الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الممتحنة
سورةُ المُمْتَحَنَةِ سورةٌ مدَنيَّةٌ بلا خلافٍ (1)، وفيها بيَّن اللَّهُ وجوبَ موالاةِ المؤمنينَ ومعاداةِ الكافرينَ، وبيَّن ما تُخْفِيهِ صدورُ الكافِرِينَ والمُنافِقينَ على الإسلامِ وأهلِه، وبيَّن بعضًا مِن أحكام التعامُلِ والصِّلَةِ بينَ المسلِمِ والمنافِقِ والكافِرِ مُحارِبًا ومُسالِمًا، وبعضَ أَحكامِ المُهاجِراتِ وما لَهُنَّ وعلَيْهِنَّ.
أمَر اللَّهُ بالتأسِّي بإبراهيمَ وما هو عليه ومَنْ معه مِنْ توحيدٍ وسُنَّةٍ، في تعامُلِهم مع المُشرِكِينَ، وظاهرُ الآيةِ: أنَّ التأسِّيَ بهم في أصولِ الدِّينِ كما هو ظاهرِ السِّياقِ، واتِّباعُ الأنبياءِ في الأُصولِ ممَّا لا خلافَ فيه، وإنَّما الخلافُ في الشرائعِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك عندَ قولِهِ تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45].
* * *
(1) ينظر: "تفسير ابن عطية"(5/ 293)، و"زاد المسير"(4/ 266)، و"تفسير القرطبي"(20/ 395).
جعَلَ اللَّهُ الكفارَ على نوعَيْنِ: مُحارِبِينَ ومُسالِمِينَ، فلم يَنْهَ اللَّهُ عن صِلةِ المُسالِمِينَ والإحسانِ إليهم، وأنَّ هذا لا يَقتضي مُخالَفةَ أمرِ اللَّهِ بالبراءةِ مِن المشرِكِينَ، وقد ثبَتَ في "المسنَدِ"، و"الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما؛ قالتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ إذْ عَاهَدُوا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّه، إِنَّ أُمِّي قَدِمَت وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ:(نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ)(1).
وهذه الآية في كلِّ مشرِكٍ غبرِ مُحارِبٍ، والسلفُ إنَّما يَختلِفون في سببِ نزولِها والمقصودِ فيها؛ فقد صحَّ عن مجاهدٍ؛ أنَّ المقصودينَ هم الذين آمَنوا بمَكَّةَ ولم يُهاجِروا ولم يُقاتِلوا (2).
وقال غيرُهُ: إنَّها في غيرِ مُشرِكِي مكةَ ممَّن لم يُعادِ مِن العربِ، وهي في كلِّ مشرِكٍ مسالِمٍ سواءٌ.
وقال ابنُ عبَّاسٍ بنَسْخِ هذه الآيةِ بسورةِ براءةَ (3)؛ قال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1]، {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، وبالنَّسْخِ قال عِكْرِمةُ والحسنُ وقتادةُ وابنُ زَيْدٍ وغيرُهم (4).
(1) أخرجه أحمد (6/ 347)، والبخاري (2620)، ومسلم (1003).
(2)
"تفسير الطبري"(22/ 572).
(3)
"تفسير ابن المنذر"(2/ 822 - 823).
(4)
"تفسير الطبري"(7/ 298 - 300) و (22/ 573).