الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 -
بَاب إِذَا وَقَفَ أَرضا أَو بِئْرا أو اشْترَطَ لِنَفْسِهِ مِثلَ دِلاءِ المسْلمين
وَوَقَفَ أنَس دَارا، فَكَانَ إِذَا قَدِمَ نزَلَهَا، وَتَصَدَّقَ الزبير بِدورِهِ، وَقَالَ لِلْمَردودَةِ منْ بَنَاتِهِ: أَنْ تَسْكنَ غَيرَ مضِرَّةٍ وَلَا مضَرٍّ بِهَا، فَإِنِ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا حَقّ، وَجَعَلَ ابن عمَرَ نَصِيبَه مِنْ دَارِ عمَرَ سكْنَى لِذَوِي الحَاجَاتِ مِنْ آلِ عَبْد اللهِ.
[حديث من حفر بئر رومة فله الجنة]
16 -
[2778] وَقَالَ عَبْدَان: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عنْ أبِي عَبْدِ الرّحمَنِ:«أَن عثمانَ رضي الله عنه، (1) حَيْث حوصِرَ أَشْرَفَ عَليهم، وقَالَ: أَنشدكم اللهَ، وَلَا أَنْشد إِلَّا أَصْحَابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَلَسْتمْ تَعْلَمونَ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: " مَنْ حَفَرَ رومَةَ فَله الْجَنَّة " فَحَفَرْتهَا؟ أَلَسْتمْ تَعَلَمونَ أَنَّه قَالَ: " مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العسْرَةِ فَله الْجَنَّة " فَجَهَّزْته؟ قَالَ: فَصَدَّقوه بمَا قَالَ؟ وَقَالَ عمَر فِي وَقْفِهِ: لَا جنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَه أَن يَأْكلَ. وَقَدْ يَليهِ الوَاقِف وَغَيره فَهوَ واسع لِكلٍّ» . (2).
(1) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين أبو عبد الله وأبو عمرو، القرشي، أحد السابقين الأولين إلى الإِسلام، وصاحب الهجرتين، وذو النورين، زوج الابنتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح، أسلم قديما على يد أبي بكر رضي الله عنه، وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا وعرض عليه القرآن، وعرض على عثمان أبو عبد الرحمن السلمي وخلق كثير، ومما ذكر له من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثة، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بخمسة وبلَّغ ذلك العلم لخلائق من التابعين. وحفر بئر رومة، وجهز جيش العسرة، واشترى أرضا وسع بها في المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووسع في المسجد في خلافته الراشدة، وقد بويع له بالخلافة بعد موت عمر واستشهاده رضي الله عن الجميع؛ لأنه أحد الستة الذين توفي عنهم رسول الله وهو عنهم راض كما قال عمر، وكانت خلافته ثنتي عثرة سنة إلا ليالي، وحج بالناس عشر سنين متوالية، وقد جمع القرآن على حرف واحد وجمع الله به قلوب المسلمين على ذلك، وفتح الفتوحات الكثيرة العظيمة، قتل شهيدا مظلوما سنة خمس وثلاثين في شهر ذي الحجة وهو ابن تسعين سنة، وقيل ثمان وثمانين، وقيل ثنتين وثمانين، وقيل غير ذلك رضي الله عنه ورحمه.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 321 - 325، وتاريخ الإسلام، ووفيات المشاهير، والأعلام للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي 1/ 467 - 482، والإصابة في تمييز الصحابة 2/ 462 - 463.
(2)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وقد وصله الدارقطني والإسماعيلي، فتح الباري 5/ 407.
* شرح غريب الحديث: * " أنشدكم الله " يقال: نشدتك الله: أي سألتك بالله، ويقال: نشدتك الله، وأنشدك بالله، وأنشدك الله، وناشدتك اللهَ وبالله: أي سألتك وأقسمت عليك (1) وقيل: نشدتك الله، وأنشدك بالله: أي أشهدك بالله، وأعرِّفكَ ما نحبه فيك من الصدق لِلَّهِ (2).
* " رومة " هي بئر بالمدينة، اشتراها عثمان رضي الله عنه وسَبَّلها (3).
* " العسرة " جيش العسرة: غزوة كان فيها شدة على أهلها، وقلة، سمِّيَ جيشهَا بما أصابهم (4) وهي غزوة: تبوك.
* الدراسة الدعوية للحديث: هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحث على الإِنفاق والصدقات في وجوه الخير.
2 -
من صفات الداعية: المسارعة إلى الخيرات.
3 -
من صفات الداعية: الكرم والرغبة فيما عند الله تعالى.
4 -
إظهار الداعية مناقبه عند الحاجة إلى ذلك.
5 -
من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء والامتحان.
6 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
7 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية بالتفصيل على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الحث علي الإنفاق والصدقات في وجوه الخير: في هذا الحديث الشريف دعوة للأمة إلى الإنفاق والصدقة ابتغاء وجه الله
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، باب النون مع الشين، مادة " نَشَدَ " 5/ 53.
(2)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 43.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الراء مع الواو، مادة " روم " 2/ 279.
(4)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 53.
تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى حفر بئر رومة فحفرها عثمان رضي الله عنه وهذا العمل من أعظم الصدقات، ودعا صلى الله عليه وسلم إلى تجهيز جيش العسرة، فجهزه عثمان رضي الله عنه، وهذه من النفقات في سبيل الله تعالى. (1).
فعلى الداعية أن يحث الناس على الإِنفاق في وجوه البر ابتغاء وجه الله تعالى.
