الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
باب من أتاه سهم غرب فقتله
[حديث يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى]
31 -
[2809] حَدَّثَنَا محَمَّد بْن عَبْد اللهِ: حَدَّثَنَا حسَيْن بْن محَمَّدٍ أَبو أحمَدَ: حَدَّثَنَا شَيْبَان، عن قَتَادَةَ: حَدَّثَنَا أنس بْن مَالِكٍ (1)«أَنَّ أمَّ الرّبيَّعِ بِنْتَ البَرَاء (2). وهي أمّ حَارثة بن سراقة (3). أتت النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالت: يَا نَبِيَّ اللهِ أَلَا تحَدّثنِي عَنْ حَارِثَةَ - وَكَانَ قتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَه سَهْم غَرب- فَإِن كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْت وإِنْ كَانَ غَيرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْت عَلَيْهِ فِي البكَاءِ، قَالَ: " يَا أمَّ حَارِثةَ إِنَّهَا جِنَان فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلى» (4).
* شرح غريب الحديث: * " سَهْم غرب " وهو الذي لا يدْرَى مَنْ رَمَى به ويقال: بالإِضافة " سَهْم
(1) أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث رقم 14.
(2)
أم الربيع بنت البراء أم حارثة بن سراقة، استشهد ابنها حارثة فحزنت، وقيل الربيع بنت النضر عمة أنس، ووقع في صحيح مسلم برقم 1675 عن أنس رضي الله عنه: أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا القصاص القصاص " وفي آخره " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره "، ويقال إنها الربيع بنت النضر كما ثبت في حديث أنس عند البخاري، برقم: 2806، ولكن فيه أنها كسرت ثنية امرأة. قال ابن حجر رحمه الله: " ولا يبعد تعدد القصة " انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 449 و 301 وقال النووي رحمه الله " إنهما قضيتان: أما الربيع الجارحة في رواية البخاري وأخت الجارحة في رواية مسلم فهي بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء، وأما الربيع الحالفة في رواية مسلم فهي بفتح الراء، وكسر الباء، وتخفيف الياء " شرح صحيح مسلم 11/ 175 ثم رجح ابن حجر رحمه الله تعالى أن ذكر أم الربيع بنت البراء عند جميع رواة البخاري وهم، وإنما هي الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك بن النضر، وهي أم حارثة بن سراقة بن الحارث، وقال: " والخطب فيه سهل ولا يقدح ذلك في صحة الحديث ولا في ضبط رواته " فتح الباري 6/ 26.
(3)
حارثة بن سراقة، بن الحارث بن عدي الأنصاري النجاري، وأمه الربيع التي تقدمت ترجمتها آنفا، استشهد يوم بدر كما ذكر البخاري، رحمه الله، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أصاب الفردوس الأعلى في الجنة رضي الله عنه. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 297، و 4/ 301، 449.
(4)
[الحديث 2809، أطرافه في: كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا، 5/ 12، برقم 3982. وكتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، 7/ 256، برقم 6550. و 7/ 259، برقم 6567.
(5)
من الطرف رقم 3982.
غَرْب " وقيل: هو بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح " سَهْم غَرَب " إذا رماه فأصاب غيره (1).
* " ويحك " كلمة تَرحّمٍ وتَوَجعٍ، تقال: لمن وقع في هلكة لا يستحقها، فيرثى له، ويتحزّن عليه " بويح "(2).
* " أَوَ هَبِلتِ " والمعنى أفقدتِ عقلكِ بفقد ابنكِ حتى جعلتِ الجنان جنة واحدة (3).
* " الفردوس ": هو البستان الذي فيه العنب والأشجار، ويجمع كل شيء من ثمار البساتين، والجمع فراديس، وفيه جنة الفردوس (4).
* " الجنة ": دار النعيم في الدار الآخرة، من الاجتنان: وهو الستر، لتكاثف أشجارها، وتظليلها بالتفاف أغصانها، وسميت بالجنة: وهي المرة الواحدة من مصدر جَنَّه جَنّا: إذا ستره، فكأنها سَتْرَة واحدة؟ لشدة التفافها وإظلالها (5).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه.
2 -
من صفات الداعية: الصبر.
3 -
من صفات الداعية: احتساب الأجر والثواب.
4 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
5 -
من أساليب الدعوة: الاستفهام الإِنكاري.
6 -
أهمية الخوف من عذاب الله عز وجل.
(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 260، والنهابة في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الغين مع الراء مادة:" غرب " 3/ 350.
(2)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 564، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الياء، مادة:" ويح " 5/ 235.
(3)
انظر: المرجع السابق، باب الهاء مع الباء، مادة:" هبل " 5/ 240.
(4)
انظر: المرجع السابق، باب الفاء مع الراء، مادة:" فردس " 3/ 427. وانظر: شرح غريب الحديث رقم 22 - 2790، ص 180.
(5)
" المرجع السابق، باب الجيم مع النون، مادة: " جنن " 1/ 307.
