الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم وذَاكَ في غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ، فَقَامَ فأمْكَنَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فأمْكَنَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فانْصَبَّ (1) هُنَيَّةً".
311 - " بَابُ فضلِ السُّجُودِ
"
367 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ النَّاسَ قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " هَلْ تُمَارُونَ في الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَاب؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ في الشَّمْس، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ
ــ
يرينا كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وذاك في غير وقت صلاة" أي في غير وقت صلاة مكتوبة فصلّى أمَامَنَا إحدى الصلوات الخمس في غير وقتها ليعلمنا إياها عن طريق المشاهدة " فقام أمكن القيام " أي أطال القيام " ثم ركع فأمكن الركوع " أي أطاله واطمأن فيه " ثم رفع رأسه فانصب " بتشديد الباء " هُنَيَّة " (2) أي فاعتدل ونصب قامته، ومكث قائماً مدة من الزمن.
والمطابقة: في قوله: " فانصبّ هنَّية ". الحديث: أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
ويستفاد من الحديثين: مشروعية الاعتدال بعد الركوع، وهو فرض عند الشافعي وأحمد، سنة عند أبي حنيفة، ولم ينقل عن مالك فيه نص، لكن ظاهر مذهبه أنّه سنة، كما أفاده ابن رشد.
311 -
" باب فضل السجود "
367 -
معنى الحديث: يحدثنا أبو هريرة رضي الله عنه " أنّ الناس قالوا: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة " أي إن أصحاب رسول
(1) في رواية الكشميهني: فأنصت، ووقع عند الاسماعيلي: فانتصب قائماً، وهي أوضح. (ع).
(2)
بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء.
اللهِ، قَالَ: فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئَاً فَلْيَتَّبعْ، فَمِنْهُمْ مَن يَتَّبعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبعُ الطَّوَاغيتَ، وَتَبْقَى هَذه الأمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فيَأتِيهِمُ اللهُ
ــ
الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن رؤية المؤمنين لربهم، وهل المؤمنون يرون ربهم بأعينهم يوم القيامة؟ " قال: هل تمارون في القمر لينة البدر؟ " قال القسطلاني: " تمارون " بضم التاء من المماراة وهي المجادلة، وللأصيلي تَمارَوْن بفتح التاء والراء، وأصله تتمارَون حذفت إحدى التاءين أي هل تشكون. وعلى الأوّل معناه، هل تتجادلون في رؤية القمر ليلة الرابع عشر، فينكرها فريق من الناس، ويثبتها الآخر، أو أن ذلك حقيقة من الحقائق المحسوسة المسلَّم بها عند جميع البشر، وعلى الثاني معناه: هل تشكُّون في مشاهدة القمر هذه الليلة، " قالوا: لا يا رسول الله " فإن القمر لا يخفى على أحد هذه الليلة ولا يشك في وجوده أحدٌ " قال فإنكم ترونه كذلك " أي فإنكم سترون ربكم ظاهراً جلياً دون شك ولا ريب، كما أنه لا شك في رؤية القمر ليلة البدر، ورؤية الشمس في رابعة النهار، ليس دونهما سحاب والتشبيه في قوله: " ترونه كذلك " إنما هو في الرؤية ووضوحها لا في المرئي وهيئته وشكلِهِ، لأنه عز وجل ليس كمثله شيء " يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتَّبع " أى فليلحق بمعبوده، ويطلب عنده النجاة. " فمنهم من يتبع الشمس " وهم عبَّادها في الدنيا " ومنهم من يتبع الطواغيت " جمع طاغوت. قال ابن القيم: والطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع (1) والطواغيت كثيرة ورؤسها خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عُبد وهو راض،
(1)" الأصول الثلاثة " للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومعنى " أو متنوع " يعني في معصية الله " أو مطاع " أي في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحلّ الله.
