الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الزخرف
سُورةُ الزُّخْرُفِ حُكِيَ الإجماعُ على مكيَّتِها (1)، وفيها بيانُ فضلِ القرآن، وسُنَّةِ اللَّهِ في الأوَّلينَ وحالِهم في الإعراض، وبيانُ آياتِهِ الكونيَّةِ وإبداعِ خَلْقِهِ وصُنْعِه، وحَقِّ اللَّهِ بالتوحيدِ، وذِكْرُ بعضِ الأنبياءِ وحالِ أُمَمِهم معهم، والتذكيرُ بآخِر الزمانِ وقُرْبِ الساعة، وحالِ الفريقَينِ في الآخِرةِ.
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: 12].
هذا تذكيرٌ مِن اللَّهِ بنِعَمِهِ وخَلْقِهِ الأزواجَ لتتناسَلَ وتتكاثَرَ؛ ليدومَ نعيمُه، وتقومَ حُجَّتُه، وذكَّر بشيءٍ مِن النِّعَم، وهو ركوبُ الدوابِّ والفُلْكِ لمنافعِ الناس، وقد تقدَّم الكلامُ على أحكامِ ركوبِ الدوابِّ عندَ قُولِهِ تعالى:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 7، 8]، وتقدَّم الكلامُ على ركوبِ البحرِ وأحوالِه، وحُكْمِ الغزوِ فيه وفضلِه، عندَ قولِهِ تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
(1) ينظر: "تفسير القرطبي"(19/ 5).
حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس: 22].
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13 - 14].
ذكَر اللَّهُ نِعْمةَ الركوبِ على الدوابِّ والفُلْك، وأشار إلى أنَّ أعظَمَ المواضعِ التي يَتذكَرُ فيها العبدُ نِعَمَهُ هي حالُ انتفاعِهِ منها، وأمَرَ بشكرِ المُنعِمِ عندَ ذلك وذِكْرِه، واظهارِ الافتقارِ إليه، والبراءةِ مِن الحَوْلِ والقوةِ إلَّا به؛ حتى لا يَغتَرَّ الإنسان بما فعَلَ مِن تدبيرٍ، وهذه الآيات نزَلَتْ والمراكبُ مِن الأنعامِ: الإبلِ والبقرِ والغنم، ولم يَصنَعِ الإنسانُ حينَها إلَّا الفُلْكَ بيدِه، ومع ذلك ذكَّر اللَّهُ بتلك النِّعَم، وأمَرَ بالافتقارِ وعدمِ الاغترار، والإنسان اليومَ أحوَجُ إلى ذلك وهو يصنعُ طائراتٍ وسيَّاراتٍ وقاطراتٍ وأنواعَ المراكبِ التي لم تكنْ فيمَن قبلَهم، وفتنتُهم فيها أشَدُّ ممَّن قبلَهم.
وفي هذه الآيةِ: بيانٌ لذِكْرِ الركوبِ على المراكبِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذِكْرِ الركوبِ ودُعَاءِ السفرِ وذِكرِه، والفرقِ بينَهما، عندَ قولِهِ تعالى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)} [هود: 41]
* * *