7 -
من أصناف المدعوين النساء.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه: في هذا الحديث سؤال أم الربيع للنبي صلى الله عليه وسلم عن ابنها حارثة وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم لها بما يسرها. وهذا يبين أهمية سؤال أهل العلم عن كل ما يشكل على الإِنسان حتى يكون على بصيرة من أمره (1).
ثانيا: من صفات الداعية: الصبر: دل الحديث على أن الصبر من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتصف بها الدعاة إلى الله عز وجل قال الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157](2) وقد بينت أم الربيع للنبي صلى الله عليه وسلم أنها ستصبر على ما أصيبت به من قتل ابنها حارثة رضي الله عنه (3).
ثالثا: من صفات الداعية: احتساب الأجر والثواب: في قول أم الربيع رضي الله عنها: " وأحتسب " دليل أن الاحتساب من الصفات التي يرغب فيها المؤمن، وخاصة الدعاة إلى الله، عز وجل، والإِنسان معرض للمصائب والأقدار المؤلمة، والمشاق والمتاعب، فينبغي للمؤمن أن يحتسب الثواب من الله عز وجل في كل ما يصيبه (4).
رابعا: من أساليب الدعوة: الترغيب: ظهر في هذا الحديث أسلوب الترغيب في قوله صلى الله عليه وسلم في شأن حارثة بن سراقة
(1) انظر: الحديث رقم 30، الدرس الرابع.
(2)
سورة: البقرة، الآيات:(155 - 157).
(3)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 27، الدرس الأول، ورقم 28، الدرس السادس.
(4)
انظر: الحديث رقم 27، الدرس الثاني.
رضي الله عنه: «إنها جنان كثيرة في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» وهذا يبين أن كل من خرج في سبيل الله عز وجل فقتل فهو شهيد، ولو برمية طائشة، وأن منازل الشهداء في الفردوس الأعلى (1) فينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يرَغِّبَ المدعوين، ويبيِّن لهم ما أعد الله لعباده في جنات النعيم؛ لأن معرفة ما أعده الله للمؤمنين في الجنة تهوِّن المصائب (2).
خامسا: من أساليب الدعوة: الاستفهام الإنكاري: إن الاستفهام الإِنكاري من الأساليب النافعة في الدعوة إلى الله، سبحانه وتعالى، وقد ظهر هذا الأسلوب في هذا الحديث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم الربيع:«ويحك أَوَهبلت؟ أوجنة واحدة هي؟» قال العلامة العيني رحمه الله: " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإِنكار، والواو للعطف "(3).
وهذا يبين للداعية أهمية أسلوب الاستفهام الإِنكاري في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عند الحاجة إليه (4).
سادسا: أهمية الخوف من عذاب الله عز وجل: إن الخوف من الله عز وجل وعذابه وانتقامه من أهم الصفات الحميدة التي ينبغي لكل مسلم أن يتصف بها وخاصة الدعاة إلى الله، عز وجل، وقد ظهرت هذه الصفة في هذا الحديث؛ لخوف أم الربيع رضي الله عنها على ابنها حارثة من عذاب الله عز وجل. قال ابن العربي رحمه الله في فوائد هذا الحديث: " حمل أم حارثة كثرة الإِشفاق على الخوف عليه وقد مات مجاهدا مسلما، فلم تقنع بهذا الظاهر، مخافة من العذاب بذنوبه، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم اليقين بنجاته (5).
وينبغي للداعية أن يقرن الخوف بالرجاء: يخاف الله، ويرجو ثوابه ورحمته
(1) انظر: منار القاري، في شرح مختصر صحيح البخاري، لحمزة محمد قاسم، 4/ 89.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر، ورقم 19، الدرس الأول.
(3)
عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 17/ 95.
(4)
انظر: الحديث رقم 4، الدرس الرابع.
(5)
" عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 6/ 257.
ورضوانه، وقد بين الله عز وجل أن ذلك من صفات المؤمنين فقال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 57 - 58](1) وقال عز وجل: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57](2).
سابعا: من أصناف المدعوين: النساء: لا شك أن الداعية يدعو إلى الله عز وجل جميع أصناف الناس، ولكن المقصود: هو استخراج فوائد الحديث الدعوية وإبرازها للاستفادة منها، فقد دل هذا الحديث على أن النساء من أصناف المدعوين؛ ولهذا بين صلى الله عليه وسلم لأم الربيع ما أعده الله لابنها من الكرامة والفوز العظيم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعظ النساء ويذكرهن، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة منهن جزلة: ما لنا يا رسول الله، أكثر أهل النار؟ قال: " تكثرن اللعن وتكفرن العشير» (3).
فينبغي للداعية أن يعتني بأصناف المدعوين ويخاطب كلا على قدر فهمه وعقله، ولكن عليه أن ينتبه للضوابط الشرعية، فلا يخلو بالمرأة غير المحرم، ولا ينظر إلى ما حرم الله عليه، ولا يعرّض نفسه للتهم والريب، ومواطن الشبه.
(1) سورة المؤمنون، الآيتان:(57 - 58).
(2)
سورة الإسراء، الآية:(57).
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، 1/ 90، برقم 304، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقص الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق، 1/ 86، برقم 79.