الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الكهف
هذه السورةُ مكيَّةٌ، وهي من العِتَاقِ الأُوَلِ التي نزَلَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كما قال ابنُ مسعودٍ في بني إسرائيلَ والكهفِ ومريمَ وطه والأنبياءِ: إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهنَّ من تِلَادِي (1).
وهي مِن قَصَصِ القرآنِ للاعتبارِ والاتِّعاظِ والإعجازِ مِن ذِكْرِ خبرِ الماضِينَ، وأحكامُها مستنبَطةٌ لا منصوصةٌ، وهي متعلِّقةٌ بشرعِ مَنْ قبلَنا، ومقدارِ ما تُوافِقُهُ شريعتُنا، وفي هذه المسألةِ كلامٌ، تقدَّم شيءٌ منه عندَ قولِهِ تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
* * *
* قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف: 12].
مكَثَ أهلُ الكَهْفِ في كَهْفِهم سِنينَ لا يَعلَمُونَ هم قَدْرَها ولا أهلُ المدينةِ الذين خرَجُوا إليهم كذلك، فلم يَعلَمِ الكفارُ ولا المؤمِنونَ ذلك القَدْرَ، وقد اختُلِفَ في المقصودِ بالحِزبَيْنِ؛ فقيل: إنَّهم قومُ الفِتْيةِ، ومنهم مَن قال: قومُهم وغيرُهم.
وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على أثرِ عِلْمِ الحسابِ والتاريخِ في الاعتبارِ
(1) أخرجه البخاري (4739).
والاتِّعاظِ؛ فقد جعَلَ اللَّهُ إحصاءَ معرِفةِ ذلك مِن آياتِه، وكلَّما كان الإنسانُ أكثَرَ نظرًا وسَبْرًا للأحوالِ وأزمِنَتِها وما تَغَيَّرتْ خِلَالَه، كان أكثَرَ اعتبارًا مِن غيرِهِ ممَّن لا يَرَى إلَّا المشاهَداتِ ولا يَصِلُها بما مضى مِن حالِها.
وفي هذه الآيةِ: فضلُ عِلْمِ الحسابِ والتاريخِ، وفضلُ تعلُّمِهِ وتعليمِهِ ونشرِهِ للناسِ، مع بيانِ أثرِهِ على الإيمانِ باللَّهِ، وما فيه من إظهار آياتِه وقُدْرتِه.
واللَّهُ تعالى قدَّر على أهلِ الكهفِ ما نزَلَ بهم، وقدَّر زمَنَ بقائِهم والناسِ من حولِهم، ويَعلَمُ ذلك قبلَ كونهِ، بعلمٍ سابق، وبعدَ بعلمٍ لاحِق، فقول:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} ؛ يعني: لِنَعْلَمَ ذلك واقعًا، ويَظهَرَ أمرُهم علانيَةً، وعلمُ اللَّهِ اللاحقُ موافقٌ لِعلْمِهِ السابِقِ، لا مخالفٌ له، وعلمُه السابقُ علمٌ بأنَّ هذه الأحداثَ ستكون، وعلمُهُ اللاحقُ علمٌ بأنَّها كانت أو تكونُ بعد علمِهِ بأنها ستكون، واللَّهُ يُجْرِي الأحداثَ ليُظهِرَ منها أشياءَ للناسِ، ويبتليهم ويقيمَ عليهم الحجةَ بذلك؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى:{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)} [آل عمران: 154]، فلمَّا ذكَرَ أنَّه يَبتلِيهِم ليُخرِجَ ما في قلوبِهم، قال:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ؛ يعني: أنَّه يَعلَمُهُ ولو لم يَظهَرَ؛ وإنَّما يُظهِرُهُ لكم لِيَعْلَمَهُ واقعًا، فَتَرَوْهُ وتَسْمَعوه.
* * *
* قال تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)} [الكهف: 18].
ذكر اللَّهُ مع أصحابِ الكهفِ كلبًا، وأضافَهُ إليهم في قولِهِ: