الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْ يَتَوَفَّانَا عَلَى خَيْرِ مِلَّةٍ
…
عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ خَيْرِ الْمَوَاهِبِ
…
مُقِيمِينَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي
…
أَتَانَا بِهَا عَالِي الذُّرَى وَالْمَرَاتِبِ
مُحَمَّدٌ الْهَادِي الْبَشِيرُ نَبِيُّنَا
…
وَسَيِّدُنَا بَحْرُ الْهُدَى وَالْمَنَاقِبِ
عَلَيْهِ صَلَاةُ اللَّهِ ثُمَّ سَلَامُهُ
…
وَآل وَأَصْحَاب لَهُ كَالْكَوَاكِبِ
انْتَهَى
قال ابن القيم رحمه الله:
إذا طَلَعتْ شمسُ النَّهارِ فإنِّها
…
أمارةُ تَسلِيمِي عليكُم فَسلِّمُوا
سلامٌ من الرَّحمنِ في كلِّ سَاعةٍ
…
وروحٌ وريحانٌ، وفَضلٌ وأَنْعُمُ
عَلى الصَّحْبِ والإِخْوَانِ وَالوِلْدِ والأَولى
…
رَعَاهُمُ بِإحسانٍ فَجَادُوا وأَنْعمُوا
وَسَائرِ مَنْ لِلسُّنَّةِ المَحضةِ اقْتَفَى
…
وما زَاغَ عنها فهو حقٌّ مُقوَّمُ
أُولئكَ أَتباعُ النَّبيِّ وحِزْبهِ
…
ولولاهُم ما كان في الأرْضِ مُسلِمُ
وَلولاهُم كَادت تَمِيْدُ بأهلِهَا
…
ولكنْ رَوَاسيهَا وأَوتَادهَا هُمُ
وَلَولاهُم كانتْ ظَلامًا بأهْلِهَا
…
ولكنهم فيها بُدورٌ وأَنجُمُ
أولئكَ أَصحَابِي فَحيهَلا بِهِم
…
وحيهلا بِالطَّيبينَ وأَنعُمُ
لكلِّ امرئٍ منْهُم سَلامٌ يخُصُّهُ
…
يُبلِّغُه الأَدْنَى إليهِ ويَنعَمُ
فيا مُحسنًا، بَلِّغْ سَلامِي وقل لَهُم:
…
مُحبُّكُم يَدعُو لكُمْ، وَيُسلِّمُ
ويا لائمِي في حُبِّهِم وَوَلائِهِم
…
تَأمَّلْ، هَدَاكَ الله، من هو أَلوَمُ
بأي دَليلٍ أم بأيَّةِ حُجَّةٍ
…
تَرَى حُبَّهُم عارًا عليَّ، وَتَنقِمُ
وَمَا العارُ إلا بُغْضُهُم واجْتِنَابُهُم
…
وحبُّ عِدَاهُم ذَاكَ عارٌ ومَأثَمُ
أَمَا والذِي شقَّ القُلوبَ، وأودَعَ الْـ
…
المحبَّةَ فِيهَا حَيثُ لا تَتَصَرَّمُ
وَحَمَّلها قَلْبَ المُحِبِّ، وإنَّهُ
…
لَيضعُفُ عن حَملِ القَمِيصِ ويَألَمُ
وَذَلَّلهَا حتى اسْتَكَانَتْ لِصَولَةِ الْـ
…
مَحَبَّةِِ لا تَلْوِي ولا تَتَلَعْثَمُ
وذَلَّلَ فيهَا أنفسًا دونَ ذُلِّهَا
…
حِيَاضُ المَنَايَا فوقَهَا، وهي حُوَّمُ
لأنتمْ عَلَى قُربِ الدِّيارِ وبُعْدِهَا
…
أَحبَّتُنَا إنْ غِبْتُمُ أو حَضرتُمُ
سَلُوا نَسَماتِ الرِّيحِ كم قد تَحمَّلَتْ
…
محبَّةَ صبٍّ شَوقُهُ ليس يُكتَمُ!!