فَيَقول أنَّا رَبُّكمْ، فَيَقولونَ: هَذَا مَكَاننَا حتَّى يأتِينَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأتِيهِمْ الله وعَزَّ وَجَلَّ، فَيَقول: أنَا رَبّكمْ، فَيَقولونَ: أنتَ رَبُّنَا، فَيَدْعوهمْ، وَيضْرِبُ الصِّراط بَيْنَ ظَهْرَانَْي جَهَنَّمَ، فَأكون أوَّلَ مَنْ يَجوز مِنَ الرُّسُلِ بأمَّتِهِ، ولا يَتَكَلَّم يَوْمَئِذٍ أحَدٌ إلا الرُّسل، وَكَلَام الرّسلِ يَومَئِذٍ اللَّهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيب مِثْل شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأيْتمْ
ــ
ومن دعا الناس إلى عبادته، ومن ادّعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله. اهـ. " فيأتيهم الله " على غير الصفة المعروفة لديهم من كتاب الله " فيقول أنا ربكم، فيقولون هذا مكاننا " أي فيثبتهم الله بالقول الثابت: فيقولون: لست ربنا، وسنبقى في مكاننا حتى يأتينا الرب الحق " فيأتيهم الله " على الصفة التي يعرفونها من كتاب الله " فيقولون: أنت ربنا " الحق، وقد رجَّح القاضي عياض أنّ الذي يأتيهم في الأول ملَكٌ، والذي يأتيهم في المرة الثانية رب العزة. قال النووي: يعرفونه بتوفيق الله تعالى، وهو الظاهر المتبادر إلى الذهن لرهبة الموقف الذي تذهل له العقول، ولكن الله يثبت بالقول الثابت من شاء من عباده المؤمنين الصادقين، ويلهمهم كلمة الحق، وقول الصواب " ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم " أي على وسطها " وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم " أي لا كلام لهم إلاّ التضرع إلى الله سائلين منه السلامة والنجاة لأممهم " وفي جهنم كلاليب " جمع كَلُّوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق بها اللحم " مثل شوك السعدان " وهو نبت ذو فروع شوكية، أي أن كلاليب جهنم في حدتها وصورتها وكثرة عددها تشبه شوك السعدان " تخطف الناس " بفتح الطاء ويجوز كسرها أي أن هذه الكلاليب التي على جانبي الصراط تأخذ الناس بسرعة لتلقيهم في جهنم " بأعمالهم " أي بسبب أعمالهم وعلى قدرها
شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غير أنَّهُ لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بأعْمَالِهِم، فَمِنْهُمْ مَنْ يَوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا أرادَ اللهُ رَحْمَةَ مَنْ أرَادَ من أهْلِ النَّارِ، أمَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بآثارِ السجُّودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أن تأكلَ أثرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأكلُهُ النَّارُ إلَّا أثرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيلِ، ثُمَّ يَفْرَغُ اللهُ منَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، ويَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ، مُقْبِلاً بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَد قَشَبَنِي
ــ
" فمنهم من يوثق " أي يهلك بسبب معاصيه " ومنهم من يخردل " أي يقِطع أشلاءً - فتقطعه كلاليب الصراط وتلقى به في جهنم. وللأصيلي بالجيم من الجردلة، وهي الإشراف على الهلاك، كما أفاده القسطلاني " ثم ينجو" كلام مستأنف أي ينجو من أراد الله له النجاة من النار بعدم دخوله إليها، أو بإخراجه منها " حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار " من عصاة المؤمنين " أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله " وحده " فكل ابن آدم تأكله النار إلاّ أثر السجود " في الجبهة، كما قال عياض أو في الأعضاء السبعة، كما أفاده الحافظ والعيني " فيخرجون من النار قد امتحشوا " بفتح التاء أي احترقوا " فيُصب عليهم ماء الحياة " قال عياض: وهو ماء من شربه أو صُبَّ عليه لم يمت أبداً " فينبُتون كما تنبت الحِبة " بكسر الحاء وهي بذرة البقل كما في " القاموس "" في حميل السيل "، أي في طين السيل، "ويبقى رجل
