الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 -
باب فَضْلِ الصَّوْم فِي سَبِيلِ الله
[حديث من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا]
48 -
[2840] حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن نَصْر: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنا ابْن جرَيْجٍ قال: أَخْبَرني يَحيى بْن سَعِيدٍ وَسهَيْل بْن أَبِي صالِح: أنهمَا سَمِعَا النّعْمَانَ بْنَ أبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِي (1) رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقول «مَنْ صَامَ يَوْما فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهه عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفا» (2).
* شرح غريب الحديث: * " سبعين خريفا " الخريف: الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصَّيف والشتاء، ويراد به سبعين سنة؛ لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، فإذا انقضى سبعون خريفا فقد مضت سبعون سنة (3).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحث على صيام التطوع.
2 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
3 -
من صفات الداعية: الإِخلاص.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الحث على صيام التطوع: دل الحديث على أهمية الحث على صيام التطوع، وحض المدعوين عليه؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه في هذا الحديث وذلك ببيان فضل صيام يوم واحد فكيف بمن صام أكثر من ذلك، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام ست من
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 19.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق، 2/ 808، برقم 1153.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الخاء مع الراء، مادة:" خرف " 2/ 24.
شوال، وثلاثة أيام من كل شهر، وصيام الأيام البيض، والاثنين والخميس، ويوم عرفة لغير الحاج، وتسعة أيام من عشر ذي الحجة، وصيام يوم عاشوراء مع يومٍ قبله، وحث على صيام شهر الله المحرم، وحث بفعله على صيام أكثر شعبان بل كان يصومه كله، وبين أن أفضل الصيام: صيام يوم وإفطار يوم.
فينبغي للداعية أن يحث أهل الإِسلام على صيام التطوع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم (1).
ثانيا: من أساليب الدعوة: الترغيب: دل هذا الحديث على الترغيب في الصيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوما في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين خريفا» .
قال الإِمام النووي رحمه الله: " فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقّا، ولا يختل به قتاله، ولا غيره من مهمات غزْوِه، ومعناه المباعدة عن النار والمعافاة منها "(2).
فينبغي للداعية أن يرغِّب في صيام التطوع، ويبيِّن فضائله للناس، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب فيه، باستخدامه لأسلوب الترغيب؛ ولهذا بيّن صلى الله عليه وسلم أن من صام يوما واحدا في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين سنة، وذلك على وجه المبالغة في البعد عن النار (3).
ثالثا: من صفات الداعية: الإخلاص: ظهر في هذا الحديث أهمية الإِخلاص لله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوما في سبيل الله» قال الإِمام القرطبي رحمه الله: " أي في طاعة الله، يعني بذلك:
(1) انظر: صحيح البخاري 1/ 298 - 307 من حديث رقم 968 - 2007، وصحيح مسلم 2/ 792 - 822 من حديث رقم 1125 - 1164، وشرح العمدة " كتاب الصيام " لشيخ الإِسلام ابن تيمية، 2/ 545، وسبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني 2/ 670 - 682.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 281.
(3)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 3/ 217، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، 2/ 37، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 5/ 1611، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني، 6/ 48، ومكمل إكمال الإكمال شرح صحيح مسلم، لمحمد بن محمد السنوسي 4/ 101.
قاصدا به وجه الله تعالى وقد قيل فيه: إنه الجهاد في سبيل الله " (1) وقال الإِمام ابن دقيق العيد رحمه الله على قوله صلى الله عليه وسلم " في سبيل الله " " العرف الأكثر فيه: استعماله في الجهاد، فإذا حمل عليه، كانت الفضيلة؛ لاجتماع العبادتين - أعني عبادة الصيام والجهاد - ويحتمل أن يراد بسبيل الله: طاعته كيف كانت، ويعبر بذلك عن صحة القصد والنية فيه " (2) وقال العلامة المناوي رحمه الله:«من صام يوما في سبيل الله» أي لله ولوجهه، أو في الغزو، أو في الحج " (3) وعلى قول من فسر سبيل الله بالجهاد؛ فإن الإِخلاص شرط في صحة جميع العبادات.
وهذا يبين للداعية إلى الله عز وجل أهمية إخلاص العمل لله عز وجل؛ قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125](4) فإسلام الوجه إخلاص القصد والعمل لله، والإِحسان فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته (5)؛ قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2](6) قال الفضيل بن عياض رحمه الله: " هو أخلصه وأصوبه " قالوا: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؛ فقال: " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة "(7) قال الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110](8) وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163](9) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث لا يغلّ
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 3/ 217، وانظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 5/ 1611.
(2)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد 2/ 37.
(3)
فيض القدير شرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف المناوي 6/ 61.
(4)
سورة النساء، الآية:125.
(5)
مدارج السالكين، لابن القيم 2/ 90.
(6)
سورة الملك، الآية:2.
(7)
مدارج السالكين، لابن القيم 2/ 89.
(8)
سورة الكهف، الآية:110.
(9)
سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163.
عليهن قلب مسلم: إخلاص العَمَل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» (1) والمعنى أن القلب لا يحمل الغل ولا يبقى فيه مع هذه الثلاث، فإنها تنفي الغِلَّ، والغِشَّ، وفساد القلب وسخائمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غِلَّ قلبه، ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغلِّ والغش (2).
فينبغي لكل مسلم وخاصة الداعية إلى الله عز وجل أن يخلص عمله لله عز وجل، وأن يسأل الله كثيرا هذه الصفة الحميدة العظيمة؛ ولعظم هذه الصفة قال الفضيل بن عياض رحمه الله:" ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإِخلاص أن يعافيك الله منهما "(3) فأسأل الله لي ولجميع إخواني المسلمين الإِخلاص في القصد، والقول، والعمل.
(1) أخرجه الترمذي، في كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، 5/ 34، برقم 2658، ورواه أحمد في المسند من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه 5/ 183 وقال الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 78: وسنده صحيح.
(2)
انظر: مفتاح دار السعادة، لابن القيم، 1/ 277.
(3)
الأذكار للنووي ص 4.