وَشَاهِدُ هذا أنَّهَا في هبُوبِهَا
…
تكادُ تَبثُّ الوِجدَ لو تَتكلَّمُ
وكنتُ إذا ما اشْتدَّ بي الشَّوقُ والجَوَى
…
وكادَتْ عَرَى الصَّبرِ الجميلِ تَفصَّمُ
أُعلِّلُ نَفْسِي بِالتَّلاقِي وَقُربِهِ
…
وَأوهِمُهَا لَكِنَّهَا تَتوهَّمُ
…
وَأتبِعُ طَرفِي وِجهَةً أنتم بها
…
فلِي بِحماهَا مَربَعٌ وَمُخيَّمُ
وأَذْكُرُ بيْتًا قالهُ بعضُ من خَلا
…
وقد ضَلَّ عنهُ صَبرُهُ فهو مُغرَمُ
«أَسَائِلُ عنكُم كلَّ غادٍ ورَائِحٍ
…
وَأُومِي إلى أَوطَانِكُم وَأُسَلِّمُ»
وَكَمْ يَصْبِرِ المُشْتَاقُ عَمَّنْ يُحِبُّهُ
…
وَفِي قَلْبِهِ نَارُ الأَسَى تَتَضَرَّمُ
أَمَا والذِي حَجَّ المُحِبُّونَ بَيْتَهُ
…
وَلَبَّوا لَهُ عندَ المَهَلِّ، وَأَحْرَمُوا
وَقَدْ كَشَفُوا تِلكَ الرُؤوسِ تَواضُعًا
…
لِعِزَّةِ من تَعْنُو الوُجوهُ وَتُسلِمُ
يُهلُّونَ بالبَيْدَاءِ: لَبَّيكَ رَبَّنَا
…
لك المُلْكُ والحَمْدُ الذِي أَنْتَ تَعلَمُ
دَعَاهُم فَلَبَّوهُ رِضىً وَمَحبَّةً
…
فلما دَعَوْهُ كانَ أَقْرَبَ مِنْهُمُ
تَراهُم على الإِنْضَاءِ شعثًا رُؤوسُهُم
…
وغبرًا وهم فيها أَسَرُّ وأَنْعَمُ
وَقَدْ فَارَقُوا الأَوْطَانَ والأَهْلَ رَغْبَةً
…
ولم يَثْنِهِم لِذَاتُهُم والتَّنعُّمُ
يَسِيرُونَ من أَقْطَارِهَا وَفِجَاجِهَا
…
رِجالاً وَرُكبانًا، ولله أَسْلَمُوا
ولما رَأَتْ أَبصَارُهُم بَيْتَهُ الذِي
…
قُلُوبُ الوَرَى شَوقًا إليه تَضَرَّمُ
كأنَّهُم لم يَنْصِبُوا قطُّ قَبْلَهُ
…
لأن شَقاهُم قد تَرحَّلَ عنهُمُ
فللهِ كمْ من عِبرةٍ مُهَرَاقَةٍ
…
وأخرَى على آثَارِهَا تَتقدَّمُ
وَقَدْ شَرِقَتْ عَينُ المُحِبِّ بِدَمْعِهَا
…
فينظرُ من بَيْنِ الدُّمُوعِ، وَيُسْجِمُ
إذا عَايَنَتْهُ العَينُ زَالَ ظَلامُهَا
…
وَزَالَ عن القَلبِ الكَئِيْبِ التَّألُّمُ
ولا يَعرِفُ الطَّرفُ المُعاينُ حُسنَهُ
…
إلى أن يَعُودَ الطَّرفُ والشَّوقُ أعظَمُ
ولا عَجبٌ من ذَا فَحِيْنَ أَضَافَه
…
إلى نفسهِ الرَّحمنُ، فهو المُعظَّمُ
كَساهُ من الإِجلالِ أعظمَ حُلَّةٍ
…
عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ مُعلَمُ
فَمِنْ أَجْلِ ذَا كلُّ القُلُوبِ تُحِبُّهُ
…
وَتَخْضَعْ إِجْلالاً له وَتُعَظِّمُ
ورَاحُوا إلى التَّعريفِ يَرجُونَ رَحْمَةً
…
وَمَغفرةً ممنْ يَجُودُ ويُكْرِمُ
فَللهِ ذاكَ المَوقفُ الأعظمُ الذِي
…
كَموقِفِ يوم العَرضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ
وَيَدنُو بِهِ الجَبَّارُ جل جلاله
…
يُباهِي بهم أَمْلاكَهُ فهو أَكْرَمُ
يقولُ: عِبادِي قد أَتَونِي مَحَبَّةً
…
وإنِّي بهم بَرٌّ أَجودُ، وَأَرحمُ
فَأُشهِدُكُم أنِّي غَفَرتُ ذُنُوبَهُم
…
وَأَعْطَيْتُهُم مَا أَملُوهُ وأَنْعَمُ
فَبُشرَاكُم يا أَهلَ ذَا المَوقفِ الذِي
…
بهِ يَغفرُ اللهَ الذُّنُوبَ، وَيرحمُ
ومَا رُؤي الشَّيطانُ أغْيَظَ في الوَرَى
…
وأحقرَ منهُ عندهَا، وهو الأَمُ
…
وَذَاكَ لأمْرٍ قد رآهُ فَغَاظَهُ
…
فأقبل يَحثُو التُّربَ غَيظًا، وَيلطِمُ
وَمَا عَاينَتْ عَينَاهُ من رَحْمَةٍ أَتَتْ
…
وَمغفرةٍ من عند ذِي العَرشِ تُقسَمُ
بَنَى ما بَنَى، حتى إذَا ظَنَّ أنَّهُ
…
تَمَكَّنَ مِن بُنْيَانِهِ، فهوَ مُحْكَمُ
أَتَى اللهُ بُنيَانًا له مِنْ أَسَاسِهِ
…
فَخَرَّ عَلِيهِ سَاقطًا يَتَهَدَّمُ
وَكَمْ قَدْرَ مَا يَعْلُو البِنَاءُ وَيَنْتَهِي
…
إذا كَانَ يَبْنِيْهِ وذُو العَرشِ يَهدِمُ
وَرَاحُوا إلى جَمعٍ فَبَاتُوا بِمَشْعَرِ الْـ
…
حَرَامِِ وَصَلُّوا الفَجْرَ، ثم تَقدَّمُوا
إلى الجَمْرَةِ الكُبرى يُريدُونَ رَميهَا
…
لِوْقْتِِ صَلاةِِ العِِيْدِِ، ثُمَّ تَيَمَّمُوْا
مَنَازِلهُمْ للنَّحرِ يَبغُونَ فضلَهُ
…
وَإحْيَاءَ نُسكٍ من أَبِيْهِم يُعَظَّمُ
فلو كان يُرضَي اللهُ نحرُ نُفُوسِهِم
…
لَدَانُوا به طَوعًا، وللأمرِ سلَّمُوا
كَمَا بَذَلُوا عِندَ الجِهَادِ نُحُورَهُم
…
لأَعدَائِهِ حَتَّى جَرَى مِنْهُمُ الدَّمُ
وَلكنَّهُم دَانُوا بوضعِ رُؤوْسِهِِمْ
…
وذَلِكَ ذُلٌّ لِلْعَبِيْدِِ ومِيْسَمُ
ولَمَّا تقضَّوا ذلكَ التَّفَثَ الّذِي
…
عَلَيْهِمْ، وأَوْفُوْا نَذْرَهُم، ثُمَّ تَمَّمُوْا
دَعَاهُم إلى البَيْتِِ العَتِيْقِِ زِيَارَةً
…
فَيَا مَرْحَبًا بِالزَّائِرِيْنَ وأَكْرِِمُ
فَللَّهِ مَا أَبْهَى زِِيَارَتَهُمْ لَهُ!!
