الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 -
باب إذا تصَدَّقَ أَوْ وَقَفَ بَعْضَ مَالِهِ أوْ بَعضَ رَقِيقهِ أَوْ دَوابِّهِ فهوَ جَائِز
[حديث أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك]
9 -
[2757] حَدَّثَنَا يَحيىَ بْن بكَيْرٍ: حَدَثَنَا اللَّيْث، عَنْ عقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ قَالَ: أَخْبَرني عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سمِعْت كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ (1) رضي الله عنه يقول: «قلْت: يَا رَسولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أنخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَة إِلَى اللهِ وَرَسولِهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْض مَالِكَ فَهوَ خَيْر لَكَ " قلْت: فَإِنِّي أمْسِك سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ» (2).
(1) كعب بن مالك بن عمرو بن القين، الأنصاري، الخزرجي، العَقَبيّ الأحدي، شاعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلّفوا فتاب الله عليهم، شهد العقبة، وأحدا، وسائر المشاهد إلا بدرا وتبوك، وقد أسلمت دوس بفضل الله تعالى ثم خوفا من بيت قاله كعب:
قضينا من تهامة كل ريب
…
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت
…
قواطعهن دوسا أو ثقيفا
له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانون حديثا، وقيل ثلاثون، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين، جرح كعب يوم أحد أحَدَ عشر جرحا في سبيل الله، توفي بالمدينة رضي الله عنه في زمن معاوية رضي الله عنه سنة ثلاث وخمسين، وقيل خمسين رضي الله عنه.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 69، وسير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 523 - 530، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 302.
(2)
الحديث [2757] أطرافه في كتاب الجهاد والسير، باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس، 4/ 7 برقم 2947، 2948، 2949، 2950، وباب الصلاة إذا قدم من السفر، 4/ 50 برقم 3088، وكتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 4/ 200 برقم 3556، وكتاب مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة، 4/ 302 برقم 3889، وكتاب المغازي، باب قصة غزوة بدر، 5/ 5 برقم 3951، وباب حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خلِّفوا 5/ 151 برقم 4418، وكتاب التفسير سورة براءة، باب قوله: سَيَحْلِفونَ بِاللَّهِ لَكمْ إِذَا انْقَلَبْتمْ إِلَيْهِمْ لِتعْرِضوا عَنْهمْ فَأَعْرِضوا عَنْهمْ إِنَّهمْ رِجْس وَمَأْوَاهمْ جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانوا يَكْسِبونَ 5/ 247 برقم 4673، وباب قوله: لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعوه فِي سَاعَةِ الْعسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغ قلوب فَرِيقٍ مِنْهمْ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّه بِهِمْ رَءوف رَحِيم 5/ 248 برقم 4676، وباب وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خلِّفوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الْأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفسهمْ وَظَنّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتوبوا إِنَّ اللَّهَ هوَ التَّوَّاب الرَّحِيم 5/ 249 برقم 4677، وباب يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا اتَّقوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصَّادِقِينَ 5/ 250 برقم 4678، وكتاب الاستئذان، باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي؛ وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلموا على شربة الخمر 7/ 172 برقم 6255، وكتاب الأيمان والنذور، باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة، 7/ 293 برقم 6690، وكتاب الأحكام، باب هل للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه 8/ 162 برقم 7225.
وأخرجه مسلم، في كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه 4/ 2120 برقم 2769.
وفي رواية: قَالَ: «سَمِعْت كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يحَدِّث حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبوكَ قالَ كَعْب: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبوكَ غَير أني كنت تَخَلَّفْت فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ولم يعَاتِبْ أَحَدا تَخَلَّفَ عَنْهَا. إِنَّمَا خَرَجَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يرِيد عِيرَ قرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهمْ وَبيْنَ عَدوِّهِمْ عَلَى غَيرِ ميعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْت مَعَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَة حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإسلام، ومَا أحِبّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْر أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. كَانَ مِنْ خَبَرِي أني لَمْ أَكنْ قَطّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْت عَنْه فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ. وَاللهِ مَا اجتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَه رَاحِلَتَانِ قَطّ حَتَّى جَمَعْتهمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكنْ رَسول اللهِ يرِيد غَزْوَة إِلَّا وَرَّى بِغَيْرهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَة غَزَاهَا رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَل سَفرا بَعِيدا وَمَفَازا وَعَدوّا كَثِيرا. فَجَلَّى لِلْمسْلِمِينَ أمرَهم ليتأَهَّبوا أهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهمْ بِوَجْههِ الَّذِي يرِيد وَالْمسْلِمونَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كثِير، وَلَا يَجْمَعهمْ كتاب حَافِظ - يرِيد الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْب: فَما رَجل يرِيد أَنْ يَتَغَيَّبَ إلَّا ظَنَّ أنْ سَيَخْفَى لَه مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْي اللهِ، وَغَزَا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَار وَالظِّلَال. وَتَجَهَّزَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسْلِمونَ مَعَه، فَطَفِقْت أَعْدو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعَهمْ فَأَرْجِع وَلَمْ أقْضِ شَيْئا فَأَقول في نَفْسِي: أَنا قَادِر عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدّ، فَأَصْبَحَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم والْمسْلِمونَ مَعَه، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئا فَقلْت: أتَجَهَّز بعْدَه بِيَوْمٍ أَو يومَينِ؟ ثم أَلْحَقهمْ فَغَدَوْت بَعْدَ أَنْ فَصَلوا لأتَجَهَّزَ، فَرَجَعْت وَلَمْ أقْضِ شَيْئا ثمَّ غَدَوْت ثمَّ رَجعت وَلَمْ أَقْضِ شَيْئا. فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أسْرَعوا وَتَفَارَطَ الْغَزْو، وَهَمَمْت أَنْ أَرْتَحِلَ فَأدْرِكَهمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْت، فَلَمْ يقَدَّرْ لِي ذلِكَ، فكنْت إِذَا خَرَجْت فِي النَّاسِ بَعْدَ خروجِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَطفْت فِيهِمْ أحزَنَنِي أنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجلا مَغْموصا عَلَيْهِ النِّفَاَق، أَوْ رَجلا مِمَّنْ عَذَرَ الله مِنَ
الضّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكرْنِي رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بَلَغَ تَبوكَ فَقَالَ وَهْوَ جَالِس فِي الْقَوْم بتَبوكَ:" مَا فَعَلَ كَعب؟ ". فَقالَ رَجل مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسولَ اللهِ حَبَسَه برْدَاه ونَظَره فِي عِطْفَيهِ، فَقَالَ معَاذ بْن جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قلْتَ، وَاللهِ يَا رَسولَ اللهِ مَا عَلِمناَ علَيْهِ إلّا خَيْرا، فَسَكَتَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ كَعْب بْن مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنه تَوَجَّهَ قافِلا حَضَرنِي هَمِّي، فَطَفِقْت أتَذَكَّر الْكَذِبَ وَأقول: بِمَاذَا أخْرج مِنْ سَخَطِهِ غَدا، واسْتَعَنْت عَلى ذَلِكَ بِكلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أظَلَّ قادِما زَاحَ عَنّي الْبَاطِل وَعَرَفْت أني لَنْ أَخْرجَ مِنْه أبَدا بشَيْءٍ فِيهِ كَذِب فَأَجْمَعْت صدْقَه، وَأصْبَحَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قادِما، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفرٍ بَدَأ بِالْمَسْجِدِ فيركع فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَه الْمخَلَّفونَ، فَطَفِقوا يَعْتَذِرونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفونَ لَه وَكَانوا بِضْعَة وَثَمَانِينَ رَجلا فَقَبِلَ مِنْهمْ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهمْ وَبَايَعَهمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهمْ إِلَى اللهِ، فجِئْته فَلَمّا سلَّمْت عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تبَسّمَ الْمغْضَبِ ثمَّ قَال:" تَعَالَ " فَجِئْت أَمْشِي حَتَّى جَلَسْت بيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: " مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تكنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَك؟ " فَقلْت: بَلَى، إنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْت عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدّنْيَا لَرَأَيْت أنْ سَأَخْرج مِنْ سَخَطِهِ بِعذْرٍ ولَقَدْ أعْطِيت جَدَلا، وَلَكِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْت لَئِنْ حَدَّثْتكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ ترْضَى بِهِ عَنِّي لَيوشِكَنَّ الله أنْ يسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِد عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لأَرْجو فِيهِ عَفْوَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عذْرٍ، وَاللهِ مَا كنْت قطّ أقْوَى وَلَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْت عَنْكَ، فَقَال رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله فِيكَ " فَقمْت وَثَارَ رِجَال مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعوني فقَالوا لِي: وَالله مَا عَلِمْنَاكَ كنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْبا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أنْ لَا تَكون اعْتَذَرْتَ إلَى رَسولِ اللهِ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمتَخَلِّفونَ قد كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَار رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَاللهِ مَا زَالوا يؤَنِّبونَنِي حَتَّى أرَدْت أنْ أرْجِعَ فَأكَذِّبَ نَفْسِي،
ثم قلْت لَهمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعي أحد؟ قَالوا: نَعَمْ، رَجلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قلْتَ فقيل لَهمَا مِثْل مَا قِيلَ لَكَ، فَقلْت: مَنْ همَا؟ قَالوا: مرَارَة بْن الرَّبيعِ الْعَمْرِيّ، وَهِلَال بْن أمَيَّةَ الْوَاقِفِيّ، فَذَكَروا لِي رَجلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرا فِيهمَا أسوَة فمضيت حِينَ ذكروهمَا لِي، وَنَهَى رَسول الله صلى الله عليه وسلم الْمسْلِمِينَ عَنْ كلَاَمِنَا أيّهَا الثلاثة مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْه، فَاجْتَنَبَنَا النَّاس، وَتَغَيّروا لَنَا حَتَّى تَنكَّرَتْ فِي نفسِي الْأَرْض فَمَا هِيَ الَّتِي أعْرِف، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَة، فَأَمَّا صَاحِبَاي فاسْتكَانَا وَقَعَدَا فِي بيوتهِمَا يبكِيَانِ، وَأمَّا أنا فَكنْت أشَبَّ الْقَوْمِ وأجلَدَهمْ، فَكنْت أخْرج فَأَشْهَد الصَّلَاةَ مَعَ الْمسْلِمِينَ وَأطوف فِي الأَسْوَاقِ، ولَا يكَلّمنِي أحد وآتِي رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأسَلِّم عَلَيْهِ، وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فأَقول فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثمَّ أصلِّي قَرِيْبا مِنْه فأسَارِقه النَّظَرَ، فَإذَا أقْبَلْت عَلَى صَلَاتِي أقْبَلَ إِلَيَّ، وَإذَا الْتَفَتّ نَحْوَه أعْرَضَ عني حَتّى إذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْت حَتَّى تَسَوَّرْت جِدَارَ حَائِطِ أبِي قتادَةَ - وَهْوَ ابْن عَمِّي، وَأحَبّ النَّاسِ إلَيَّ- فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقلْت: يَا أبَا قَتَادَةَ أَنشدكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمنِي أحِبّ اللهَ وَرَسولَه؛ فَسَكَتَ فعدت لَه فَنَشدته فَسَكَتَ، فَعدْت لَه فَنَشَدْته فَقَالَ: الله وَرَسوله أعْلَم، فَفَاضَتْ عينَايَ وَتَوَلَّيْت حَتَّى تَسَوَّرْت الْجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أنا أمْشِي بِسوقِ الْمَدِينَةِ إذَا نبَطِيّ مِنْ أنبَاطِ أهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعه بِالْمَدينَةِ يَقول: مَنْ يَدلّ عَلَى كعبِ بْنِ مَالِكِ؟ فَطَفِقَ النّاس يشِيرونَ لَه حَتَّى إذَا جَاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كِتَابا مِنْ مَلِكِ غَسانَ فإذا فِيهِ: أمَّا بعد فَإنه قَدْ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ الله بدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نوَاسِكَ، فَقلْت لَمَّا قَرَأْتهَا: وَهَذَا أيْضا مِنَ البَلَاءَ، فتيَمَّمْت بِهَا التَّنّورَ فَسَجَرْته بِهَا حَتَّى إِذَا مَضتْ أرْبَعونَ لَيلَة مِنَ الْخَمْسِينَ إذَا رَسول رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمركَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ،
فَقلت: أطَلِّقهَا أمْ مَاذَا أَفْعَل؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا، وَأرْسَلَ إلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقلْت لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكوني عِنْدَهمْ حَتَّى يقْضِيَ الله فِي هَذَا الأَمْرِ، قَالَ كَعب: فَجَاءَتِ امْرَأَة هِلَال بْنِ أمَيَّةَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللهِ، إنَّ هِلَالَ بنَ أمَيَّةَ شَيْخ ضَائِع لَيْسَ لَه خَادِم فَهَلْ تَكْرَه أنْ أَخْدمَه؟ قَالَ:" لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبكِ " قَالَتْ: إِنَّه وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي منْذ كَانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كَانَ إلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْض أهْلِي لوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم في امْرَأَتِكَ كَمَا أذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أمَيَّةَ أنْ تَخْدمَه، فَقلْت: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِن فِيهَا رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومَا يدْرِينِي مَا يَقول رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَأْذَنْته فِيهَا وَأنا رَجل شابّ فَلَبِثْت بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَال، حَتَّى كَملَتْ لَنَا خمْسونَ لَيْلَة مِنْ حِينَ نَهَى رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْت صَلَاةَ الْفَجْرِ صبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَة وَأنا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بيوتِنَا فَبَيْنَا أنا جَالِس عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْض بِمَا رَحبَتْ، سَمِعْت صَوْتَ صَارخٍ أوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قالَ: فَخَرَرْت سَاجِدا وَعَرَفْت أنْ قَدْ جَاءَ فَرَج وآذَنَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بتَوْبَة اللهِ علَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاس يبَشِّرونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مبَشِّرونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجل فَرَسا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْت أسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْت صَوْتَه يبَشِّرنِي نزَعْت لَه ثَوْبَيَّ فَكَسَوْته إِيَّاهمَا بِبشْرَاه، وَاللهِ مَا أمْلِك غَيْرَهمَا يَوْمَئِذٍ واسْتَعَرْت ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتهمَا وانطَلَقْت إِلَى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَلَقَّانِي النَّاس فَوْجَا فَوْجَا يهنئوني بِالتَّوْبَة، يَقولونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَة اللهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْب: حَتَّى دَخَلْت المَسْجِد فَإذَا رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم جالِس حَوْلَه النَّاس، فَقَامَ إِلَيَّ طلحَة بْن عبَيْدِ اللهِ يهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأنِي وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجل مِنَ الْمهَاجِرِينَ غَيْره، وَلَا أنْسَاهَا
لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْب: فَلَمَّا سَلَّمْت عَلَى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهوَ يَبْرق وَجْهه مِنَ السّرورِ: " أبْشِرْ بِخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ منْذ وَلَدَتْكَ أمّكَ " قَالَ: قلْت: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ قَالَ:" لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " وَكَانَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سرَّ اسْتَنَارَ وَجْهه حَتَّى كَأَنَّه قِطْعَة قَمَرٍ، وَكنَّا نَعْرِف ذَلِكَ مِنْه فَلَمَّا جَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ قلْت يَا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَة إلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهوَ خَيْر لَكَ " قلْت: فَإنِّي أمْسِك سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقلْت: يَا رَسولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أحَدِّثَ إِلَّا صِدْقا مَا بَقِيت، فوَاللَّهِ مَا أَعْلَم أحَدا مِنَ الْمسْلِمِينَ أَبْلَاه اللَّه فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ منْذ ذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ مِمَّا أبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْت منْذ ذَكرْت ذَلِكَ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبا وَإِنِّي لَأَرْجو أنْ يَحْفَظَنِي اللَّه فِيمَا بَقِيت، وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَى رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 117] إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّه علَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي لِلإِسْلَامِ أعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَكونَ كَذَبْته فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ للَّذِينَ كَذَبوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تبارك وتعالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ - يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95 - 96] قَالَ كَعب: وَكنَّا تَخَلَّفْنَا أَيّهَا الثَّلاثة عَنْ أمْرِ أولَئِكَ الذِينَ قَبِلَ مِنْهمْ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حِلَفوا لَه، فَبَايَعَهمْ وَاستَغْفَرَ لَهمْ وَأَرْجَأَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّه فِيهِ فبِذَلِكَ قَالَ اللَّه:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] وَلَيْسَ الَّذِي
ذَكَرَ الله مِمَّا خلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ وَإِنَّمَا هوَ تَخْلِيفه إِيَّانَا وَإِرْجَاؤه أمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ له واعْتَذَر إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْه.» (1).
وفي رواية: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبوكَ وَكَانَ يحِبّ أَنْ يخْرجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ.» (2).
وفي رواية: عَن عَبْد اللهِ بْنِ كَعْب قَالَ سَمِعْت أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَهوَ أَحَد الثَّلاثة الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهمْ أَنه لَم يَتَخَلَّفْ عَن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعسْرَةِ وغزْوَةِ بَدْرٍ قَالَ: «فَأَجْمَعْت صِدْق رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ضحى وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَم مِنْ سفَرٍ سَافَرَه إلَّا ضحى، وَكَانَ يَبْدَأ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَع ركْعَتَيْن وَنَهَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِي وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْمتَخَلِّفَينَ غَيْرِنَا، فَاجْتَنبَ النَّاس كَلَامَنَا، فَلَبِثْت كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْر، ومَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَموتَ فَلَا يصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أوْ يَموتَ رَسول اللهِ فَأَكونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلة فَلَا يكَلِّمنِي أَحد مِنْهمْ وَلَا يصَلِّي عَلَيَّ، فأَنزَلَ الله تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بقي الثلث الآخِر مِنَ اللَّيْلِ وَرَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْدَ أمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ أمّ سَلَمَةَ محْسِنَة فِي شَأْنِي مَعْنِيَّة فِي أَمْرِي، فَقَالَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ قَالَتْ: أَفَلَا أرْسِل إِلَيْهِ فَأبَشِّره قَالَ إِذا يَحْطِمَكم النَّاس فَيَمْنَعونَكم النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَة، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ آذَنَ بِتَوْبَة اللهِ عَلَينَا» (3).
وفي رواية: " أن عبد الله بن كعب قَالَ سَمِعْت كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يحَدِّث حِينَ تخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبوكَ بطولِهِ قَالَ ابْن بكَيرٍ فِي حَديثِهِ: «وَلَقَدْ شَهدْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإسلام وَمَا أحِبّ أنَّ لي بِهَا مَشْهَدَ
(1) الطرف رقم 4418.
(2)
من الطرف رقم 2950.
(3)
من الطرف رقم 4677.
بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدر أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا» (1).
* شرح غريب الحديث * " عير قريش ": الإبل التي تحمل الميْرة -أي تحمل الطعام والشراب- وقيل: هي القافلة (2).
