الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 -
بَاب من اخْتارَ الْغزْوَ على الصّوْمِ
[حديث أنس في أبي طلحة أنه ما كان يصوم على عهد النبي من أجل الغزو]
41 -
[2828] حَدَّثَنَا آدَم: حَدَّثَنَا شعبَة: حَدَّثَنَا ثَابِت البنَانِي قَالَ: سَمِعْت أنسَ بْنَ مَالِكٍ تقدمت (1) رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ أَبو طَلْحَة (2) لَا يَصوم عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ، فَلَمَّا قبِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ أَرَه مفْطِرا إِلَّا يَوْمَ فِطْر أَوْ أَضْحَى ".
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل:
2 -
من القواعد الدعوية: عمل أعْلَى المصلحتين عند التعارض.
3 -
من صفات الداعية: الحرص على فعل الخير.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل: يظهر في هذا الحديث أن الجهاد من أفضل الأعمال الصالحة، وأنه أفضل
(1) ترجمته في حديث رقم 14.
(2)
أبو طلحة: اسمه زيد بن سهل بن الأسود، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أخواله بني النجار، الأنصاري رضي الله عنه، شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد النقباء، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة " أخرجه أحمد 3/ 203، وأبو يعلى في مسنده 8/ 62، برقم 3983، وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 312، أن رجال أحمد رجال الصحيح. وهو ممن سقط السيف من يده يوم بدر من النعاس، وكان يرمي ببن يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد يدافع عنه، كسر يومئذ سهمين أو ثلاثة، وكان الرجل يجيء بالجعبة من النبل فيقول صلى الله عليه وسلم " انثرها لأبي طلحة " البخاري برقم 2880،، وقتل يوم حنين عشرين رجلا من المشركين، وكان من أكثر أهل المدينة مالا فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحَاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال صلى الله عليه وسلم ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وإني أرى أن نجعلها في الأقربين "[البخاري برقم، 2769 وسلم برقم 998]، وذلك بعدما سمع صلى الله عليه وسلم لَنْ تَنَالوا الْبِرَّ حَتَّى تنْفِقوا مِمَّا تحِبّونَ آل عمران، الآية: 92 وكان يسرد الصوم كثيرا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان وتسعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث. وتوفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وقيل أربع وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة ورجح ذلك الذهبي، وقيل: توفي سنة خمسين أو إحدى وخمسين غازيا في البحر فما وجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام ولم يتغير، قال ابن حجر:" أخرجه الفسوي في تاريخه وأبو يعلى وإسناده صحيح " ورجح هذا القول واحتج له. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 245، وسير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 27 - 34، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 566.
من صيام التطوع؛ ولهذا كان أبو طلحة رضي الله عنه يترك صيام التطوع؛ لِيَتَقَوَّى على الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ لعلمه رضي الله عنه بفضل الجهاد ومكانته من الدين (1).
ثانيا: من القواعد الدعوية: عمل أعْلَى المصلحتين عند التعارض: دل الحديث على هذه القاعدة العظيمة، وأن المسلم وخاصة الداعية إلى الله عز وجل إذا تعارضت عنده مصلحتان ولا يستطيع الجمع بينهما؛ فإنه يأخذ بأعلاهما أجرا وثوابا وفائدة؛ ولهذا قَدَّم أبو طلحة رضي الله عنه الجهاد على صيام التطوع؛ لأن الجهاد من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل وهذا يبين للداعية أهمية الأخذ بأعلى المصالح، والبدء بالأهم فالمهم (2).
ثالثا: من صفات الداعية: الحرص على فعل الخير: يظهر في هذا الحديث أن من الصفات الحميدة الحرص على فعل الخير، وأن ذلك من أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الداعية إلى الله عز وجل؛ ولهذا حرص أبو طلحة على الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك ما يضعفه عنه من صيام التطوع، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوي الإِسلام واشتدت وطأة المسلمين على العدو، ورأى أنه في سعة عما كان عليه من الجهاد، حرص على أن يأخذ بحظه من الصوم؛ ليجمع بين هاتين الطاعتين العظيمتين رضي الله عنه (3).
وهذا يبين للمسلم وخاصة الداعية أهمية الحرص على عمل الخير، والمبادرة إليه: من الصيام المشروع، وغيره من الطاعات التي تجعله قدوة صالحة لغيره من الناس، ولعل قول أنس رضي الله عنه عن أبي طلحة رضي الله عنه " لم أره مفطرا إلا يوم فِطر أو أضحى " كناية عن كثرة الصيام لا عن صيام الدهر، والله
(1) انظر: عمدة القاري للعيني 14/ 126، ومنار القاري في شرح مختصر صحيح البخاري، لحمزة محمد قاسم 4/ 94، وانظر: الحديث رقم 18 الدرس الخامس.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر 6/ 42، وعمدة القاري للعيني 14/ 26، والفتح الرباني، ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأحمد بن عبد الرحمن البنا، 22/ 390.
(3)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 6/ 42، وعمدة القاري، للعيني، 14/ 126.
أعلم (1)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صام من صام الأبد» (2) وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أن ذلك يفيد كراهية صوم الدهر، لأنه صلى الله عليه وسلم دعا على من صام الأبد، وقيل «لا صام» للنفي أي ما صام (3) وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يقول:" يحتمل أنه دعاء على من صام الأبد، ويحتمل أنه إخبار بأنه لا صوم له وأنه ليس بصوم شرعي "(4) وسمعته يقول عن صيام أبي طلحة رضي الله عنه " وهذا يدل على أن أبا طلحة رضي الله عنه لم يبلغه حديث «لا صام من صام الأبد» فلا يجوز صيام الدهر "(5).
فينبغي للداعية أن يكون حريصا على فعل الخير، ولكن يتقيّد بما شرعه الله عز وجل وبينه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر: منار القاري في شرح مختصر صحيح البخاري، لحمزة بن محمد بن قاسم 4/ 94.
(2)
متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه البخاري، كتاب الصوم، باب حق الأهل في الصوم، 1/ 300، برقم 1977، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا، أو لم بفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار بوم، 2/ 815، برقم 1159،.
(3)
انظر: فتح الباري 4/ 222 - 224.
(4)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 1977، من صحيح البخاري، في جامع الإمام تركي بن عبد الله- الرياض.
(5)
سمعته من سماحته حفظه الله أثناء شرحه لحديث رقم 2828 من صحيح البخاري.