الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث ما أوصى النبي بشيء]
4 -
[2741] حَدَّثَنَا عَمْرو بن زرَارَةَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل، عَنِ ابنِ عَوْنٍ، عنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ (1) قَالَ:" ذَكَرورا عِنْدَ عَائِشة (2) أَنَّ عَلِيّا رضي الله عنهما كَانَ وصيّا، فَقَالَتْ: مَتى أَوْصى إِلَيْهِ وَقَدْ كنْت مسنِدَتَه إِلى صَدْرِي؟ - أَوْ قَالَتْ: حَجْرِي- فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدِ انْخَنَثَ في حَجْرِي فَمَا شَعرْت أَنه قَدْ مَاتَ، فمتَى أَوصى إِلَيْهِ؟ "(3).
* شرح غريب الحديث: * " الطست " إناء كبير مستدير (4).
* " انخنث " أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت (5).
(1) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن، سمع من معاذ بن جبل في اليمن قبل أن يهاجر، وعن أبي بكر وعمر، وحديثه عن كبار الصحابة في الصحيحين، وغيرهما. وهو من المخضرمين ثقة فقيه، مات سنة أربع أو خمس وسبعين. [انظر: الإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 106، وتقريب التهذيب له، ص 146].
(2)
عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر، القرشية المكية، أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أفقه نساء الأمة على الإطلاق رضي الله عنها. ولدت بعد البعثة بأربع سنين أو خمس، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست، وقيل: سبع سنين، ويجمع بين القولين أنها كانت قد أكملت السادسة ودخلت في السابعة، ودخل بها، وهي بنت تسع في شوال في السنة الأولى من الهجرة، واختار الذهبي والنووي أنه صلى الله عليه وسلم دخل بها وهي بنت تسع في شوال سنة اثنتين، وضعف النووي القول الأول. وهي من أكثر الصحابة رواية، فقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا طيبا مباركا فيه. روي لها أحاديث كثيرة حصرها علماء الحديث بألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210)، اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ومسلم بثمانية أو تسعة وستين، وروى عنها خلق كثير من الصحابة والتابعين، وفضائلها ومناقبها مشهورة معروفة. توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة سبع وخمسين، وقيل سنة ست وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، ودفنت بالبقيع ليلا بعد الوتر، واجتمع على جنازتها أهل المدينة وأهل العوالي وقالوا: لم نر ليلة أكثر نساء من ليلة دفن عائشة رضي الله عنها، [انظر: تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي 2/ 350، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، 2/ 135 - 201، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 4/ 359].
(3)
(الحديث 2741) طرفه في كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته 5/ 166، برقم 4459، وأخر- مسلم، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن لبس له شيء يوصي فيه 3/ 1257، برقم 16363.
(4)
انظر: النهابة في غريب الحديث لابن الأثير، باب الطاء مع السين 3/ 124، والمعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية، مادة " الطست " 2/ 557، وفتح الباري، لابن حجر، 1/ 460.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير باب الخاء مع النون، 2/ 82، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 5/ 363، وعمدة القاري للعيني، 14/ 32.
* " حجري " الحجر- بالفتح والكسر-: الثوب والحضن، والمصدر بالفتح لا غير (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
الرد بالحكمة على الفرق الضالة.
2 -
قبول شهادة النفي من الداعية العالم.
3 -
الدفاع عن الدعاة إلى الله تعالى.
4 -
من أساليب الدعوة: الاستفهام الإِنكاري.
5 -
من أساليب الدعوة: التوكيد.
أما الحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية تفصيلا فعلى النحو الآتي:
أولا: الرد بالحكمة على الفرق الضالة: من وظائف الدعاة إلى الله تعالى الرد على الفرق البدعية، وتبيين وتوضيح ما هم عليه من الباطل، ولكن ينبغي الرد بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن كما قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](2) ومما يدل على هذه الفائدة في هذا الحديث ما فعلته عائشة رضي الله عنها من الرد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة من بعده، والسبب في ذلك أن الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي فرد عليهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ذلك، وكذا من بعدهم، ومن ذلك ما استدلت به عائشة رضي الله عنها، وأنها كانت ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مرضه إلى أن مات في حجرها، ولم يقع منه شيء من ذلك، ومن ذلك أن عليا لم يدَّعِ ذلك لنفسه حتى ولو بعد أن ولي الخلافة، ولا ذكره
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الحاء مع الجيم، 1/ 342.
(2)
سورة النحل، الآية:125.
أحد من الصحابة يوم السقيفة، ولا شك أن الشيعة تنقَّصوا عليا رضي الله عنه من حيث قصدوا تعظيمه " لأنهم نسبوه- مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين- إلى المداهنة والتقية والإِعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك.
ومع ذلك فقد سمع الصحابة جميع ما أوصى به صلى الله عليه وسلم ولم يكن من هذه الوصايا: الوصية لعلي بالخلافة. فَمِمَّا روِيَ في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بإنفاذ الصدقة بمال كان عند عائشة رضي الله عنها، وإنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، والوصية بأداء الزكاة، والوصية بالحذر من الفتن ولزوم الجماعة والطاعة، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بكتاب الله تعالى، وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان، وأوصى بإجازة الوفد بمثل ما كان يجيزهم ويعطيهم، وأوصى بالصلاة وما ملكت الأيمان، وغير ذلك. ولم يكن من هذه الوصايا ما زعم الشيعة أنه أوصى به (1).
