عنهما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهما بلبس الحرير من باب الضرورة والعلاج، وهذا يبيِّن أهمية السؤال عما أشكل ليجد المدعو الجواب والعلاج لما أصابه (2).
* * * *
(1) انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.
(2)
انظر: الحديث رقم 19، الدرس الرابع، ورقم 30، الدرس الرابع.