الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحجر
سورةُ الحِجْرِ مكيَّةٌ، وقد حُكِيَ الإجماعُ على ذلك (1)؛ ولهذا كانت الأحكامُ فيها قليلةً؛ فهي للتَّذكيرِ والاعتبارِ للمشرِكينَ بمَن سَبَقَهُمْ، وبيانِ مُشابَهةِ حُجَجِ المُعانِدينَ المتأخِّرينَ لأمثالِهم من السابِقِين، وفيها بيانٌ لِما في القرآنِ مِن الحُجَجِ والبراهينِ الدالَّةِ على حقِّ اللَّهِ على خَلْقِه.
* * *
* قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 97، 98].
أخبَرَ اللَّهُ نبيَّه بعِلْمِهِ بما يَجِدُهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صدرِهِ من ضِيقٍ وحَرَجٍ مِن قولِ كفارِ قريشٍ، ثم أمَرَهُ بالصلاة والذِّكْرِ عندَ وجودِ شيءٍ من الضِّيقِ والحزنِ واشتداد الأمورِ وصعوبتِها.
صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ:
وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على مشروعيَّةِ الصلاة عندَ الشِّدَّةِ وحَزْبِ الأمرِ والهَمِّ، وأنَّ من وجَدَ شيئًا من ذلك، شُرِعَتْ له الصلاةُ كما تُشرَعُ عندَ قيام أسبابِها؛ كصلاةِ الضُّحا والاستخارةِ، وهي من ذوات الأسبابِ وتأخُذُ حُكْمَها، إلَّا أنَّ هذه الصلاةَ غيرُ مقدَّرِة الركَعاتِ؛ فجاءَ الحثُّ
(1)"زاد المسير"(2/ 522)، و"بصائر ذوي التمييز"(1/ 272).
عليها بلا عَدَدٍ، فتُصلَّى ركعتَيْنِ ومُضاعفاتِها، بخلافِ صلاةِ الاستخارةِ وصلاةِ الضُّحا، وتحيَّةِ المسجد، وركعتَي الطوافِ، فالأصلُ فيها أنَّها معدودةٌ، وإنَّما لم يُجعَلْ عددٌ لهذه الصلاةِ؛ لأنَّها تعلَّقتْ بأمرٍ، وهو شِدَّةُ الأمرِ والهمُّ منه، فتُشرَعُ الصلاةُ حتى يزولَ ذلك السببُ، كما تُشرَعُ صلاةُ الكُسُوفِ والخُسُوفِ حتى يزولَ السببُ.
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفزَعُ إلى الصلاةِ إذا حزَبَهُ أمرٌ، فكان يُصلِّي قُبَيْلَ لقاءِ العدوِّ، وعندَ اجتماع الأحزابِ، قال حُذَيْفةُ:"رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حزَبَهُ أمرٌ صَلَّى"(1).
وقد قال عليُّ بن أبي طالبٍ: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَيَدْعُو حتَّى أَصْبَحَ"(2).
والصلاةُ مِن أعظَمِ ما يُعِينُ العبدُ عند اشتدادِ الأمورِ، وإغلاقِ الأبوابِ، وانقطاع الأسباب، وقد قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، ولمَّا اشتَدَّ الأمرُ بموسى وقومِهِ، أُمِرُوا بالصلاةِ؛ كما قال تعالى:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
وهي كفايةٌ للعبدِ وعونٌ له ولو لم يَنْزِلْ به أمرٌ، فكيف إذا اشتدَّت عليه الأمورُ، وتكاثَرت عليه الهمومُ؟ ! وقد جاء في الحديثِ القدسيِّ: قال اللَّهُ: (يَا بْنَ آدَمَ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ، أَكْفِكَ آخِرَهُ)(3).
(1) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(212).
(2)
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(213)، والنسائي في "السنن الكبرى"(825).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 286)، وأبو داود (1289)، والنسائي في "السنن الكبرى"(468).
وكما تُشرَعُ الصلاةُ عندَ الكَرْبِ وإِذا حزَبَ الأمرُ، فيُشرَعُ الذِّكْرُ، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخُصُّ بعضَ الذِّكَرِ دونَ بعضٍ عندَ ذلك؛ كما روى الشيخان؛ مِن حديثِ ابن عبَّاسٍ؛ أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَربِ:(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)(1).
* * *
(1) أخرجه البخاري (6346)، ومسلم (2730).