* " ليلة العقبة ": وهي التي بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار على الإسلام والإيواء والنصرة، وذلك قبل الهجرة، والعقبة: هي التي في طريق منى التي تضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين، كانوا في السنة الأولى اثني عشر، وفي الثانية سبعين، كلهم من الأنصار (3).
* " تواثقنا ": أخذ بعضنا على بعض الميثاق، وتعاهدنا، وتعاقدنا، لَمَّا تبايعنا على الإسلام والجهاد (4).
* " وما أحب أن لي بها مشهد بدر "؛ لأن من شهد بدرا وإن كان فاضلا بسبب أنها أول غزوة نصِرَ فيها الإسلام، لكن بيعة العقبة كانت سببا في فشوِّ الإسلام، ومنها نشأ مشهد بدر، وكان كعب من أهل العقبة الثانية وقد عقد ثالثة كما ذكر ابن حجر رحمه الله (5).
* " وإن كانت بدر أذكر في الناس ": أي أعظم وأكثر ذكرا في الناس من بيعة العقبة (6).
* " ومفازا ": أي بَرِّيَّة طويلة قليلة الماء يخاف فيها الهلاك (7).
(1) من الطرف رقم 3889.
(2)
لسان العرب، لابن منظور، باب الراء، فصل العين 4/ 624، وانظر: عمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(3)
انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الباء، فصل العين، 1/ 621، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، 16/ 229، وعمدة القاري، للعيني، 18/ 52.
(4)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الثاء، مادة:" وثق " 5/ 151، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 117، وعمدة القاري للعيني: 18/ 52.
(5)
انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الدال، فصل الشين، 3/ 241، وفتح الباري لابن حجر، 7/ 221، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(6)
انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الراء، فصل الذال، 4/ 311، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 117، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(7)
انظر: غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 109، وشرح النووي على صحيح مسلم 17/ 94.
* " فَجَلَّى ": بفتح وتشديد اللام ويجوز تخفيف اللام: أي كشف وبيَّن وَأَوْضَح (1).
* " إلا ورَّى بغيرها ": معنى " ورّى " ستر، وتستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره، أي أوهم أنه يريد غيرها (2).
* " أهبة غزوهم ": الأهبة تجهيز ما يحتاج إليه في السفر والحرب والاستعداد لذلك (3).
* " فطفقت ": من أفعال المقاربة ومعناه: أخذت في الفعل (4).
* " حتى اشتدَّ بالناس الجد ": أي اشتد بالناس اشتداد الجد، والاجتهاد في أمر السفر (5).
* " جَهازي ": وهو الأهبة وعدة السفر (6).
* " تفارط الغزو " أي فات وسبق، وأسرع (7).
* " مغموصا عليه النفاق ": مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق، وقيل: مستحقرا (8).
* " رجل من بني سلمة ": هو عبد الله بن أنيس رضي الله عنه (9).
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الجيم مع اللام، مادة:" جلا " 1/ 290، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 94، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة:" ورا " 5/ 177، وأعلام الحديث للخطابي، 2/ 1411، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، 12/ 192، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 113، 8/ 117، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(3)
انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب الهمزة، فصل الباء، ص 77، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 95، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 117، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(4)
انظر: غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 41، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(5)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الجيم مع الدال، مادة:" جدد " 1/ 244، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 118، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(6)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 132، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(7)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 109، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 118، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(8)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 118، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(9)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 94، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 118، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 2/ 278.
* " حبسه برداه ": البرْد والبردة: نوع من الثياب معروف، والجمع أبراد وبرود، والبردة الشملة المخططة، وقيل كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب، وجمعها برَد (1).
* " والنظر في عِطفيه ": أي جانبيه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه، ولباسه، وقيل: كني بذلك عن حسنه وبهجته، والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عِطفا، لوقوعه على عطفي الرجل (2).
* " قافلا ": راجعا (3).
* " قد أظل قادما ": قد دنا قدومه وأقبل (4).
* " أجمعت صدقه ": عزمت عليه، وجزمت بذلك، وعقدت عليه قصدي (5).
* " وكانوا بضعة وثمانين رجلا ": البضعة في العدد ما بين الثلاثة إلى التسعة، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة (6).
* " ابتعت ظهرك ": اشتريت راحلتك (7).
" أعطيت جَدَلا ": فصاحة وقوة في كلام وبراعة، بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إليّ إذا أردت، بما يقبل ولا يرد. (8).
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، حرف الباء مع الراء، مادة:" برد " 1/ 116.
(2)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 94، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 118، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(3)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 96.
(4)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 96، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(5)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 96، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 119، وعمدة القاري للعيني، 18/ 52.
(6)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الباء مع الضاد، مادة:" بضع " 1/ 133، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(7)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الظاء مع الهاء، مادة:" ظهر " 3/ 166، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(8)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الجيم مع الدال، مادة:" جدل " 1/ 248، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 97، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 119، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
* " ليوشِكنّ الله ": ليسرعنَّ: أي ليعجلنَّ الله (1).
* " تجِد عليَّ فيه ": تغضب علي فيه (2).
* " ثار رجال ": وثبوا (3).
* " يؤنبونني ": يلومونني أشد اللوم وأعنفه (4).
* " استكانا ": خضعا (5).
* " أشب القوم وأجلدهم ": أصغرهم سنا وأقواهم (6).
* " فأسارقه النظر ": أنظر إليه في خفية (7).
" تسورت حائط أبي قتادة ": علوت سور بستانه وصعدته (8).
* " جفوة الناس ": إعراضهم (9).
* " حائط أبي قتادة وهو ابن عمي ": ذكر أنه ابن عمه لكونهما معا من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه (10).
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الشين، مادة:" وشك " 5/ 189، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 97، وعمدة القاري للعيني 18/ 53.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الجيم، مادة:" وجد " 5/ 155، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 97، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 119، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(3)
انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب الراء، فصل الثاء، ص 459، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 97، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 119، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(4)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 97، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 119، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(5)
انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب النون، فصل الكاف، ص 1585، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 98.
(6)
انظر: المقاييس في اللغة لابن فارس، كتاب الشين، مادة:" شبب "، ص 522، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 89.
(7)
انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب القاف، فصل السين، ص 1154، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 120.
(8)
انظر: غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 110، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 98.
(9)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الجيم مع الفاء، مادة:" جفا " 1/ 281، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 120.
