الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
65 -
باب غزوِ النساءِ وَقِتالهِنَّ معَ الرّجَالِ
[حديث سقي عائشة وأم سليم الجرحى يوم أحد]
63 -
[2880] حَدَّثَنَا أَبو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيزِ، عنْ أنسٍ (1) رضي الله عنه قَالَ:«لَمَّا كَانَ يَوْم أحدٍ انْهَزَمَ النَّاس عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: ولَقَدْ رَأَيْت عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ (2). وَأمَّ سلَيْمٍ (3). وَإِنَّهمَا لَمشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سوقِهِنَّ تَنْقزانِ القِرَبَ -وَقَالَ غَيره: تَنقلانِ القِرَبَ- عَلَى متونهِمَا ثمَّ تفْرِغَانِهِ في أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا ثمَّ تَجِيئَانِ فَتفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ " (4)» .
وفي رواية: «كَانَ أَبو طَلْحَةَ يَتَتَرَّس مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بترْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَبو طَلْحَةَ
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 14.
(2)
تقدمت ترجمتها في الحديث رقم 4.
(3)
تقدمت ترجمتها في الحديث رقم 50.
(4)
[الحديث 2880] أطرافه في: كتاب الجهاد والسير، باب المجن، ومن يتترس بترس صاحبه، 3/ 399، برقم 2902. وكتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أبي طلحة رضي الله عنه، 4/ 276، برقم 3811. وكتاب المغازي، باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّه وَلِيّهمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمؤْمِنونَ، 5/ 40، برقم 4064. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة النساء مع الرجال، 3/ 1443، برقم 1811.
(5)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم 41.
(6)
الطرف رقم 3811، ورقم 4064.
حَسَنَ الرَّمْي، فَكَانَ إِذَا رَمَى يشْرِف النبِيّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْظر إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ» (1).
* شرح غريب الحديث: * " خَدَم سوقهِنَّ " الخدم: الخلاخيل، واحدتها خدمة، وخلخال والسوق: جمع ساق وقد يسمى الساقان خدمين؛ لأنهما موضع الخدمين، وهما الخلخالان، وسمي الخلخال خدمة؛ لأنه ربما كان من سيور مركبة فيه الذهب والفضة، والخدمة في الأصل السير الغليظ مثل الحلقة يشد في رسغ البعير، والرسغ، ما فوق الخف من أول القوائم، ويشد في هذا السير الذي كالحلقة سرائح نعل البعير (2).
* " تنقزان القرب " أي تحملانها وتقفزان بها وثبا، والنقز: القفز، والوثب (3).
* " متونهما " المتن من الظهر ما اكتنف أعلى الصلب من العصب واللحم، وهما متنان، والصلب: عظم من مغرس العنق إلى الذنب، ومن الإِنسان إلى العصعص، والعصعص: عَجْب الذنب (4).
* " مجَوِّب عليه " أي ساتر له، قاطع بينه وبين العدو (5).
* " بحجفة " الحجفة: الترس الصغير (6).
* " شديد النزع " أصل النزع: الجذب والقلع، ومنه نزع الميت روحه، ونزع القوس إذا جذبها (7).
* " جعبة " الجعبة: الكنانة التي تجعل فيها السهام (8) وهي خريطة النّشَّابِ من الجلود (9).
(1) الطرف رقم 2992.
(2)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 255، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الخاء مع الدال، مادة " خدم " 2/ 15، وأعلام الحديث للخطابي 2/ 1385، وشرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 152.
(3)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب النون مع القاف مادة " نقز " 5/ 106.
(4)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 251.
(5)
المرجع السابق ص 255.
(6)
انظر: المرجع السابق ص 255، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الحاء مع الجيم 1/ 345، 1/ 311.
(7)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب النون مع الزاي، مادة:" نزع "، 5/ 41.
(8)
المرجع السابق، باب الجيم مع العين، مادة:" جعب " 1/ 274.
(9)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 255.
* " نحري " النحر: أول الصدر، وهو موضع القلادة (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية دفاع المدعو عن العلماء والدعاة.
2 -
من صفات الداعية: الشجاعة.
3 -
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.
4 -
أهمية الإِشراف على المدعو وملاحظته.
5 -
من وسائل الدعوة: إثارة غيرة الرجال.
6 -
أهمية مشاركة النساء في الجهاد بالخدمة والعلاج عند الحاجة.
7 -
تاريخ الدعوة في الأمر بالحجاب.
8 -
محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.
9 -
الابتلاء والامتحان في الدعوة إلى الله عز وجل.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: أهمية دفاع المدعو عن العلماء والدعاة: دل هذا الحديث على أهمية دفاع المدعو عن العلماء والدعاة؛ ولهذا دافع أبو طلحة يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم دفاعا عظيما، فكان يستر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعداء بترسه، وقاتل قتالا شديدا حتى كسر قوسين أو ثلاثا.
فينبغي للمدعو أن يدافع عن ولاة أمر المسلمين، وعلمائهم، ودعاتهم المخلصين: بالقول والفعل. والله المستعان (2).
ثانيا: من صفات الداعية: الشجاعة: ظهر في هذا الحديث أن الشجاعة صفة عظيمة من صفات الداعية إلى الله
(1) تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي، ص 255.
(2)
انظر: الحديث رقم 4، الدرس الثالث.
