الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 -
باب فَضْلِ قَوْل اللهِ تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169 - 171](1).
[حديث صبح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم شهداء وذلك قبل تحريمها]
32 -
[2815] حَدَّثَنَا عَليّ بْن عَبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا سفْيان، عَنَ عَمْرٍو: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ (2) رضي الله عنه يَقول: " اصْطَبَحَ نَاس الْخَمْرَ يَوْمَ أحدٍ، ثمَّ قتِلوا شهَدَاءَ، فَقيْلَ لِسفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِيهِ "(3).
وفي رواية: " صَبّحَ أناس غَدَاةَ أحدٍ الْخَمْرَ فَقتِلوا مِنْ يَوْمِهمْ جَمِيعا شهَدَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمهَا "(4).
* شرح غريب الحديث: * " اصطبح الخمر " اصطبح الخمر أناس: أي شربوها أول النهار يوم أحد، ثم قتلوا في ذلك اليوم ولم تكن الخمر قد حرمت يومئذ (5).
(1) سورة آل عمران، الآيات:(169 - 171).
(2)
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي بن الصحابي، الإمام الكبير المجتهد الحافظ الأنصاري الخزرجي، السلميّ المدني، الفقيه، من أهل بيعة الرضوان، وكان آخر من شهد ليلة العقبة الثانية موتا، روى علما كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقل أنه روى ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا (1540) اتفق البخاري ومسلم منها على ستين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين. استشهد أبوه يوم أحد، قال جابر رضي الله عنهما: دفنت أبي يوم أحد مع رجل ثم استخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه [رواه البخاري برقم 1352]، وثبت في [صحيح مسلم برقم 1813] أن جابر بن عبد الله قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، ولم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبى [وفي رواية عند الواقدي لم أقدر أن أغزو حتى قتل أبي كان يخلِّفني على أخواتي وكن تسعا] فلما قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط. توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وسبعين، وقيل ثمان وسبعين، وقيل ثمان وستين وهو ابن أربع وتسعين سنة رضي الله عنه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 142، وسير أعلام النبلاء للذهبي 3/ 189 - 194، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/ 213.
(3)
[الحديث 2815] طرفاه في: كتاب المغازي، باب غزوة أحد، 5/ 36، برقم 4044. وكتاب تفسير القرآن، 5 سورة المائدة، باب قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، 5/ 225، برقم 4618.
(4)
الطرف رقم 4618.
(5)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 213.
* " الخمر " اسم لكل مسكر خامر العقل: أي غطاه (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من خصائص الإسلام: رفع الحرج.
2 -
من أساليب الدعوة: التدرج.
3 -
من تاريخ الدعوة: ذكر تحريم الخمر بعد غزوة أحد.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من خصائص الإسلام: رفع الحرج: دل هذا الحديث على أن من خصائص الإِسلام رفع الحرج عن هذه الأمة؛ لأن الإنسان لا يؤاخذ بفعل المباح قبل التحريم؛ قال العلامة العيني رحمه الله: "الخمر التي شربوها ذلك اليوم لم تضرهم؛ لأنها كانت مباحة في وقت شربها؛ وقد أثنى الله عليهم بعد موتهم، ورفع عنهم الخوف والحزن "(2). فمن رحمة الله تعالى أنه لا يؤاخذ عباده على فعل ما لم يحرمه عليهم؛ قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78](3) والحمد لله رب العالمين (4).
ثانيا: من أساليب الدعوة: التدرج: لا شك أن هذا الحديث دل على التدرج في تحريم الخمر؛ لأنها كانت مباحة زمنا في أول الإِسلام ثم حرمت في سنة ثلاث من الهجرة، ولا شك أن القرآن قد بين التدرج في تحريمها، فأنزل الله عز وجل تحريم الخمر على ثلاثة أوجه:
1 -
أنزل عز وجل قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219](5).
(1) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي تأليف أحمد الفيومي، 1/ 182.
(2)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري 14/ 113، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 278.
(3)
سورة الحج، الآية:(78).
(4)
انظر: الحديث رقم 1، الدرس الخامس.
(5)
سورة البقرة، الآية:(219).
2 -
ثم أنزل قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43](1) فقالوا: لا نشربها عند قرب الصلاة.
3 -
ثم أنزل الله عز وجل قوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90](2) فحرمت إلى يوم القيامة (3).
وهذا يبين أهمية التدرج في الدعوة على حسب الأحوال والأزمان، والمدعوين (4) ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها في التدرج في نزول القرآن:" إنما نزل أول ما نزل منه سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا. . . "(5).
ثالثا: من تاريخ الدعوة: ذكر تحريم الخمر بعد غزوة أحد: دل الحديث على تاريخ الدعوة إلى تحريم الخمر تحريما مؤبدا، وذلك أن تحريمها كان بعد غزوة أحد، في شهر شوال، سنة ثلاث من الهجرة (6).
(1) سورة النساء، الآية:(43).
(2)
سورة المائدة، الآية:(90).
(3)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام الطبري، 4/ 331.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثاني.
(5)
البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، 6/ 122، برقم 4996.
(6)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 278، وعمدة القاري للعيني، 14/ 113، 17/ 144، 18/ 210.