(10)
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 4/ 158، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 120.
* " أنشدك بالله ": أسألك بالله (1).
* " نبطي من أنباط الشام ": نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه، وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، وقيل: النبط والأنباط، فلاحوا العجم (2).
* " ملك غسان ": قيل: جَبَلَة بن الأَيْهَمَ، وقيل: الحارث ابن أبي بشر، وقيل: جندب بن الأيهم (3).
* " لم يجعلك الله بدار هوان ": دار ذل وصغار (4).
* " نواسِك ": نشاركك فيما عندنا (5).
* " يممت بها التنور ": قصدت بها، والتنور هو ما يخبز فيه (6).
* " فسجرت ": أو قدت (7).
* " سلع ": جبل معروف بالمدينة. (8).
* " فأوفى ": أشرف وأطلع (9).
* " إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ": " هو خزيمة بن ثابت "(10).
* " آذن ": أعلم (11).
(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي، ص 43، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، 16/ 224.
(2)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 461، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 99، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 121.
(3)
انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 3/ 532، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 121، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(4)
انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب النون، فصل الهاء، ص 1600، وفتح الباري لابن حجر 8/ 121، وعمدة القاري للعيني، 18/ 53.
(5)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 111، وشرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 99.
(6)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 111، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 121.
(7)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع الجيم، مادة:" سجر " 2/ 343.
(8)
انظر: تفسير غريب في الصحيحين للحميدي، ص 111، وعمدة القاري للعيني، 18/ 54.
(9)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الفاء، مادة:" وفا " 5/ 211، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 121.
(10)
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 1/ 425.
(11)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 65، وفتح الباري لابن حجر 8/ 121.
* " استنار وجهه كأنه قطعة قمر ": أي الموضع الذي يبين فيه السرور، وهو جبينه. وهذا تشبيه بما في القمر من الضياء والاستنارة (1).
* " يحطمكم الناس ": أي يجتمعون عليكم ويتكالبون، فيشغلونكم عن التصرف، فجعل ذلك كالحطْمِ: وهو الكسر، والعنت والمشقة. (2).
* " سعى ساعٍ من أسلم ": هو حمزة بن عمرو، ونزع له كعب ثوبيه (3).
* " والله ما أملك غيرهما ": يريد جنس الثياب، وإلا فقد كان عنده راحلتان (4).
* " فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله ": أي أنعم عليه (5).
* " أرْجَأَ ": أخَّر (6).
* {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] أي أخِّرت توبتهم، وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العمري: نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وهلال بن أمية الواقفي، نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس (7).
* " أنخلع من مالي ": أخرج منه وأتصدق (8).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية منها:
1 -
من صفات الداعية: التحدث بنعم الله تعالى.
(1) انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الراء، فصل النون، 5/ 240 وفتح الباري لابن حجر، 6/ 574، و 8/ 122.
(2)
تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي، ص 111.
(3)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي، 1/ 169، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 122.
(4)
فتح الباري لابن حجر، 8/ 122.
(5)
انظر: غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 358، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الباء مع اللام، مادة:" بلا " 1/ 155.
(6)
انظر: غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 111.
(7)
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 3/ 396، 3/ 606، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 123.
(8)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الخاء مع اللام، مادة:" خلع " 2/ 65، وشرح الكرماني على صحيح البخاري 16/ 227.
2 -
من صفات الداعية: قوة الإيمان ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
3 -
من صفات الداعية: الرحمة والشفقة على المؤمنين والفرح بما يسرهم.
4 -
أهمية الصدق وأثره في حياة الداعية.
5 -
أهمية اغتنام فرص الخير قبل حرمانها.
6 -
أهمية الأخذ بالظاهر وقبول أعذار المدعوين.
7 -
من صفات الداعية: الحرص على حسن الخاتمة.
8 -
أهمية الصبر على مشاق الدعوة والابتلاء.
9 -
من أساليب الدعوة: التهنئة والتبشير للمدعو والسرور بما يسره.
10 -
إيثار طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة القريب.
11 -
عناية الداعية بالمتخلفين عن الطاعة.
12 -
تأديب المدعو بالهجر إذا اقتضت المصلحة ذلك.
13 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
14 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من المعاصي وبيان عظم أمرها.
15 -
أهمية المداومة على الخير.
16 -
من أساليب الدعوة: إخبار الداعية عن تفريطه وتقصيره تحذيرا لغيره إذا ظهرت المصلحة.
17 -
أهمية إنكار الغيبة وردها.
18 -
أهمية قول الداعية لما لا يعلمه: الله أعلم.
19 -
معاتبة الداعية أصحابه على التقصير.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: التحدث بنعم الله تعالى: إن من صفات الداعية إلى الله تعالى: التحدث بنعم الله عز وجل ولهذا قال كعب رضي الله عنه في هذا الحديث: " ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ".
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى يقول: " والمقصود
أنه رضي الله عنه يذكر ما منَّ الله به عليه من حضور العقبة وهي من مشاهد الخير " (1).
ولا شك أن التحدث بنعم الله تعالى من أركان الشكر التي تدوم بها النعم بإذن الله تعالى، قال الله عز وجل:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7](2) وقال سبحانه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11](3) فينبغي للداعية إلى الله أن يتحدث بنعم الله تعالى، ويشكره بلسان الحال والمقال.
ثانيا: من صفات الداعية: قوة الإيمان ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: إن الداعية الصادق هو: قويّ الإيمان صادق النية، خالص المحبة لله ورسول صلى الله عليه وسلم ولهذا يثبت على إيمانه ولا تزعزعه العواصف وأهل الكفر والضلال.
وفي هذا الحديث أن ملك غسان أرسل إلى كعب رضي الله عنه كتابا يقول فيه: ". . . أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك. . . " فما كان من كعب رضي الله عنه إلا أن قال: ". . . وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها. . . ".
قال ابن حجر رحمه الله: " ودل صنيع كعب هذا على قوة إيمانه ومحبته لله ورسوله، وإلا فمن صار في مثل حاله: من الهجر والإعراض قد يضعف على احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره ولا سيما مع أمنه من الملك الذي استدعاه إليه أنه لا يكرهه على فراق دينه، لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمَن من الافتتان حسم المادة، وأحرق الكتاب، ومنع الجواب، هذا مع كونه من الشعراء الذين طبعت نفوسهم على الرغبة، ولا سيما بعد الاستدعاء والحث على الوصول، إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريبه ونسيبه، ومع ذلك غلب عليه دينه، وقوي عنده يقينه، ورجَّح ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دعيَ إليه من الراحة والنعيم حبّا في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم "(4) قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15]
(1) سمعت ذلك من شيخنا أثناء شرحه لحديث رقم 3889 من صحيح الإمام البخاري، بجامع الإمام تركي ابن عبد الله بالرياض عام 1415 هـ أو 1416 هـ.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:7.