…
وَقَدْ حُصِّلَت تِلْكَ الجَوَائِزُ تُقْسَمُ
ولله إِفْضَالٌ هُنَاكَ ونَعْمَةٌ
…
وبِرٌّ وإحْسَانٌ، وَجُوْدٌ ومَرْحَمُ
وَعَادُوْا إلَى تِلْكَ المَنَازِِلِِ منْ مِنَى
…
وَنَالُوا مُناهُم عندها، وتَنعَّمُوا
أقامُوا بها يومًا ويومًا وثالثًا
…
وأُذِّنَ فيهم بالرَّحيلِ وأعلِمُوا
ورَاحُوْا إلى رَمْي الجَمارِ عَشِيَّةً
…
شِعَارُهُمُ التَّكْبِيْرُ وَاللهُ مَعهُمُ
فَلَوْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ مَوْقِِفَهُم بها
…
وقد بَسطُوا تلكَ الأكُفَّ لِيُرحَمُوْا
يُنَادُونَهُ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، إِنَّنَا
…
عَبيْدُكَ لا نَدْعُو سوَاكَ، وتَعلَمُ
وَهَا نَحْنُ نَرْجُوْ مِنْكَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ
…
فَأنْتَ الّذِِي تُعْطِيْ الجَزيْلَ وتُنْعِمُ
وَلَمَّا تَقَضَّوْا من مِنَى كُلَّ حَاجَةٍ
…
وَسَالَتْ بهمْ تلْكَ البِِطَاحُ تَقَدَّمُوْا
إِلى الكَعْبَةِ البَيْت الَحَرامِ عَشيَّةً
…
وَطَافُوْا بهَا سبْعًا، وصَلُّوْا وَسَلَّمُوْا
ولما دَنَا التَّوْديْعُ مِنْهُمْ وأيْقَنُوْا
…
بأنَّ التَّدانِي حَبلهُ مُتصرِّمُ
وَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ وَقْفَةٌ لِِمُوَدِّعٍ
…
فَلِلَّهِ أَجْفَانٌ هُنَالِكَ تَسْجُمُ!!
وللهِ أَكْبَادٌ هُنَالِكَ أُوْدِِعَ الْـ
…
غَرَامُ بِهَا!! فالنَّارُ فِيْهَا تَضَرَّمُ
وللهِ أنْفَاسٌ يَكَادُ بِِحَرِّهَا
…
يَذُوْبُ المُحِبُّ المُسْتَهَامُ المُتَيَّمُ
…
فَلَمْ تَرَ إلَاّ بَاهِتًا مُتحيِّرًا
…
وآخَرَ يُبْدِِيْ شَجْوَهُ يَتَرَنَّمُ
رَحَلْتُ، وأَشْواقِِي إِلَيْكُمْ مُقِِيْمَةٌ
…
ونارُ الأَسَى مِنِّي تُشَبُّ وتُضرمُ
أُوَدِّعُكُمْ وَالشَّوْقُ يَثْنِِي أَعِنَّتِيْ
…
وَقَلْبِيَ أَمْسَى في حِمَاكَمْ مُخَيِّمُ
هُنَالِكَ لا تَثْرِيْبَ يَوْمًا عَلَى امْرئ
…
إذَا مَا بَدَا مِنْهُ الّذِيْ كَانَ يَكْتُمُ
فَيَا سَائِقِيْنَ العِيْسَ، بالله رَبِّكُمْ
…
قِفُوْا ليْ عَلَى تِلْكَ الرُّبُوْعِ وسَلِّمُوْا
وَقُوْلُوا مُحِبٌّ قَادَهُ الشَّوقُ نَحْوَكُمْ
…
قَضَى نَحْبَهُ فِيكُم تَعِيشُوْا وتَسْلَمُوْا
قَضَى الله رَبُّ العَرْشِِ فِيْمََا قَضَى بِهِ
…
بأنَّ الهَوَى يُعْمِي القُلُوْبَ ويُبْكِمُ
وحُبُّكُمْ أَصْلُ الهُدَى، ومَدَارُهُ
…
عَلَيْهِ، وَفَوْزٌ لِلْمُحِبِّ، ومَغْنَمُ
وَتَفْنَى عِظَامُ الصَّبِّ بَعْدَ مَمَاتِهِ
…
وَأَشوَاقُهُ وقْفٌ عَلَيْهِ مُحَرَّمُ
فَيَا أَيُّهَا القَلْبُ الذِي مَلَكَ الهَوَى
…
أَزِمَّتَهُ، حَتَّى مَتَى ذَا التَّلوُّمُ؟!
