الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
بَاب الوصِيَّة بالثلثِ
وقال الحسن: لا يجوز للذمي وصية إلا بالثلث، وقال الله عز وجل:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49](1).
[حديث الثلث والثلث كثير]
5 -
[2743] حَدَّثَنَا قتيبَة بن سَعيدٍ: حَدَّثَنَا سفيان عَن هِشَامٍ، عَنْ عرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ (2) رضي الله عنهما قَالَ: لَوْ غَضَّ النَّاس إِلى الرّبْعِ، لأَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:«الثلث والثّلث كَثيرٌ» (3).
* شرح غريب الحديث: * لو غض الناس: لو نقصوا وحطوا من الثلث واقتصروا على الربع، و " لو " للتمني فلا يحتاج إلى جواب، وإن قيل إنها شرطية فيكون جوابها محذوفا تقديره: لكان أولى (4).
(1) سورة المائدة، الآية:49.
(2)
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم أبو العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بشعب بني هاشم حين حاصرتهم قريش فيه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وانتقل مع أبويه إلى دار الهجرة عام الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فقد صح عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين: أنا من الولدان وأمي من النساء، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاثين شهرا، ودعا له بالفقه في الدين والعلم بالتأويل فقال:" اللهم فقهه في الدين "، وفي لفظ:" اللهم علمه الحكمة "، وفي لفظ:" اللهم علمه الكتاب "، [انظر: البخاري مع الفتح 7/ 100، 13/ 245، 1/ 169، 244، ومسلم 4/ 1927].
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم علم كثيرا، وهو أكثر الصحابة رضي الله عنهم فتوى، وقد روِيَ له عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف وستمائة وستون حديثا " 1660 " اتفق البخاري ومسلم على خمسة وتسعين منها، وانفرد البخاري بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين، وروى العلم عنه خلق كثير، ذكر منهم في التهذيب مائة وسبعة وتسعين نفسا " 197 "، قال عبد الله بن عبد الله بن عتبة: ما رأيت أحدا أعلم من ابن عباس بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقضاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولا أفقه منه، ولا أعلم بتفسير القرآن، وبالعربية والشعر، والحساب والفرائض. وكان يجلس يوما للفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازي، ويوما للشعر، ويوما لأيام العرب، وما رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له، ولا سائلا سأله إلا وجد عنده علما، توفى: النبي صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث عشرة سنة، وقيل عاش إحدى وسبعين سنة، توفي بالطائف سنة ثمان وستين، وقيل سنة سبع وستين، وقيل تسع وستين رضي الله عنهما. [انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 274، وسير أعلام النبلاء للذهبي، 3/ 331 - 359، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر 2/ 330].
(3)
وأخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، 3/ 1253، برقم 1629.
(4)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين لمحمد بن أبي نصر الحميدي، ص 150 وجامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير 11/ 632، وفتح الباري لابن حجر، 5/ 370 وعمدة القاري للعيني، 14/ 36، وشرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 62.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: الرحمة.
2 -
من صفات الداعية: الفهم والفقه.
والحديث عن هذين الدرسين والفائدتين الدعويتين على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: الرحمة: لا شك أنه ينبغي للداعية إلى الله تعالى أن يعطف على المدعوين ويرحمهم، وهذه صفة عظيمة من صفات الدعاة إلى الله تعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» (1) وقال صلى الله عليه وسلم:«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (2) وقال: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» (3) ". . . «إن أبعد الناس من الله القلب القاسي» (4).
وتظهر الرحمة في هذا الحديث أن ابن عباس رضي الله عنهما رغب أن يغض الناس من الوصية بالثلث إلى الربع رحمة بورثتهم ورغبة في الإِحسان إليهم حتى لا يتكففون الناس؛ ولأن الصدقة عليهم أفضل من غيرهم؛ لأنهم أولى بها من غيرهم.
ثانيا: من صفات الداعية: الفهم والفقه: الفقه لغة: العلم بالشيء والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لسيادته وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم (5)؛ ولهذا في دعا صلى الله عليه وسلم لابن عباس
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى قلِ ادْعوا اللَّهَ أَوِ ادْعوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعوا فَلَه الْأَسْمَاء الْحسْنَى [الإسراء: 110]، 8/ 208، برقم 7376، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمة الصبيان والعيال 4/ 1809، برقم 2319.
(2)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة 4/ 285، برقم 4941، والترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين 4/ 324، برقم 1924، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/ 180.
(3)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة 4/ 286، برقم 4942، والترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين 4/ 323، برقم 1923، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 2/ 180.
(4)
الترمذي، كتاب الزهد، باب 61، 4/ 607، برقم 2411، وحسنه عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه للأذكار للنووي ص 285.
(5)
انظر: لسان العرب، لابن منظور، 13/ 522، مادة " فقه "، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 1614.
رضي الله عنهما بالفقه فقال: «اللهم فقهه في الدين» (1) والمعنى اللهم فَهِّمْه الدين؛ والفقه: الفهم كما قال تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122](2) أي ليكونوا علماء به. وهذه الصفة العظيمة مهمة للداعية، وقد رزق الله ابن عباس الفقه في الدين استجابة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على فقهه ما قاله في هذا الحديث:" لو غض الناس إلى الربع "؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث والثلث كثير» قال ابن دقيق العيد رحمه الله في قول ابن عباس رضي الله عنهما: " لو غض الناس إلى الربع ": قد استنبطه ابن عباس من لفظ " كثير "(3) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله " وكأن ابن عباس رضي الله عنهما أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم: الثلث بالكثرة "(4).
وهذا يدل على فقه ابن عباس رضي الله عنهما، ولا غرابة فهو حبر الأمة، ويدل على أهمية الفقه للداعية إلى الله تعالى، فعلى الداعية أن يسأل الله عز وجل الفقه في الدين، وأن يتحصن بالعلم الشرعي: علم الكتاب والسنة.
* * * *
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء 1/ 51، برقم 143، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل ابن عباس رضي الله عنهما 4/ 1927، برقم (2477).
(2)
سورة التوبة، الآية:122.
(3)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد 2/ 164.
(4)
فتح الباري 5/ 370.