الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
423 - " بَابُ الأمْرِ بإتباعَ الْجَنَائِزِ
"
495 -
عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ:
" أمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْع، ونَهَانَا عَنْ سَبْع، أمَرَنَا بإتباعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيض، وِإجَابَةِ الدَّاعِي، ونَصْرِ المَظْلُومِ، وإبْرارِ الْقَسَمِ، ورَدِّ
ــ
423 -
" باب الأمر باتباع الجنائز "
495 -
معنى الحديث: يؤكد لنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما جاء به الإِسلام من الشرائع والأحكام التي تضمن تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه سليم يضمن لكل إنسان حياة سعيدة كريمة، ويحفظ له حقوقه، ويصون كرامته في حياته، وبعد مماته، وأصدق مثل على ذلك قول الراوي " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع " فإن هذه الأعمال السبعة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم كلها تهدف إلى رعاية حقوق الإنسان، في حياته وتكريمه بعد وفاته، حيث قال الراوي:" أمرنا باتباع الجنائز " أي بتشييع موتى المسلمين وحملهم على أعناق الرجال إلى مثواهم الأخير، بعد القيام بحقوقهم الأخرى من غسل وتكفين، وصلاة عليهم تكريماً؛ وتوديعاً؛ ودعاءً؛ وشفاعة لهم، فإنّ المشيعين في الحقيقة شفعاء عند الله تعالى. ثم قال الراوي:" وعيادة المريض " وهنا انتقل الحديث إلى بيان الحقوق الاجتماعية التي تجب على كل مسلم ويسن له أداؤها لغيره من المسلمين، أو من الناس مطلقاً حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض أي زيارته أثناء مرضه، لتسليته والتخفيف عنه، وإشعاره بمنزلته، وأهميته، وهي من أقوى العوامل المؤدية إلى تحسين حالته النفسية والجسمية، ورفع معنويته، وزيادة مقاومته. ولا تختص عيادة المريض بالمسلم، بل تكون لكل من له صلة قرابة أو علاقة جوار ولو كان ذمياً. ثم قال البراء رضي الله عنه "وإجابة
السَّلَامِ، وتَشْمِيتِ الْعَاطِس، ونَهَانَا عَنْ آنيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، والْحَرِيرِ، والدِّيبَاجِ، والقِسِّيِّ، والِإسْتَبْرَقِ".
ــ
الداعي"، أي وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعوة وهي ما يتخذ من الطعام عند المناسبات السعيدة من حدوث نعمة أو زوال نقمة ابتهاجاً وفرحاً وشكراً لله تعالى، " ونصر المظلوم "، أي إغاثته، ودفع الظلم عنه ولو كان ذمياً، " وإبرار القسم " وهو فعل الشيء الذي أقسم عليه تحقيقاً لرغبته لئلا يحنث في يمينه " ورد السلام " على من بدأ بالسلام تجاوباً معه وإشعاراً له بالمحبة وصادق الألفة والمودة، " وتشميت العاطس " أي الدعاء له بالخير إذا حمد الله، فيقال له: يرحمك الله. ثم انتقل الراوي إلى الحديث عن بعض المحرّمات التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب، والحرير والديباج " وهو ما غلظ من الحرير " والقسِّيّ " (بفتح القاف وكسر السين المشددة) وهو الثياب المخلوطة بالحرير. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: مشروعية المحافظة على هذه الأعمال السبعة التي أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم لأنهما تكفل لكل فرد رعاية حقوقه حياً كان أو ميتاً. وتختلف هذه الأعمال في أحكامها الشرعية من حيث الوجوب والسنيّة. فأما تشييع الجنائز فهو فرض كفاية اتفاقاً، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وكذلك نصر المظلوم لمن كان قادراً عليه ولم يخشَ ضرراً يصيبه منه، وكذلك رد السلام عند مالك والشافعي، وأما تشميت العاطس، وإبرار القسم، وعيادة المريض، فإنّها سنن مستحبة. وذهب بعض الفقهاء إلى أن عيادة المريض فرض كفاية، حكمها في ذلك حكم إطعام الجائع وفك الأسير، وقد رغّب النبي صلى الله عليه وسلم فيها كثيراً فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا عاد المسلم أخاه
يزل في خُرْفَةِ الجنة" أي في روضة من رياضها. وفي الحديث القدسي: " يقول الله تعالى: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! وكيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عُدَّته لوجدتني عنده ". وإنما عني الإِسلام بعيادة المريض كل هذه العناية لما فيها من عظيم المواساة، وتجاوب العواطف والمشاعر الإِنسانية، ومشاركة المريض وجدانياً، ولأن المريض يتأثر بهذه الزيارة تأثراً نفسياً عظيماً يؤدي إلى تحسن صحته الجسمية، سيما إذا كان الزائر من الذين يحبهم ويرتاح إليهم، ويأنس بزيارتهم. قال ابن القيم: " وقد شاهد الناس كثيراً من المرضى تنتعش قواه بعيادة من يحبونه ويعظمونه، ورؤيتهم لهم، ولطفهم بهم، ومكالمتهم إيّاهم، وهذا أحد فوائد عيادة المرضى التي تتعلق بهم. وقد قال الشاعر:
مَرضَ الحُبيْبُ فَعُدْتُهُ
…
فَمَرِضْتُ إِشْفَاقاً عَلَيْه
وأتى الحَبِيْبُ يَعُوْدُنِي
…
فَشُفِيْتُ مِنْ نَظَرِيْ إلَيْه
وبعض التجارب يدل على ما هو أعظم من ذلك وأبلغ. أما إجابة الدعوة فإنها فرض عين كما صرح به الحنابلة، ونص عليه مالك، وفرق الشافعية بين وليمة العرس وغيرها، فأوجبوها في الأولى واستحبوها في الثانية. فإجابة الدعوة واجبة إلاّ إذا كان طعامها مشبوهاً أو حراماً أو فيها محرم، أو من يُتأذَّى به، فلا تجوز إجابتها. ثانياًً: استدل أبو حنيفة بقوله: " أمرنا باتِّباع الجنائز " على أن المشى خلف الجنازة أفضل حيث فسر الاتباع بالاتباع الحسي، وهو المشي خلف الشيء. وقالت الشافعية: المشي أمام الجنازة أفضل لما روي بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " أخرجه أبو داود. ولأن المشيعين شفعاء للميت، ومن حق الشفيع أن يتقدم على مشفوعه. وأجابوا عن حديث الباب بأن