وَحَتَّامَ لا تَصْحُو وَقَدْ قَرُبَ المَدَى
…
وَدنَت كُؤُوْسُ السَّيْرِ والنَّاسُ نُوَّمُ
بَلَى، سَوْفَ تَصْحُو حِيْنَ يَنْكَشِفُ الغِطَا
…
وَيَبْدُو لكَ الأَمْرُ الّذِي أَنْتَ تَكْتُمُ
وَيَا مُوْقِدًا نَارًا لِغَيْركَ ضَوْؤُهَا
…
وَحَرُّ لَظَاهَا بَيْنَ جَنْبَيْكَ يُضْرَمُ
أَهَذَا جَنَي العِِلْمِ الذي قَدْ رَضِيْتَهُ
…
لِنَفْسِكَ في الدَّارِينْ: جَاهٌ وَدِرْهَمُ؟!
وَهَذا هُوَ الرِّبحُ الذي قَدْ كَسَبْتَهُ؟!
…
لَعمْرُكَ لا ربْحٌ، وَلَا الأصْلُ يَسْلَمُ!!
بَخِلْتَ بِشَيْءٍٍ لَا يَضُرُّكَ بَِذْلُهُِ
…
وجُدْتَ بِشَيْءٍٍ مِثْلُهُ لَا يُقَوَّمُ
بَخِلْتَ بذَا الحَظِّ الخَسِيْسِ دناءَةً
…
وجُدْتَ بِدَارِ الخُلْدِ لَوْ كُنْتَ تَفْهَمُ
وَبِعْتَ نَعِيْمًا لَا انْقِضَاءَ لَهُ وَلَا
…
نَظيْرَ بِبَخْسٍٍ عَن قَلِيلٍٍ سَيُعْدَمُ
فَهلَّا عَكَسْتَ الأمْرَ إنْ كُنْتَ حَازمًا
…
ولَكِنْ أَضَعْتَ الحَزْمَ لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ
وَتَهْدِمُ مَا تَبْنِيْ بِكَفِّكَ جَاهِدًا
…
فأَنْتَ مَدَى الأيّامِِ تَبْنِي وَتَهْدِمُ
وعِنْدَ مُرَادِ الله تَفْنَى كَمَيِّتٍ
…
وعِنْدَ مُرادِ النَّفْس تُسْدِيْ وتُلْحِمُ
وعنْدَ خِلَافِ الأمْرِ تَحْتَجُّ بالقَضَا
…
ظَهِيْرًا عَلَى الرَّحْمنِ، للْجَبْرِ تَزْعُمُ
تُنَزِّهُ مِنْكَ النَّفْسَ عنْ سُوْءِ فِعْلِهَا
…
وَتَعْتِبُ أقْدَارَ الإِلهِ وَتَظْلِمُ
تَحُلُّ أُمُوْرًا أَحْكَمَ الشَّرْعُ عَقْدَهَا
…
وَتقْصُدُ مَا قَدْ حَلَّهُ الشَّرْعُ تُبْرِمُ
وتَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ خِلَافَ مَا
…
أَرَادَ لأَنَّ الْقَلْبَ مِنْكَ مُعَجَّمُ
مُطيْعٌ لدَاعِي الغَيِّ عَاصٍ لرُشْدِهِ
…
إِلى ربِّه يَوْمًا يُرَدُّ ويَعْلَمُ
مُضِيِّعٌ لأمْرِ الله قد غَشَّ نَفْسَهُ
…
مُهيْنٌ لَهَا أنَّى يُحبُّ ويُكْرَمُ
…
بَطيءٌ عَنْ الطَّاعَاتِ أَسْرَعُ للْخَنَا
…
مِنَ السَّيْلِ في مَجْرَاهُ لا يَتَقَسَّمُ
وَتَزْعُمُ مَعْ هَذَا بأنَّكَ عَارِفٌ
…
كَذَبْتَ يَقِيْنًا بِالّذِي أَنْتَ تَزْعُمُ
وَمَا أَنْتَ إِلا جَاهِلٌ ثُمَّ ظَالِمٌ
…
وأَنَّكَ بَيْنَ الجَاهِليْنَ مُقَدَّمُ
إذَا كَانَ هَذَا نُصْحُ عَبْدٍ لِنَفْسِهِ
…
فَمَنْ ذَا الّذِي مِنْهُ الهُدَى يُتَعَلَّمُ؟!