(3)
سورة الضحى، الآية:11.
(4)
فتح الباري 8/ 121.
الآية (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» (2) وهذا يبين للداعية عظم قوة الإِيمان وأن هذه القوة سلاح لا يقاومه شيء بإذن الله تعالى.
ثالثا: من صفات الداعية: الرحمة والشفقة على المؤمنين والفرح بما يسرهم: إن الداعية الصادق مع الله عز وجل هو الذي يرحم المدعوين ويشفق عليهم ويفرح بما يسرهم؛ ولهذا قال الإمام ابن حجر رحمه الله: " وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من كمال الشفقة على أمته والرأفة بهم، والفرح بما يسرهم "(3).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وفي سرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وفرحه به، واستنارة وجهه دليل على ما جعل الله فيه من كمال الشفقة على الأمة، والرحمة بهم، والرأفة، حتى لعل فرحه كان أعظم من فرح كعب وصاحِبَيْه "(4).
وهذا يبين للدعاة إلى الله تعالى أهمية الرحمة والشفقة على المدعوين، والفرح بما يسرهم؛ لفعله صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أهمية الصدق وأثره في حياة الداعية: الصدق من أهم الصفات الحميدة التي يلزم الداعية أن يتخلق بها؛ ولهذا قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119](5).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة كعب: " ومنها عظم مقدار الصدق،
(1) سورة الحجرات، الآية:15.
(2)
متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري، في كتاب الإيمان، باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان 1/ 13 برقم 21، ومسلم، في كتاب الإيمان، باب خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان 1/ 66 برقم 43.
(3)
فتح الباري 8/ 123.
(4)
زاد المعاد 3/ 585.
(5)
سورة التوبة، الآية:119.
وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به، فما أنجى الله من أنجاه إلا بالصدق، ولا أهلك من أهلكه إلا بالكذب، وقد أمر الله عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين. . وقد قسم سبحانه الخلق إلى قسمين: سعداء وأشقياء، فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق، والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب " (1).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيها فائدة الصدق وشؤم عاقبة الكذب "(2).
فعلى الداعية إلى الله تعالى أن يتقي الله تعالى، وأن يكون صادقا في أقواله وأفعاله، وسائر تصرفاته وأحواله، وهذا من أعظم النعم على العبد، ولهذا قال كعب رضي الله عنه:" فوالله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم "(3).
خامسا: أهمية اغتنام فرص الخير قبل حرمانها: من الأمور المهمة العظيمة اغتنام فرص الخير في الطاعة قبل أن يحرمها الداعية؛ فإنه بسبب تسويف كعب وتأخره عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم حصل له ما حصل رضي الله عنه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة كعب رضي الله عنه: " ومنها: أن الرجل إذا حضرت له فرصة القربة والطاعة، فالحزم كل الحزم في انتهازها، والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها، والتسويف بها، ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها؛ فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قلما تثبت، والله سبحانه يعاقب من فتح له بابا من الخير فلم ينتهزه، بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعد من إرادته عقوبة له، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه، حال بينه وبين قلبه وإرادته، فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك "(4)
(1) زاد المعاد 3/ 590.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 124.
(3)
انظر: المرجع السابق، 8/ 123.
(4)
زاد المعاد في هدي خير العباد، 3/ 574.
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24](1) وقد صرح الله سبحانه بهذا في قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110](2) وقال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5](3) وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115](4) وهذا في كتاب الله تعالى كثير. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه أن المرء إذا لاحت له الفرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوف بها لئلا يحرمها "(5) فعلى الداعية أن يبادر إلى كل طاعة لاحت له فرصتها ولا يسوف لئلا يحرمها، كما ينبغي له أن يسأل الله أن يلهمه المبادرة إلى طاعته، وأن لا يسلبه ما خوله من النعم.
سادسا: أهمية الأخذ بالظاهر وقبول أعذار المدعوين: الداعية إلى الله تعالى ليس له إلا الظاهر من أحوال المدعوين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم» (6) فعلى الداعية أن يأخذ بظاهر أحوال المدعوين ويقبل أعذارهم ويعفو عنهم؛ لقوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159](7) قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ذكر فوائد قصة كعب رضي الله عنه: " ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل علانية من أظهر الإسلام من المنافقين، ويكل سريرته إلى الله، ويجري عليه حكم الظاهر، ولا يعاقبه بما يعلم من سره "(8) وقال ابن حجر
(1) سورة الأنفال، الآية:24.
(2)
سورة الأنعام، الآية:110.
(3)
سورة الصف، الآية:5.
(4)
سورة التوبة، الآية:115.
(5)
فتح الباري 8/ 124.
(6)
متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: البخاري، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد- رضي الله عنه إلى اليمن 5/ 130 برقم 4351، ومسلم، في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 2/ 741 برقم 1064.
(7)
سورة آل عمران، الآية:159.
(8)
زاد المعاد 3/ 575، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 124.
رحمه الله: " ومنها: إجراء الأحكام على الظاهر ووكول السرائر إلى الله تعالى "(1) وقد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بضعة وثمانون رجلا وجاءوا يعتذرون إليه، فصدق منهم ثلاثة- وهم الثلاثة الذين تاب الله عليهم- وكذب سائرهم وحلفوا ما حبسهم إلا العذر فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى (2).
سابعا: من صفات الداعية: الحرص على حسن الخاتمة: إن من الأمور المهمة أن يحرص الداعية على حسن الخاتمة؛ ولهذا قال كعب رضي الله عنه في هذا الحديث: " فلبثت كذلك حتى طال عليَّ الأمر وما من شيءٍ أهمّ إليَّ من أن أموت فلا يصلِّي عليَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم، ولا يصلي عليَّ ".
فعلى الداعية أن يحرص على حسن الخاتمة ويسأل الله ذلك؛ فإنه من أهم المهمات. والله المستعان (3).