ثانيا: من صفات الداعية: المسارعة إلى الخيرات: إن من صفات الداعية الصادق مع الله تبارك وتعالى المسارعة إلى الخير ابتغاء مرضات الله تعالى؛ ولهذا سارع عثمان رضي الله عنه عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإنفاق ويبين فضله، فأنفق على جيش العسرة فجهزه، وحفر بئر رومة، فينبغي للداعية أن يسارع إلى فعل الخيرات كما قال سبحانه وتعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 133 - 134](2) الآية (3).
ثالثا: من صفات الداعية: الكرم والرغبة فيما عند الله تعالى: إن الكرم صفة حميدة ينبغي للدعاة أن يتصفوا بها، وفي هذا الحديث صورة واضحة تبين كرم عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فقد أنفق نفقة عظيمة عجز عظماء الرجال عن الإِنفاق مثلها، فقد ثبت أنه «أنفق في هذه الغزوة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وجاء بألف دينار فنثرها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها في حجره ويقول: " ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد هذا اليوم " قالها مرارا» (4) ومما يدل على كرمه أيضا ما أنفقه في شراء بئر رومة وحفرها، وذلك أن «المهاجرين لما قدموا المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني
(1) انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 12/ 87، وفتح الباري لابن حجر، 5/ 407، وعمدة القاري للعيني، 14/ 71.
(2)
سورة آل عمران، الآيتان: 134، 133.
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 5/ 407، وعمدة القاري للعيني، 14/ 72، والحديث رقم 30، الدرس الثاني.
(4)
الترمذي، في كتاب المناقب، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه 6/ 626، برقم 3701، وقال حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/ 209، وأخرجه أيضا الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 3/ 102، وانظر فتح الباري، لابن حجر، 7/ 54.
غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" تبيعنيها بعين في الجنة؟ " فقال يا رسول الله: ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال:" نعم "، قال: قد جعلتها للمسلمين» (1).
وهذا يدل على كرم عثمان رضي الله عنه ورغبته فيما عند الله تعالى، فعلى الداعية أن يكون كريما راغبا فيما عند الله سبحانه وتعالى (2).
رابعا: إظهار الداعية مناقبه عند الحاجة لذلك: لا شك أن الداعية الصادق المخلص لا يحب أن يظهر عمله للناس؛ لأنه لا يقصد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، ولكن إذا كان في إظهار مناقبه مصلحة راجحة تنفع الدعوة والمدعوين، أو تبيِّن للناس مدى صحة ما يقول حتى يعملوا به، أو تدفع عنه تهمة رمِيَ بها، فلا بأس بذلك، وفي هذا الحديث من فعل عثمان وقوله ما يدل على ذلك؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:". . . وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة، أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب "(3).
خامسا: من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء والامتحان: يظهر في هذا الحديث ما حصل لعثمان رضي الله عنه من الابتلاء، والامتحان، فقابل ذلك بالثبات والصبر، فهو ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومع ذلك أصابه هذا الابتلاء؛ قال سبحانه وتعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31](4).
(1) ذكره ابن حجر في فتح الباري، 5/ 407، وعزاه بسنده إلى البغوي في الصحابة، وانظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي للمباركفوري، 7/ 190.
(2)
انظر: الحديث رقم 2، الدرس الثاني، ورقم 15، الدرس الثاني.
(3)
فتح الباري 5/ 408.
(4)
سورة محمد، الآية:31.
فينبغي للداعية أن يسأل الله العفو والعافية، وإذا حصل ابتلاء صبر واحتسب الأجر على الله تعالى، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة (1).
سادسا: من أساليب الدعوة: الترغيب: لا ريب أن أسلوب الترغيب له أثر في حياة المدعو؛ ولهذا اعتنى به القرآن الكريم، واستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وفي هذا الحديث يظهر هذا الأسلوب في قوله صلى الله عليه وسلم:" من حفر رومة فله الجنة "، وقوله صلى الله عليه وسلم:" من جهز جيش العسرة فله الجنة "، وقد جاء في سبب ورود هذا الحديث أن «المسلمين عندما قدموا إلى المدينة وجدوا أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟» (2). وقال في حديث الباب: " من حفر رومة فله الجنة " قال ابن حجر في الجمع بين لفظ الحفر والشراء: ". . . وإن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا، ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوَسَّعَها وطواها فنسب حفرها إليه "(3).
فعلى الداعية أن يستخدم أسلوب الترغيب في دعوته للناس؛ فإن ذلك من أنفع الأساليب في جذب المدعوين إلى الخير (4).
سابعا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: يظهر في هذا الحديث أن القدوة وسيلة ناجحة في الدعوة إلى الله تعالى، وذلك أن عثمان رضي الله عنه اشترى بئر رومة وحفرها، وأنفق النفقة العظيمة في غزوة تبوك وكل ذلك بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فكان رضي الله عنه قدوة حسنة لغيره
(1) انظر: حديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 13، الدرس الثاني.
(2)
النسائي، في كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/ 235 برقم 3608، والترمذي، وحسنه في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان رضي الله عنه، 6/ 627 برقم 3703، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/ 209، وصحيح النسائي 2/ 766.
(3)
فتح الباري 5/ 408.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر، ورقم 13، الدرس الثالث.
من الصحابة؛ ولهذا أثنى عليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مرارا بقوله: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» وكان ذلك بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، وفي ذلك تشجيع لهم على النفقة.
فينبغي للداعية أن يكون قدوة حسنة لغيره؛ فإن ذلك من أنجح الوسائل في الدعوة إلى الله سبحانه (1).
(1) انظر: الحديث رقم 8، الدرس الثالث عشر، ورقم 14، الدرس السادس.