وفِي مِثْلِ هَذَا الحَالِ قَدْ قَالَ مَنْ مَضَى
…
وأَحْسَنَ فِيْمَا قَالَهُ المُتَكَلِّمُ
«فَإنْ كُنْتَ لَا تَدْرِيْ فَتلْكَ مُصيْبَةٌ
…
وإنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالمُصِيْبَةُ أَعْظَمُ»
وَلَو تُبْصِرُ الدُّنْيَا وَرَاءَ سُتُورِها
…
رَأَيْتَ خَيالاً فِي مَنَامٍ سَيُصْرَمُ
كَحُلْمٍ بِطَيْفٍ زَارَ فِي النَّوْمِ وانْقَضَى الْـ
…
مَنَامُ وَرَاحَ الطَّيْفُ، والصَّبُّ مُغْرَمُ
وَظِلٍّ أَرَتْهُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا
…
سَيَقْلُصُ فِي وَقْتِ الزَّوَالِ، ويَفْصِمُ
وَمُزْنَةِ صَيْفٍ طَابَ مِنْهَا مَقيْلُهَا
…
فَوَلَّتْ سَريْعًا، والحُرُوْرُ تَضَرَّمُ
ومَطْعَمُِ ضَيْفٍ لَذَّ مِنْهُ مَسَاغُهُ
…
وَبَعْدَ قَلِيْلٍ حَالُهُ تِِلْكَ تُعْلَمُ
كَذَا هَذِهِ الدُّنْيَا كأَحْلَامِ نَائمٍ
…
وَمِنْ بَعْدهَا دَارُ البَقَاءِ سَتَقْدَمُ
فَجُزْهَا مَمَرًّا لَا مَقَرًا وَكُنْ بِهَا
…
غَرِيْبًا تَعِِشْ فِيْهَا حَمِيْدًا، وتَسْلَمُ
أو ابْن سَبِيْلٍ قَالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ
…
وَرَاحَ، وَخَلَّى ظِلَّهَا يَتَقَسَّمُ
أَخَا سَفَرٍ لا يَسْتَقِرُّ قَرَارُهُ
…
إلَى أَنْ يَرَى أَوْطَانَهُ ويُسَلِّمُ
فَيَا عَجَبًا!! كَمْ مَصْرَعٌ وعَظَتْ به
…
بَنِيْهَا!! ولَكِنْ عَنْ مَصَارِعِهَا عَمُوْا
سَقَتْهُمْ كُؤُوْسَ الحُبِّ حَتَّى إذا نَشَوْا
…
سَقَتَهُمْ كُؤُوْسَ السُّمِّ والقَوْمُ نُوَّمُ
وأعْجَبُ مَا في العَبْدِ رُؤْيَةُ هَذِهِ الْـ
…
عَظَائمِ والمَغْرُوْرُ فيْهَا مُتيَّمُ
وَمَا ذَاكَ إِلَاّ أَنَّ خَمْرَةَ حُبِّهَا
…
لَتَسْلبُ عَقْلَ المَرْءِ مِنْهُ وتَصْلِمُ
وأَعْجَبُ من ذَا أنَّ أحبَابَهَا الأُلى
…
تُهينُ وللأعْدَا تُرَاعِي وتُكْرمُ
وَذلكَ بُرْهَانٌ عَلَى أنَّ قَدْرَهَا
…
جَنَاحُ بَعُوضٍ أَوْ أَدَقُّ وأَلأَمُ
وحَسْبُكَ مَا قَالَ الرَّسُولُ مُمَثِّلاً
…
لَهَا، وَلِدَارِ الخُلْدِ والحَقُّ يُفْهَمُ
كَمَا يُدْلِي الإِنْسَانُ في اليَمِّ أَصْبُعًا
…
ويَنْزعُهَا مِنْهُ فَمَا ذَاكَ يَغْنَمُ
أَلَا لَيْتَ شعْرِيْ هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلَةً
…
عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا، وأَمْرِي مُبْرَمُ
وَهَلْ أَرِدَنَّ مَاءَ الحَيَاةِ وَأَرْتَوِيْ
…
عَلَى ظَمَأٍ من حَوْضهِِ، وَهْوَ مُفْعَمُ
وَهَلْ تَبدُوَنْ أعْلَامُهَا بَعْدَمَا سَفَتْ
…
عَلَى رَبْعِهَا تلْكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ
وَهَلْ أَفْرِشَنْ خَدِّي ثَرَى عَتَبَاتِهِم
…
خُضُوعًا لهُم كيمَا يَرقُّوْا ويَرحَمُوْا
…
وَهَلْ أَرْمِيَنْ نَفْسِيْ طَريْحًا ببَابِهِمْ
…
وَطَيْرُ مَنَايَا الحُبِّ فَوْقِيَ تُحَوِّمُ
فَيَا أَسَفِيْ، تَفْنَى الحَيَاةُ وتَنْقَضِيْ
…
وذَا العُتْبُ بَاقٍ مَا بَقِيْتُمْ وعِشْتُمُ
فَمَا منْكُمُ بُدٌّ وَلَا عَنْكُمُ غِنَى
…
وَمَا ليْ منْ صَبْرٍ فَأَسْلُوَا عَنْكُمُ
وَمَنْ شَاءَ فَلْيَغْضَبْ سِوَاكُم فَلَا إذًا
…
إذا كُنْتُمُ عَنْ عَبْدِكُمْ قَدْ رَضيْتُمُ
وَعُقْبَى اصْطِبَارِيْ في هَواكُمْ حَمِيْدَةٌ
…
وَلكنَّهَا عَنْكُمْ عِقَابٌ ومَأثَمُ
وَمَا أَنَا بالشَّاكِي لِمِا تَرْتَضُوْنَهُ
…
وَلكنَّنيْ أَرْضَى به وَأُسَلِّمُ
وحَسْبيْ انْتِسَابِيْ منْ بَعيْدٍ إليْكُمُ
…
أَلَا إنَّهُ حَظٌّ عَظيْمٌ مَفَخَّمُ
إذَا قِيْلَ: هَذَا عَبْدُهُم وَمُحبُّهُم
…
تَهَلَّلَ بشْرًا وَجْهُهُ يَتَبَسَّمُ
وَهَا هُوَ قَدْ أَبْدَى الضَّرَاعَةَ سَائلاً
…
لكُمْ بلسَانِ الحَالِ والقَالِ مُعْلِمُ
أحبَّتَهُ عَطْفًا عَلَيْه فَإنَّهُ
…
لَِمُظْمى وإنَّ المَوْردَ العَذْبَ أَنْتُمُ
فَيَا سَاهيًا في غَمْرَةِ الجَهْلِ والهَوَى
…
صَريْع الأمَانيْ عَنْ قَريْبٍ سَتَنْدَمُ
أَفِقْ قَدْ دَنَا الوَقْتُ الذي لَيْسَ بَعْدَهُ
…
سِوَى جَنَّةٍ، أو حَرِّ نَارٍ تَضَرَّمُ
وبالسُّنَّةِ الغَرَّاءِ كُنْ متَمَسِّكًا
…
هي العُرْوَةُ الوُثْقَى الَّتي لَيْسَ تُفْصَمُ
تَمَسَّكْ بِهَا مَسْكَ البَخِيْلِ بِمَالِهِ
…
وعُضَّ عَلَيْهَا بالنَّوَاجذِ تَسْلَمُ
وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا
…
فَمَرْتَعُ هَاتيْكَ الحَوَادثِ أَوْخَمُ
وهَيِئ جَوَابًا عنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا
…
منَ اللهِ يَوْمَ العَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ
بِهِ رُسُلِي لَمَّا أَتَوْكُمْ فَمَنْ يَكُنْ
…
أَجَابَ سِوَاهُمْ سَوْفَ يُخْزَى ويَنْدَمُ
وخُذْ مِنْ تُقَى الرَّحْمنِ أعْظَمَ جُنَّةٍ
…
ليَوْمٍ به تَبْدُوْ عيَانًا جَهَنَّمُ
وَيُنْصَبُ ذَاكَ الجِسْرُ مِنْ فَوْقِ مَتْنِهَا
…
فَهَاوٍ، ومَخْدُوْشٌٍ، ونَاجٍ مُسَلَّمُ
وَيأْتِي إلهُ العَالميْنَ لِوَعْدِه
…
فَيَفْصِلُ مَا بَيْنَ العِبَادِ ويَحْكُمُ
وَيَأخُذُ لِلمَظْلُومِ ربُّكَ حَقَّهُ
…
فَيَا بُؤْسَ عَبْدٍ للْخَلائقِ يَظْلِمُ!!