ثامنا: أهمية الصبر على مشاق الدعوة والابتلاء: دل حديث كعب رضي الله عنه على أنه لا بد للداعية من الصبر على مشاق الدعوة، وأن ذلك اختبار من الله تعالى هل يصبر العباد أو لا يصبرون؛ ولهذا قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31](4) وقال تعالى: {الم - أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3](5).
قد بين كعب رضي الله عنه هذه الفتنة والابتلاء في هذا الحديث بقوله: «ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة (6)
(1) فتح الباري 8/ 124.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 117.
(3)
انظر: الحديث رقم 73، الدرس الثامن.
(4)
سورة محمد، الآية:31.
(5)
سورة العنكبوت، الآيات: 1 - 3.
(6)
غزوة تبوك.
غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا بعيدا، ومفازا، وعدوّا كثيرا، فجلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين أمرهم؛ ليتأهبوا أهل غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ- يعني ديوان- فما رجل يريد أن يتغيَّب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وَحْي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال». ".
وهذا كله فيه اختبار وامتحان، فعلى الداعية أن يصبر على السراء والضراء ومشقة الدعوة؛ ولهذا قال كعب عندما قرأ كتاب ملك غسان يدعوه فيه إلى أن يلحق به، قال رضي الله عنه:" فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها " وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35](1).
تاسعا: من أساليب الدعوة: التهنئة والتبشير للمدعو والسرور بما يسره: من أساليب الدعوة التي تؤثر في حياة المدعو: التهنئة له وتبشيره بما يسره، والسرور بما يتجدد له من النعم أو يندفع عنه من النقم؛ فإن ذلك يطيِّب نفسه ويشرح له صدره، وفي هذا الحديث قال كعب رضي الله عنه:". . . «وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنّؤني بالتوبة يقولون: لِتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّأني، والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك "، وقال كعب: وذهب الناس يبشروننا، وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون وركض إلي رجل وسعى ساعٍ من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما». وهذا يبين مدى تأثير البشْرَى والتهنئة على المدعو وحبه لمن بشره وهنَّأَه،
(1) سورة الأنبياء، الآية:35.
وسرَّ بما هو فيه من الخير؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " فيه دليل على استحباب تهنئة من تجدد له نعمة دينية، والقيام إليه، ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجدد له نعمة دنيوية، وأن الأولى أن يقال له: ليهنك ما أعطاك الله، وما منَّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام؛ فإن فيه تولية النعمة ربَّها والدعاء لمن نالها بالتهنِّي بها "(1).
لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: " ليهنك العلم أبا المنذر "(2) وذلك عندما سأله عن أعظم آية في القرآن فقال رضي الله عنه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255](3) فينبغي للداعية أن يهنِّي إخوانه الدعاة والمدعوين ويسر بما يتجدد لهم من النعم ويندفع عنهم من النقم؛ فإن ذلك يجذب قلوبهم لمحبته، ومن ثم قبول دعوته.
عاشرا: إيثار طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم على مودة القريب: من صفات الداعية الناجح: إيثار طاعة الله ورسوله على مودة القريب؛ ولهذه الصفة الحميدة لم يرد أبو قتادة السلام على كعب؛ لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كلامه، قال كعب رضي الله عنه:" تسورت جدار أبي قتادة وهو ابن عمي وأحبّ الناس إليَّ فسلمت عليه فوالله ما رد عليَّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله، هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؛ فسكتَ، فعدت له فنشدته فسكتَ، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار ". وهذا يبين مدى طاعة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلى الداعية أن يحرص على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63](4) وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (5)
(1) زاد المعاد 3/ 585، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 124.
(2)
أخرجه مسلم، في كتاب صلاة المسافرين، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، 1/ 555 برقم 810.
(3)
سورة البقرة، الآية:255.
(4)
سورة النور، الآية:63.
(5)
متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: البخاري، في كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان 1/ 11 برقم 15، ومسلم، في كتاب الإيمان، باب وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والناس أجمعين 1/ 67 برقم 44.
وهذا يدل الداعية على أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد من البشر.
الحادي عشر: عناية الداعية بالمتخلفين عن الطاعة: من الأمور المهمة: عناية الداعية بالمدعوين المستجيبين المتخلفين عن بعض الطاعات، فيرشدهم ويذكِّرهم ليراجعوا الطاعة ويتوبوا من تقصيرهم؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة كعب:" ومنها: أن الإمام والمطاع لا ينبغي له أن يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور؛ بل يذكِّره؛ ليراجع الطاعة ويتوب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال بتبوك: " ما فعل كعب "؟ ولم يذكر سواه من المخلَّفين استصلاحا له ومراعاة، وإهمالا للقوم المنافقين "(1).
على الداعية أن يعتني بالمستجيبين المتخلفين عن بعض الطاعات ويذكرهم، ويتعاهد أحوالهم حتى يستمر هؤلاء على الطاعة، والله المستعان.
الثاني عشر: تأديب المدعو بالهجر إذا اقتضت المصلحة ذلك: من الحكمة أن يهجر الداعية من يظهر المنكرات -إذا لم يحصل بذلك مفسدة- على وجه التأديب حتى يتوب تأديبا له، وزجرا لغيره (2) قال الإمام ابن القيم رحمه الله في فوائد حديث كعب:" وفيه: دليل أيضا على هجران الإمام، والعالم، والمطاع لمن فعل ما يستوجب العتب، ويكون هجرانه دواء له بحيث لا يضعف عن حصول الشفاء به، ولا يزيد في الكمية والكيفية عليه فيهلكه، إذ المراد تأديبه لا إتلافه "(3).
يوضح ذلك ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أن الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كان هجره يضعف الشرَّ كان مشروعا، وإن كان المهجور لا يرتدع بذلك، ولا يرتدع به غيره،
(1) زاد المعاد لابن القيم، 3/ 575.
(2)
انظر: المرجع السابق، 3/ 575.
(3)
المرجع السابق، 3/ 578.
بل يزيد الشرَّ والهاجر ضعيف، وتكون مفسدة الهجر راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، كما كان الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين (1) وينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله، وبين الهجر لحق النفس: فالهجر لحق الله تعالى مأمور به، والثاني منهي عنه (2).
فعلى الداعية أن يراعي هذه الضوابط في الهجر التأديبي ويضع كل شيء في موضعه كالطبيب الحاذق الذي يعطي العلاج على حسب المرض.
الثالث عشر: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: من وسائل الدعوة القدوة الحسنة، وذلك يرَغِّب الداعية في أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل أموره، وأن يكون هو قدوة للمدعوين ويقتدي أيضا بأهل العلم ويتأسى بهم.