عز وجل؛ ولهذا برزت شجاعة أبي طلحة ومن معه من الصحابة في معركة أحد، بل قد اشترك في هذه الصفة حتى النساء كما فعلت عائشة وأم سليم رضي الله عنهما. فينبغي للداعية أن يتحلى بهذه الصفة الحميدة (1).
ثالثا: الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل: لا شك أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين وقد أخذ بالأسباب وأقر أصحابه على الأخذ بها، فهذا أبو طلحة رضي الله عنه يدافع عنه بالسهام، والأقواس، ويستره بالترس، وهذه عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تفرغان القرب في أفواه القوم؛ وقد ذكر ابن حجر رحمه الله: أن اتخاذ الآلات لا ينافي التوكل، والحذر لا يرد القدر، ولكن يضيِّق مسالك الوسوسة لما طبع عليه البشر (2).
فينبغي للداعية أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله عز وجل؛ لأن التوكل يقوم على ركنين: اعتماد القلب على الله عز وجل، والأخذ بالأسباب (3).
رابعا: أهمية الإشراف على المدعو وملاحظته: دل الحديث على أنه ينبغي للداعية أن يشرف على المدعو ويلاحظه؛ لكي يطمئن على استقامته وإتقانه للعمل كما يحبه الله عز وجل، ومن ذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي طلحة رضي الله عنه في هذا الحديث كما قال أنس رضي الله عنه:" وكان أبو طلحة حسن الرمي فكان إذا رمى يشْرِف النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى موضع نبله ".
خامسا: من وسائل الدعوة: إثارة غيرة الرجال: لا ريب أن إثارة غيرة الرجال من وسائل الدعوة، ففي غزوة أحد اشترك النساء في مداواة الجرحى وإسقاء المرضى وغير ذلك؛ قال الإِمام الأبي رحمه الله: " وفي حضور النساء معارك الحرب إثارة غيرة الرجال، وحمية
(1) انظر: الحديث رقم 35، الدرس الخامس، ورقم 61، الدرس الثاني.
(2)
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 94.
(3)
انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.
الأنوف لصونهن. . . " (1).
سادسا: أهمية مشاركة النساء في الجهاد بالخدمة والعلاج عند الحاجة: إن ما حصل من مشاركة بعض النساء في الجهاد في هذا الحديث يدل على أن هذه المشاركة لا حرج فيها عند الحاجة مع التزام الأوامر واجتناب النواهي، ويكون ذلك في حدود طاقة المرأة: كالمشاركة في خدمة المجاهدين، ومداواة الجرحى، مع المحافظة على الحجاب والبعد عن الفتنة، والخلوة، وكانت المرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تتأهب للدفاع عن نفسها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه:«أن أمَّ سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما هذا الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله، اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن» (2).
أما ما حصل من النظر إلى عائشة وأم سليم يوم أحد فقد أجاب النووي رحمه الله عن ذلك فقال: " وهذه الرواية للخدم لم يكن فيها نهي؛ لأن هذا كان يوم أحد قبل أمر النساء بالحجاب، وتحريم النظر إليهن؛ ولأنه لم يذكر هنا أنه تعمد النظر إلى نفس الساق، فهو محمول على أنه حصلت تلك النظرة فجأة بغير قصد، ولم يستدمها "(3).
سابعا: تاريخ الدعوة في الأمر بالحجاب: ظهر في هذا الحديث أن الأمر بالحجاب زمن معركة أحد لم ينزل بعد؛ ولهذا والله أعلم حصل ما حصل من النظر إلى الخلاخل والسوق؛ وقد ذكر الأبي رحمه الله بعض أقوال أهل العلم في ذلك ثم قال: " والقضية كانت يوم أحد
(1) إكمال إكمال المعلم، شرح صحيح مسلم، 6/ 479.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة النساء مع الرجال، 3/ 1442 برقم 1809.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 430، وإكمال إكمال المعلم للأبي 6/ 479.
أول الإِسلام قبل الأمر بالحجاب والستر، وقيل النهي عن إبداء الزينة، إلا لمن خصه الله في كتابه في سورة النور، وإنما نزل كثير منها بعد قصة الإِفك، وفي غزوة المريسيع بعدها سنة ست في قول ابن إسحاق، أو سنة أربع في قول ابن عقبة، أو في سنة خمس في قول الواقدي " (1).
وهذا فيه دلالة على أن معركة أحد وقعت قبل الأمر بالحجاب الشرعي، فإذا حصل من النساء مشاركة في المعركة فلا بد من الالتزام بالحجاب، والبعد عن الخلوة بالرجال الأجانب.
ثامنا: محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: دل هذا الحديث على عظم محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا دافع عنه أبو طلحة، وأظهر هذه المحبة بقوله رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم:" بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك " والمعنى أنه يقدم نحره وصدره ترسا حماية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الإِمام النووي رحمه الله: " هذا من مناقب أبي طلحة الفاخرة "(2).
فينبغي للداعية أن يحب رسول صلى الله عليه وسلم أكثر من محبة الولد، والوالد، والناس أجمعين (3).
تاسعا: الابتلاء والامتحان في الدعوة إلى الله عز وجل: ظهر في هذا الحديث ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الابتلاء في معركة أحد، فصبروا، وصابروا، وجاهدوا (4).
(1) إكمال إكمال المعلم، 6/ 479.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 430.
(3)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثامن.
(4)
انظر: الحديث رقم 66، الدرس الأول.