وَيُنْشَرُ دِيْوَانُ الحِسَابِ وتُوْضَعُ الْـ
…
مَوَازِيْنُ بالقِسْطِِ الّذِي لَيْسَ يَظْلِمُ
فَلَا مُجْرمٌ يَخْشَى ظَلامَةَ ذَرَّةٍ
…
ولا مُحْسنٌ مِنْ أجْرهِ ذَاكَ يُهْضَمُ
وتَشْهَدُ أعْضَاءُ الْمُسِيءِِ بِمَا جَنَى
…
كَذَاكَ عَلَى فيْهِ المُهَيْمنُ يَخْتمُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِيْ!! كَيْفَ حَالُكَ عنْدَمَا
…
تَطَايَرُ كُتْبُ العَالَمِيْنَ وَتُقْسَمُ؟!
أَتَأْخُذُ بِاليُمْنَى كِتَابَكَ أَمْ تَكُنْ
…
بِالأُخْرَى وَرَاءَ الظَّهْرِ منْكَ تَسَلَّمُ
وَتَقْرَأ فِيْهَ كُلَّ شَيْءٍٍ عَمِلْتَهُ
…
فَيُشْرقُ منْكَ الوَجْهُ، أَوْ هُوَ يُظْلِِمُ
…
تَقُولُ: كِتَابِي فَاقْرؤوهُ فَإنَّهُ
…
يُبَشِّرُ بِالفَوْزِ العَظيْمِ، ويُعْلِمُ
وَإنْ تَكُن الأُخْرَى فَإنَّكَ قَائِلٌ:
…
أَلا لَيْتَنِي لَمْ أُوْتَهُ فَهْوَ مُغْرَمُ
فَبَادِرْ إِذًا مَا دَامَ في العُمْرِ فُسْحَةٌ
…
وَعَدْلُكَ مقبُوْلٌ، وصَرْفُكَ قَيِّمُ
وجُد، وَسَارِعْ، واغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا
…
فَفِيْ زَمَنِ الإمْكَانِ تَسْعَى، وَتَغْنَمُ
وَسِرْ مُسْرِعًا، فالسَّيْلُ خَلْفَكَ مُسْرِعٌ
…
وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌّ وَمَهْزَمُ
«فَهُنَّ المَنَايَا أَيُّ وَادٍ نَزَلْتَهُ
…
عَلَيْهَا القُدُومُ أَوْ عَلَيْكَ سَتَقْدَمُ»
وَمَا ذَاكَ إلا غَيْرةٌ أن يَنَالَهَا
…
سِوَى كُفْئهَا والرَّبُّ بالخَلْقِ أَعْلَمُ
وإنْ حُجبَتْ عَنَّا بكُلِّ كَريْهَةٍ
…
وَحُفَّتْ بِمَا يُؤْذِي النُّفُوسَ ويَؤْلمُ
فلله مَا فِي حَشْوِهَا من مَسَرَّةٍ
…
وأصْنَافِ لَذَّاتِ بِهَا يُتَنَعَّمُ!!
وللهِ بَرْدُ العَيْشِ بَيْنَ خِيَامِهَا
…
وَرَوْضَاتِهَا والثَّغْرُ فِي الرَّوْضِ يَبْسِمُ
فلله وَادِيْهَا الّذي هُوَ مَوْعدُ الْـ
…
مَزيْدِ لوَفْدِ الحُبِّ لَوْ كُنْتَ منْهُمُ
بِذَيَّالِكَ الوَاديْ يَهيْمُ صَبَابةً
…
مُحبٌّ يَرَى أَنَّ الصَّبَابَةَ مَغْنَمُ!
