الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 -
بَاب فضلِ من جهز غازيا أو خلفَه بخيرِ
[حديث من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا]
49 -
[2843] حَدَّثَنَا أَبو مَعْمَرٍ: حدثنا عَبْد الْوَارِثِ: حدثنا الْحسَيْن: حدَّثَنِي يحيى قَال: حَدَّثَنِي أَبو سَلَمَة: حدَثَنِي بسْر بْن سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْد بْن خَالِدٍ (1). رضي الله عنه أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيا فِي سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيا فِي سَبِيلِ الله بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» (2).
* شرح غريب الحديث: * " جهز غازيا " تجهيز الغازي: تحميله وإعداد ما يحتاج إليه في غزوه، ومنه: تجهيز العروس، وتجهيز الميت (3).
* " خَلَفَ غازيا في أهله " أي قام مقامه في مراعاة أهله، يقال: خَلَفْت الرجل في أهله إذا أقمت بعده فيهم، وقمت عنه بما كان يفعله (4).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحث على إعداد الدعاة والغزاة في سبيل الله عز وجل.
(1) زيد بن خالد الجهني مختلف في كنيته فقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل أبو طلحة، وقيل أبو زرعة، سكن المدينة، وشهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، روِي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد وثمانون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على خمسة، وانفرد مسلم بثلاثة، توفي بالمدينة وقيل بالكوفة وقيل بمصر سنة ثمان وسبعين وله خمس وثمانون سنة، وقيل مات سنة ثمان وستين، وقيل مات قبل ذلك في خلافة معاوية بالمدينة، وقيل غير ذلك. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 203، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 565.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير، 3/ 1506، برقم 1895.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الجيم مع الهاء، مادة " جهز " 1/ 321، وانظر: تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي ص 132.
(4)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 133، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الخاء مع اللام، مادة " خلف " 2/ 66.
2 -
أهمية إعانة الدعاة والمجاهدين في سبيل الله عز وجل.
3 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الحث على إعداد الدعاة والغزاة في سبيل الله عز وجل: دل الحديث على أن تجهيز الدعاة والمجاهدين من موضوعات الدعوة التي ينبغي أن يعتنى بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على ذلك بقوله: «من جهز غازيا فقد غزا» وهذا فيه الحث على إعداد الدعاة والمجاهدين، ومساعدتهم بالمال، والكتب العلمية، وإمداد المجاهدين بالسلاح، والعتاد، وجميع ما يحتاجون إليه؛ لقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71](1) وقوله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60](2).
فينبغي العناية وحث المسلمين على إعداد الدعاة بالتعليم، والكتب والمال، ووسائل النقل المناسبة ثم إرسالهم للدعوة إلى الله عز وجل، وإعداد المجاهدين بالتعليم، والزاد، ووسائل النقل المناسبة، والسلاح، وغير ذلك من لوازم إعداد وتجهيز الدعاة والمجاهدين في سبيل الله عز وجل (3).
ثانيا: أهمية إعانة الدعاة والمجاهدين في سبيل الله عز وجل: ظهر في هذا الحديث أهمية إعانة الدعاة إلى الله عز وجل، والمجاهدين في سبيل الله سبحانه وتعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ومن خلف غازيا في سبيل الله فقد غزا» وهذا فيه بيان لأهمية إعانة الدعاة والمجاهدين، بإصلاح حال أهلهم، والقيام على ما يحتاجون إليه، والنيابة عنهم بالرعاية، والنفقة، وتفقد أحوالهم، وحمايتهم مما يضرهم، والدفاع عنهم، وإصلاح حال الأولاد، ومراقبة استقامتهم على
(1) سورة النساء، الآية:71.
(2)
سورة الأنفال، الآية:60.
(3)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 3/ 730، وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين 4/ 453.
طاعة الله، وإرشادهم وتوجيههم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة (1) قال الإِمام النووي رحمه الله:" وفي هذا الحديث الحث على الإِحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم "(2).
ثالثا: من أساليب الدعوة: الترغيب: في هذا الحديث الحث على أسلوب الترغيب في تجهيز الدعاة والمجاهدين والعناية بما يحتاجون إليه في دعوتهم وجهادهم، وفي القيام بمصالح أهلهم وحمايتهم من بعدهم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا» . وهذا يبين فضل من جهز داعيا إلى الله أو غازيا في سبيل الله كما يبين فضل من قام برعاية مصالح الدعاة والغزاة في أهلهم وأموالهم قال الإِمام النووي رحمه الله في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: " فقد غزا "" أي حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير: من قضاء حاجة لهم وإنفاقٍ عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته "(3) وهذا من فضل الله عز وجل على عباده أن جعل من جهز غازيا في سبيل الله عز وجل أو خلفه في أهله، كالغازي في المرتبة؛ لأنه إذا جهزه بماله يجاهد، وإذا خلفه في أهله بخير فكأن المجاهد لم يخرج من بيته؛ لقيام أموره فيه وإصلاح حال أهله، وحمايتهم، ونصرتهم (4).
قال الإِمام القرطبي رحمه الله: " القائم على مال الغازي وعلى أهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوه إلا بأن يكفى ذلك العمل، فصار كأنه يباشر معه الغزو، فليس مقتصرا على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولما
(1) انظر: عارضة الأحوذي، شرح سنن الترمذي، لابن العربي 4/ 116، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2630، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 51.
(2)
شرح صحيح مسلم، 13/ 44.
(3)
شرح صحيح مسلم، 13/ 44، وانظر: إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للأبي 6/ 629.
(4)
انظر: عارضة الأحوذي، شرح سنن الترمذي، لابن العربي، 4/ 116، وبهجة النفوس، لابن أبي جمرة، 3/ 116، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2630، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 50.
كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملا. . . " (1).
وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن النفقة في سبيل الله عز وجل تضاعف إلى سبعمائة ضعف، وهذا يدخل فيه من جاهد بنفسه ومن لم يجاهد؛ لحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل بناقة مخطومة وقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة» (2) وهذا كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261](3).
ومن فضل الله عز وجل أن من رَغَّبَ في الدعوة أو الجهاد أو غير ذلك من أنواع الطاعات فله مثل أجر من دعا وجاهد وعمل وإن لم يدع، ولم يعمل، ولم يجاهد (4)؛ ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يحمله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما عندي " فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من دل على خير فله مثل أجر فاعله» (5) وهذا فيه أعظم الترغيب في إعانة الدعاة والمجاهدين والمشاركة والدلالة على جميع أنواع الخير.
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 3/ 729.
(2)
أخرجه مسلم، في كتاب الإِمارة، باب فضل الصدقة في سبيل الله وتضعيفها 3/ 1505 برقم 1892.
(3)
سورة البقرة، الآية:261.
(4)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 727، وبهجة النفوس، لابن أبي جمرة 3/ 116، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 50، وشرح رياض الصالحين، لابن عثيمين، 4/ 454.
(5)
صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير، 3/ 1506 برقم 1893، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.