وفي الحديث ما يدل على هذه الوسيلة وهو قول كعب رضي الله عنه: ". . . وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان يكفيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذِّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم. رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي "؛ ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: " فيه أن الرجل ينبغي له أن يبرِّدَ حَرَّ المصيبة بروح التأسي بمَنْ لقي مثل ما لقي. . "(3) والتأسي بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة (4) لقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39](5)
(1) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 28/ 204 - 207.
(2)
انظر: المرجع السابق 28/ 208 وفتح الباري لابن حجر، 8/ 124.
(3)
زاد المعاد 3/ 577.
(4)
انظر: المرجع السابق، 3/ 577، وفتح الباري لابن حجر، 8/ 120.
(5)
سورة الزخرف، الآية:39.
فعلى الداعية أن يكون قدوة في الخير للمدعوين، وأن يتأسى برسول صلى الله عليه وسلم فيما يصيبه من السراء والضراء وفي كل أحواله، وأن يتأسى بأهل العلم المخلصين. والله المستعان (1).
الرابع عشر: من موضوعات الدعوة: التحذير من المعاصي وبيان عِظَمِ أمرها: إن من أهم الموضوعات التي ينبغي للداعية العناية بها وتوضيحها للناس: التحذير من المعاصي وبيان أضرارها وأخطارها على المجتمع المسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيها: عظم أمر المعصية، وقد نبَّهَ الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنه قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما، ولا سفكوا دما حراما، ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر؟ "(2).
فعلى الداعية أن يعتني بهذا الموضوع عناية فائقة؛ لشدة خطره على الفرد والمجتمع.
الخامس عشر: أهمية المداومة على الخير: دل هذا الحديث على أهمية المداومة على الخير، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن مما يستفاد من هذا الحديث: التزام المداومة على الخير الذي ينتفع به (3) وهذا واضح من حديث كعب رضي الله عنه حيث قال: «يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث- منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني (4) ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت» . . ".
فعلى المسلم وخاصة الداعية إلى الله تعالى أن يداوم ويلتزم الأعمال الصالحة ولا يقطعها كما داوم كعب رضي الله عنه على الصدق، ويسأل الله عز وجل أن يعينه على ذلك.
(1) انظر: الحديث رقم 8، الدرس الخامس.
(2)
فتح الباري 8/ 123، وكلام الحسن رحمه الله تعالى نقلا من نفس الموضع.
(3)
انظر: فتح الباري 8/ 124.
(4)
أبلاه الله: أي أنعم عليه. فتح الباري لابن حجر 8/ 123.
السادس عشر: من أساليب الدعوة: إخبار الداعية عن تفريطه وتقصيره تحذيرا لغيره إذ ظهرت المصلحة: إن من أساليب الدعوة إخبار الداعية- في بعض الأحيان- عن تقصيره وتفريطه، وعن سبب ذلك تحذيرا ونصيحة لغيره، إذا تيقن أن في ذلك مصلحة للمدعو، وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله أن ذلك مما يستفاد من قصة كعب رضي الله عنه فقال:" فمنها: جواز إخبار الرجل عن تفريطه وتقصيره في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعن سبب ذلك، وما آل إليه أمره، وفي ذلك من التحذير، والنصيحة، وبيان طرق الخير والشر، وما يترتب عليها ما هو من أهم الأمور "(1).
السابع عشر: أهمية إنكار الغيبة وردها: إن من الأمور المهمة التي ينبغي للداعية أن يردها وينكر على صاحبها: الغيبة، وقد جاء ذلك في هذا الحديث، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" ومنها: جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد أنه وهم وغلط، كما قال معاذ للذي طعن في كعب: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا. . "(2).
فينبغي للداعية وغيره من المسلمين أن يرد الغيبة عن أخيه المسلم ولا تقبل من قائلها في مجلسه، ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم عظم ثواب من رد الغيبة عن أخيه المسلم فقال:«من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» . (3).
الثامن عشر: أهمية قول الداعية لما لا يعلمه: الله أعلم: إن من العلم أن يقول الداعية لمن سأله عن شيء لا يعلمه: الله أعلم، أو لا أدري. وقد دل هذا الحديث على ذلك، حين قال أبو قتادة لكعب رضي الله عنهما:" الله ورسوله أعلم ".
وقول الداعية لما لا يعلمه: لا أدري، أو لا أعلم، أو سأراجع المسألة دليل على علمه وورعه وتقواه؛ لأن الله تعالى يقول:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33](4)
(1) زاد المعاد 3/ 573، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 123.
(2)
زاد المعاد 3/ 575، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 124.
(3)
أخرجه الإمام أحمد 6/ 450، والترمذي، في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الذب عن عرض المسلم 4/ 327 برقم 1931، وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 5/ 295.
(4)
سورة الأعراف، الآية:33.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من تعمد عليَّ كذبا فليتبوّأ مقعده من النار» (1).
ومن حرص السلف رحمهم الله ورضي عنهم على الصدق ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه (2){قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86](3).
فعلى الداعية أن لا يستحي إذا لم يعلم أن يقول: الله أعلم، أو لا أدري.
التاسع عشر: معاتبة الداعية أصحابه على التقصير: إن الداعية الحريص على استقامة أصحابه على الخير يعاتبهم على تقصيرهم وما بدر منهم، حبّا لهم، ونصحا، وشفقة عليهم؛ ولهذا ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن ذلك مما يستنبط من حديث كعب رضي الله عنه، فقال:" ومنها: معاتبة الإمام والمطاع أصحابه، ومن يعز عليه، ويكرم عليه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم عاتب الثلاثة دون سائر من تَخَلَّف عنه، وقد أكثر الناس من مدح عتاب الأحبة واستلذاذه، والسرور به، فكيف بعتاب أحبِّ الخلق على الإطلاق إلى المعتوب عليه، ولله ما كان أحلَى ذلك العتاب، وما أعظم ثمرته، وأجل فائدته، ولله ما نال به الثلاثة من أنواع المسرات وحلاوة الرضا. . . "(4).
(1) متفق عليه: من حدث أنس رضي الله عنه: البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 41 برقم 108، ومسلم، في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 10، برقم 2.
(2)
البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة الروم 6/ 22 لرقم 4774، وانظر: الحديث رقم 58، الدرس الحادي عشر.
(3)
سورة ص، الآية:86.
(4)
زاد المعاد 3/ 576.