ولله أفْرَاحُ المُحبِّيْنَ عنْدَمَا
…
يُخَاطبُهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويُسَلِّمُ
وللهِ أَبْصَارٌ تَرَى اللهَ جَهْرةً
…
فَلَا الضَّيْمُ يَغْشَاهَا وَلَا هيَ تَسْأَمُ
فَيَا نَظْرَةً أَهْدَتْ إلَى الوَجْهِ نَضْرَةً
…
أَمِنْ بَعْدهَا يَسْلُو المُحبُّ المُتَيَّمُ؟
ولله كَمْ مِنْ خِيْرةٍ لَوْ تَبَسَّمَتْ
…
أَضَاءَ لَهَا نُوْرٌ مِنْ الفَجْرِ أَعْظَمُ
فَيَا لَذَّةَ الأبْصَارِ إن هيَ أَقْبَلَتْ
…
ويا لَذَّةَ الأَسْمَاعِ حِيْنَ تَكَلَّمُ
وَيَا خَجْلةَ الغُصْنِ الرَّطيْبِ إذا انثَنَت
…
وَيَا خَجْلَةَ البَحْرَينِ حينَ تَبسَّمُ
فإِنْ كُنْتَ ذَا قَلْبٍ عَلِيْلٍ بحُبِّها
…
فَلَمْ يَبْقَ إلَاّ وَصْلُهَا لَكَ مَرْهَمُ
وَلَا سِيَّمَا فِي لَثْمِهَا عنْدَ ضَمِّهَا
…
وَقَدْ صَارَ مِنْهَا تَحْتَ جِيْدِكَ مِعْصَمُ
يَرَاهَا إِذَا أَبْدَتْ لَهُ حُسْنَ وَجْهِهَا
…
يَلَذُّ بِهَا قَبْلَ الوصَالِ ويَنْعَمُ
تَفَكَّهُ مِنْهَا العَيْنُ عِنْدَ اجْتِلائِهَا
…
فَوَاكِهَ شَتَّى طَلْعُهَا لَيْسَ يُعْدِمُ
عَناقِدُ مِنْ كَرْمٍ وَتُفَّاحُ جَنَّةٍ
…
وَرُمانُ أغْصَانٍ بِهَا القَلْبُ مُغْرَمُ
ولِلْوَرْدِ مَا قَدْ أُلْبِسَتْهُ خُدُوْدُهَا
…
وللْخَمْرِ مَا قَدْ ضَمَّهُ الرِّيْقُ والْفَمُ
تَقََسَّمَ مِنْهَا الحُسْنُ في جَمْعِ وَاحِدٍ
…
فَيَا عَجَبًا مِنْ وَاحدٍ يَتَقَسَّمُ
تُذَكِّرُ بالرَّحْمنِ مَنْ هُوَ نَاظِرٌ
…
فَيَنْطِقُ بالتَّسْبيْحِ لَا يَتَلَعْثَمُ
لَهَا فِرَقٌ شَتَّى مِنَ الحُسْنِ أجْمَعَتْ
…
بجُمْلْتِهَا أن السُلُوَّ مَحَرَّمُ
…
إذَا قَابَلَتْ جَيْشَ الهُمُوْمِ بوَجْهِهَا
…
تَوَلَّى عَلَى أعْقَابهِ الَجْيشُ يُهْزَمُ
فَيَا خَاطبَ الحَسْنَاءِ إنْ كُنْتَ رَاغبًا
…
فَهَذا زَمَانُ المَهْرِ فَهْوَ المُقَدَّمُ
وَلَمَّا جَرَى مَاءُ الشَّبَابِ بغُصْنِهَا
…
تَيَقَّنَ حَقًّا أنَّهُ لَيْسَ يَهْرَمُ
وَكُنْ مُبغضًا للْخَائنَاتِ لحُبِّهَا
…
لتَحْظَى بِهَا مِنْ دُوْنِهِنَّ وتَنْعَمُ
وكُنْ أيِّمًا مِمَّا سِوَاهَا فَإنَّهَا
…
لِمِثْلِكَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ تَأَيَّمُ
وَصُمْ يَوْمَكَ الأدْنَى لَعَلَّكَ فِي غَدٍ
…
تَفُوْزُ بِعيْدِ الفِطْرِ والنَّاسُ صُوَّمُ
وأَقْدَمْ وَلَا تقْنَعْ بعَيْشٍ مُنَغَّصٍ
…
فَمَا فَازَ بِاللَّذَاتِ مَنْ لَيْسَ يُقْدِمُ
وإنْ ضَاقَتْ الدُّنْيَا عَلَيْكَ بأسْرِهَا
…
وَلَمْ يَكُ فِيْهَا مَنْزلٌ لَكَ يُعْلَمُ
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإنَّهَا
…
مَنَازلُكَ الأُوْلَى، وفِيْهَا المُخَيَّمُ
ولَكنَّنَا سَبْيُ العَدُو فَهَلْ تَرَى
…
نُرَدُّ إلى أَوطَانِنَا ونُسَلِّمُ
وَقَدْ زَعَمُوْا أنَّ الغَريْبَ إذا نأى
…
وَشَطَّتْ به أَوْطَانُهُ فَهْوَ مُغْرَمُ
وَأَيُّ اغْترَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي
…
لَهَا أَضْحَتْ الأَعْدَاءُ فِيْنَا تَحكَّمُ
وَحَيِّ عَلَى رَوْضَاتِهَا وخِيَامِهَا
…
وَحَيِّ عَلَى عَيْشٍ بِهَا لَيْسَ يُسْأَمُ
وَحَيِّ عَلَى السُّوْقِ الذِي يَلْتَقي بهِ الْـ
…
مُحبُّونَ، ذَاكَ السُّوقُ للقَوْمِ يُعْلَمُ