وهذا يبين للداعية أنه ينبغي أن يرد على الفرق الضالة؛ بالأسلوب الحسن، وبالرفق واللين، وبالجدال بالتي هي أحسن، وغير ذلك من الأساليب النافعة.
ثانيا: قبول شهادة النفي من الداعية العالم: ينبغي للمدعوين أن يثقوا بالدعاة العلماء ويقبلوا أقوالهم بأدلتها الصحيحة العقلية والنقلية؛ ولهذا قال الإمام الأبي رحمه الله، عن حديث عائشة رضي الله عنها " فيه أن الشهادة على النفي من العالم مقبولة "، وبهذا المعنى صار قولها حديثا، فكأنه بمنزلة قوله:" لا أوصي بشيء "(2).
ولا شك أن قبول أقوال الدعاة المخلصين الصادقين بأدلتها لمن يحتاج إلى ذلك مما ينتفع به المدعوون ويستفيدون منه، فعلى المدعو أن يتقي الله عز وجل وأن يقبل الدعوة بأدلتها من الكتاب والسنة، وأن يصدق الدعاة العلماء فيما ينفونه عن الدين والعقيدة، ولا مانع من سؤال الدعاة عن الأدلة والتثبت من أقوالهم من باب العلم والفائدة.
(1) انظر: إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح الإمام مسلم لمحمد بن خليفة الأبي 5/ 622، وفتح الباري لابن حجر، 5/ 361 - 363، وعمدة القاري للعيني، 14/ 32.
(2)
إكمال إكمال المعلم شرح صحيح الإمام مسلم للأبي 5/ 622.
ثالثا: الدفاع عن الدعاة إلى الله تعالى: لا شك أنه يجب على المدعوين- إذا سمعوا من يكذب على الدعاة أو يتهمهم بما ليس فيهم- أن يدافعوا عنهم بالصدق والحكمة، كما دافعت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وردَّت ما قاله الشيعة: من أنه صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بالخلافة فقالت: " متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري. . .؟ " ثم بينت أنها لازمته مدة مرضه ولم يحصل منه ذلك (1).
وهكذا ينبغي للمدعوين أن يفعلوا- مع علمائهم ودعاتهم الصادقين- كما فعلت عائشة رضي الله عنها من دفاعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعا: من أساليب الدعوة: الاستفهام الإِنكاري: الأسلوب: الطريق والفن. يقال: هو على أسلوب من أساليب القوم: أي على طريق من طرقهم. ويقال: أخذنا في أساليب من القول: فنون متنوِّعة (2) وأساليب الدعوة: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ وإزالة العوائق عنه، وهي الطريقة التي يسلكها الداعية في تأليف كلامه، واختيار ألفاظه، وتأدية معانيه ومقاصده من كلامه (3).
وقد ظهر في هذا الحديث أسلوب الاستفهام الإِنكاري حيث قالت عائشة رضي الله عنها منكرة على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه: " متى أوصى إليه. . .؟ " ثم بينت رضي الله عنها ملازمتها له في مرضه حتى مات، ثم أعادت الاستفهام الإِنكاري مرة أخرى فقالت:" فمتى أوصى إليه؟ " والاستفهام الإِنكاري في الدعوة إلى الله تعالى يظهر منه أنه يحمل التوبيخ والزجر؛ لكن بطريقة حكيمة (4).
والله عز وجل قد بين ذلك في كتابه وخاطب به المشركين ومن ذلك قوله سبحانه
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر 5/ 361 - 363، وعمدة القاري للعيني 14/ 32.
(2)
انظر: القاموس المحيط، للفيروزآبادي، باب الباء، فصل السين، ص 125.
(3)
انظر: علوم القرآن، لمحمد بن عبد العظيم الزرقاني، 2/ 199.
(4)
انظر: البرهان في علوم القرآن، لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي 2/ 328.
وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59](1) وقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64](2) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمه ومن ذلك «قوله صلى الله عليه وسلم لابن اللتبية - حينما جاء بصدقة فدفعها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا ما لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال صلى الله عليه وسلم: " أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهْدَى إليك شيء أم لا؟» (3).
خامسا: من أساليب الدعوة: التوكيد: أسلوب التوكيد له صيغ متعددة وصور مختلفة، وأظهرها التوكيد بالقسم، والتوكيد بالتكرير. والتكرير قد يكون بتكرير الكلمة، أو الجملة أو الآية، أو القصة في القرآن الكريم والسنة المطهرة مرتين أو أكثر (4).
والذي ظهر في هذا الحديث من هذه الأنواع هو أسلوب التوكيد بتكرير الكلمة: قالت عائشة رضي الله عنها: ". . . متى أوصى إليه، وقد كنت مسندته إلى صدري. . . "، ثم ساقت الحديث وقالت في آخره:" فمتى أوصى إليه؟ " وهذا الأسلوب قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدمه في دعوته، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم سلَّم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا (5).
* * * *
(1) سورة يونس، الآية:59.
(2)
سورة الزمر، الآية:64.
(3)
متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، 7/ 278، برقم 6636، ومسلم، كتاب الإِمارة، باب تحريم هدايا العمال 3/ 1463، برقم 1832.
(4)
انظر: البرهان في علوم القرآن، لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، 2/ 384 و 3/ 8، والإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين السيوطي، 2/ 842.
(5)
البخاري، كتاب العلم، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه 2/ 37، برقم 94.