رِيحُهَا، وأحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَقُولُ، هَلْ عَسيْت إنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أنْ تَسْأل غَير ذَلِكَ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، فَيُعْطِي الله مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاق، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فإذَا أقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أن يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قدمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الله لَهُ: أليْسَ قَدْ أعطَيْتَ الْعُهودَ والمِيثَاقَ أنْ لَا تَسْأل غَير الذِّي كُنْتَ سألت، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أكُون أشْقَى خَلْقِكَ، فيقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إنْ أعْطِيتَ ذَلِكَ أنْ لا تَسْأل غَيرهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أسأل غير ذَلِكَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإذَا بَلَغ بَابَهَا، فَرَأى زَهْرَتَهَا، ومَا فِيهَا من النُّضرَةِ والسرورِ، فَيَسْكُتُ ما شَاءَ اللهُ أنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: وَيْحَكَ يا ابْنَ آدَمَ، مَا أغدَرَكَ! أليْسَ قَدْ أعْطَيْتَ العَهْدَ والميثَاقَ أنْ لا تَسْأل غَير الذي أعْطِيتَ؟! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أشْقَى
ــ
بين الجنة والنار" من العصاة " فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها " أي آذاني ريحها العفن، النتن، " وأحرقني ذَكاؤها " أي لهيبها المشتعل، " فيقول الله له: هل عسَيْتَ إن فعل الله ذلك بك أن تسأل غير ذلك، فيقول: لا وعزتك وجلالك " فيقسم ويعاهد الله على أن لا يسأله شيئاً آخر، " فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت " أي سكت مدة من الزمن " ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة " وقربني إليها، ثم قال: " فيقدمه إلى باب الجنة " فلا يملك نفسه عند ذلك، وهؤ يرَى الجنة بين يديه، " فيقول: يا رب أدخلني الجنة فيقول الله عز وجل: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك "
خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللهُ مِنْهُ، ثم يَأذَنُ لَهُ في دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى، حتى إذَا انْقَطَعَتْ أمْنِيَتُهُ، قَالَ اللهُ: زِدْ مِنْ كَذَا وَكَذَا، أقبَلَ يُذَكِّرُهُ رَُّبهُ حتى إذَا انتهَتْ بِهِ الأمَانِي، قَالَ اللهُ تَعَالى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " وَقَالَ أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ لأبِي هُرَيْرةَ: إن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللهُ عز وجل: لَكَ ذَلِكَ وَعشْرَةُ أمْثَالِهِ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: لَمْ أحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، قَالَ أبو سَعِيدٍ رضي الله عنه: إنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ذَلِكَ لَكَ وَعَشرَةُ أمْثَالِهِ.
ــ
وفي هذه العبارة ترحُّمٌ وإشفاق على هذا الإنسان الضعيف الذي يكمن ضعفه في تسرعه إلى إعطاء العهود والمواثيق التي لا يطيق الالتزام بها، ويعجز عنها، فيضطره ذلك إلى الغدْر، ونقض العهود، " فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك " أي لا تحرمني من جنتك مثل الكفار الذين هم أشقى عبادك، ولسان حاله يقول: كما قال الشاعر:
إنْ لم أكن أخْلَصْتُ فِي طَاعَتِكْ
…
فَإنَّنِي أطْمَعُ فِي رَحْمَتِكْ
وَإنَّما يَشْفَعُ لِي أنَّني
…
قَدْ كُنْتُ لَا أشْرِكُ فِي وَحْدَتِكْ
" فيقول له: تمّن حتى إذا انقطعت أمنيته " أي حتى إذا انتهت حاجاته، وسأل كل طلباته " قال الله في لك ذلك ومثله " أي لك ضعف ما طلبت " وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل لك ذلك وعشرة أمثاله " ومعناه أنهما اختلفا هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لك ذلك ومثله " وهو ما حفظه أبو هريرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: " لك ذلك وعشرة أمثاله " وهو ما سمعه أبو سعيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك في صحة الروايتين قال