فَمَا شِئْتَ خُذْ مِنْهُ بِلا ثَمَنٍ لَهُ
…
فَقَدْ أَسْلَفَ الُّتجارُ فِيْهِ وأَسْلَمُوا
وَحَيِّ عَلَى يَوْمِ المَزيْدِ فإنَّهُ
…
لِمَوْعِدِ أَهْلِ الحُبِّ حيْنَ يُكَرَّمُوْا
وَحَيِّ عَلَى وَادٍ هُنَالكَ أَفْيَحٍ
…
وَتُرْبَتُهُ من أَذْفَرِ المِسْكِ أَعْظَمُ
مَنَابرُ مِنْ نُوْرٍ هُنَاكَ وَفِضَّةٍ
…
ومِنْ خَالصِ العقْيَانِ لا تَتفَصَّمُ
وَمِنْ حَوْلِهَا كُثْبَانُ مِسْكٍ مَقَاعِدُ
…
لِمَنْ دُوْنَهُم هَذَا العَطَاءُ المُفَخَّمُ
يَرُوْنَ بهِ الرَّحْمنَ جل جلاله
…
كَرُؤْيَةِ بَدْر التِّم لا يُتَوَهَّمُ
كَذَا الشَّمْسُ صَحْوًا لَيْسَ مِنْ دُوْنِ أُفْقِهَا
…
سَِحَابٌ ولا غَيْمٌ هُنَاك يُغَيِّمُ
فَبَيْنَا هُمُ في عَيْشهِمْ وسُرُوْرِهِمْ
…
وَأَرْزَاقُِهُِمْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ وَتُقْسَمُ
إِذَا هُمْ بِنُوْرٍ سَاطِعٍ قَدْ بَدَا لَهُمْ
…
وَقَدْ رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ فإذَا هُمُ
بِرَبِّهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قَائِلٌ لَهُمْ:
…
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، طِبْتُمُ ونَعِمْتُمُ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ، يَسْمَعُونَ جَمِيْعُهُمْ
…
بِآذَانِهِم تَسْلِيْمَهُ إِذْ يُسَلِّمُ
يَقُولُ: سَلُوْنِي مَا اشْتَهَيْتُمْ فَكُلُّ ما
…
تُرِيْدُوْنَ عِنْدِي، إِنِّنِي أَنَا أَرْحَمُ
فَقَالُوا جَمِيْعًا: نَحْنُ نَسْأَلُكَ الرِّضَى
…
فَأَنْتَ الذِي تُوْلِيْ الجَمِيْلَ وَتَرْحَمُ
…
فَيُعْطيْهمُ هَذَا، وَيُشْهِدُ جَمْعَهُمْ
…
عَلَيْهِ تَعَالَى الله، فَاللهُ أَكرَمُ
فَبِاللهِ مَا عُذْرُ امْرئٍ هُوَ مُؤمنٌ
…
بِهَذَا، وَلَا يَسعَى لَهُ وَيُقَدِّمُ؟!
وَلكنَّمَا التَّوفِيْقُ بالله إنَّهُ
…
يخُصُّ به مَنْ شَاءَ فَضْلاً وَيُنْعِمُ
فَيَا بَائِعًا غَالٍ ببَخْسٍ مُعَجَّلٍ
…
كَأنَّكَ لا تَدرِيْ، بَلَى سَوْفَ تَعْلَمُ
فَقَدِّمْ، فَدَتْكَ النَّفْسُ نَفْسَكَ إنَّها
…
هِيَ الثَّمَنُ المَبْذُوْلُ حِيْنَ تُسَلَّمُ
وَخُضْ غَمَراتِ المَوْتِ وَارْقَ مَعَارجَ الْـ
…
مَحَبَّةٍ في مَرْضَاتِهمْ تَتسَنَّمُ
وَسَلِّمْ لَهُمْ مَا عَاقَدُوْكَ عَلَيْهِِ إِنْ
…
تُرِدْ مِنْهُمُ أَنْ يَبْذِلُوا وَيُسَلِّمُوا
فَمَا ظَفِرَتْ بالوَصْلِ نَفْسٌ مَهِيْنَةٌ
…
وَلا فَازَ عَبْدٌ بِالبَطَالَةِ يَنْعَمُ
وَإِنْ تَكُ قد عَاقَتْكَ سُعْدَى فَقَلبُكَ ال
…
مُعنى رَهِيْنٌ في يَدَيْهَا مُسَلَّمُ
وَقد سَاعَدَتْ بالْوَصْلِ غَيْرَكَ فالهَوَى
…
لَهَا مِنْكَ، والواشِيْ بِهَا يَتَنَعَّمُ
فَدَعْهَا، وَسَل النَّفْسَ عَنْهَا بجَنَّةٍ
…
مِنَ العِلْمِ في رَوْضَاتِهَا الحَقُّ يَبْسمُ
وَقَدْ ذُلِّلَت مِنْهَا القُطُوفُ فَمَن يُردْ
…
جَنَاهَا ينلهُ كَيْفَ شَاءَ ويَطْعَمُ
وَقَدْ فُتحَتْ أبوابُهَا وَتزَيَّنَتْ
…
لِخُطَّابِهَا، فالحُسْنُ فِيْهَا مُقَسَّمُ
وَقَدْ طَابَ مِنْهَا نَزْلُهَا وَنَزِيْلُهَا
…
فَطُوبِى لِمَنْ حلُّوْا بِهَا وَتَنعَّمُوْا
أَقَامَ عَلَى أَبْوَابِِهَا دَاعِي الهُدى
…
هَلمُّوْا إلى دَارِ السَّعَادَةِ تَغْنَمُوْا